كتاب عربي 21

المصالحة الخليجية.. والاستعادة النسبية للعقل

1300x600

عودة العلاقات الخليجية المحتملة، بحسب المؤشّرات المتصاعدة، من شأنها أن تحدّ من مستويات الرداءة غير المسبوقة، في الخطاب العامّ الذي يستهدف وعي الجماهير الخليجية خصوصاً، والعربية عموماً، وإن كان من غير المتوقع أن تختفي هذه الرداءة، لأنّ سياسات دول الحصار ما زالت، كأيّ سياسات غير عقلانية وتفتقر للمبررات الواضحة، بحاجة إلى خطاب شعبويّ، تغطي به سياساتها التي لا يمكن تناولها بأدوات معقولة، ولصياغة وطنيّة جديدة تكون أكثر ارتكازاً للحاكم، الذي يُجسّد فيه الوطن، ومعنى الوجود.

فسياسات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي ما تزال جارية وعلى نحو لم يكن متصوّراً من قَبْل في المخيال العربي أو الفلسطيني؛ في أقسى حالة إساءته الظنّ بالمنظومة العربية، كما أنّ الملاحقة المحمومة للجماعات الإسلامية، بما تستدعيه من إجراءات تمسّ الدين نفسه، لا يبدو أنّ لها حدّاً ستقف عنده.

 

عودة العلاقات الخليجية المحتملة، بحسب المؤشّرات المتصاعدة، من شأنها أن تحدّ من مستويات الرداءة غير المسبوقة، في الخطاب العامّ

أكثر ما وسم هذه الرداءة، تجرّدها الكامل من الحياء، بما ضرب نمط العلاقات الخليجية البينيّة، التي لم تألف فحشاً وقذفاً للأعراض بهذه الكثافة، وهو الأمر الذي يكشف طبيعة القائمين على السياسات، وحدّة الشخصنة، ودور المشاعر في ترسيم السياسات البينية في لحظة فارقة، كان فيها يراد غزو قطر، مما يجعلها سياسات غرائزيّة بالدرجة الأولى، جرت فيها إعادة تصميم للإعلام والثقافة، وإعادة تصدير للشخصيات المعبّرة عن هذه السياسات، في حين غُيّب الحكماء، والأكفاء، والمفكرون، والعلماء، في السجون أو فرض عليهم الصمت، أو وجدوا أنفسهم غير قادرين على الموازنة بين الحكمة والرعونة، لأنّ للحكمة ثمناً مكلفاً، من أعمارهم وأمنهم وأرزاقهم، فاختاروا الاختفاء، لنشهد أغرب ظاهرة تسيّد للطيش والخفة والبذاءة في صورة مستشارين وإعلاميين ومثقفين!


صار الكذب لمجرد الكذب، أو لمجرّد التشفّي والتشهي، مكشوفاً، مهيناً لوعي الناس وذكائهم ومعرفتهم، ولم يعد ثمّة محرّم أخلاقي أو عرفي أو اجتماعي، ولا مقدس ديني. بات معيار الوطنية هو القدر الذي تنتهك فيه المحرمات والمقدسات لصالح التمسّح بالحاكم، ونفخ عهده بالادعاءات الكاذبة، والهذيان والزيف، فلا فلسطين هي فلسطين، ولا المسجد الأقصى هو المسجد الأقصى، ولا العروبة هي العروبة، ولا الإسلام هو الإسلام، فذلك كله يُنتهك للحديث عن "عُظميات" منفوخة لا وجود لها، ينفِّسها شاب كلّ حظّه في الحياة أنه زوج ابنة حاكم البيت الأبيض، فصار بذلك حاكم دول عربيّة بطولها وعرضها، فلا عظمى في الحقيقة إلا إرادة كوشنير، يفرّق ويجمع، يأمر وينهى، لتتجلّى حقيقة دولنا، وحجم ارتهانها للحامي، وارتباط ترتيباتها الداخلية برضاه!

 

ثمّة فائدة، في حال لو تمت هذه المصالحة، في الحدّ من ذلك الإسفاف، والاستعادة النسبيّة للعقل، ومنح الناس نافذة، ولو ضيقة، للتنفس وعياً وبصيرة

لا شكّ أنّ ثمّة فائدة، في حال لو تمت هذه المصالحة، في الحدّ من ذلك الإسفاف، والاستعادة النسبيّة للعقل، ومنح الناس نافذة، ولو ضيقة، للتنفس وعياً وبصيرة، فهذه السياسات، بما انبثق عنها من رعونة إعلاميّة مهينة لوعينا ومستفزة لأخلاقنا، كانت خطراً محيطاً بالإنسان العربي، تنتقص من كرامته بتحويله إلى كائن غرائزي، محشور بين الرغبة والرهبة، تعصرانه حتى لا يبقى من عقله شيء، وإن كانت ثمّة مخاوف مشروعة، طالما أنّ هذا هو الحال، أن تمسّ المصالحة بعض مصالح المستضعفين، أو أن يشترط فيها ما يجرّ المزيد إلى مربع التطبيع، وإن كانت من جهة أخرى، لو تمت بلا شروط من هذا النوع، من شأنها أن تخفف من عوز البعض إلى المنافذ الصهيونية في الولايات المتحدة، وتحفظ شيئاً من حقوق العرب والمسلمين في أموالهم التي تهدر هنا وهناك في العالم، على الدعاية، وتشبيك المصالح، ورشوة اللوبيات، لضمان الحماية الخارجية من الأشقاء الجيران!

هذه الأزمة التي أخفت الحكماء وصدّرت السفهاء، لعله يرتفع بارتفاع بعضها بعضُ الضغط الذي عاناه آخرون، من مثقفين ذهبوا أكثر مما يجب في انخراطهم في هذه الأزمة، والتصاقهم بخيارات السياسي هنا أو هناك، وهبوطهم في لغة الحوار إلى المستويات التي فرضها الذباب الإلكتروني.

twitter.com/sariorabi