كتاب عربي 21

أتباع "إسرائيل" العقائديون في إدارة بايدن.. دلالات لأمريكا ولنا

1300x600

قبل الدخول في مضمون المقال، وكفاتحة له، نبدأ بهذه السطور عن الشخصيات المقرّبة من الكيان الصهيوني في إدارة بايدن، ونقصد الصهاينة اليهود على وجه التحديد، لأن الصهينة شيء، واليهودية شيء آخر. وفي عام 2008 قال بايدن في حوار تلفزيوني: "لقد اعتدت أن أقول حينما كنت سيناتورا شابا أنني إذا كنت يهوديا، فسأكون صهيونيا بالتأكيد"، مضيفا: "لكن ليس عليك أن تكون يهوديا حتى تكون صهيونيا. أنا صهيوني"، ولعل أكبر دليل على ذلك هو التيار الإنجيلي المسيحي الذي يزايد في الصهينة على عتاة الصهاينة.

موقع "تايمز أوف إسرائيل"، قدم هذه القائمة لليهود المتحمّسين للكيان (هناك يهود ليسوا كذلك بالطبع، وبمستويات مختلفة):

أفريل هاينز، ستشغل منصب مديرة المخابرات الوطنية بعد أن كانت نائبة مدير المخابرات المركزية في عهد أوباما، وهي يهودية عُرفت بدعمها وزياراتها المتكررة لإسرائيل.

راشيل ليفين، ستشغل منصب نائبة وزير الصحة، وهي كانت وزيرة الصحة في ولاية بنسلفانيا، وقد نشأت في منزل يهودي محافظ.

رونالد كلاين، سيشغل منصب رئيس الأركان، وهو أحد مساعدي بايدن منذ سنوات طويلة، وعُرف في أمريكا بتعليم التوراة للأطفال اليهود.

ويندي شيرمان، ستشغل منصب نائبة وزير الخارجية، وقد تولّت شيرمان مهمة تعزيز التوافق مع المجتمع اليهودي في أمريكا ودعم إسرائيل من خلاله، كما لعبت دورا رئيسيا في "ضمان تبنِّي الحزب الديمقراطي سياسات إسرائيل العامة"، وفق الموقع الإسرائيلي.

 

أما المنصب الحساس في إدارة الأمن السيبراني بوكالة الأمن القومي فقد اختار له بايدن آن نويبرغر، وهي يهودية أرثوذكسية عملت في وكالة الأمن القومي لأكثر من عقد.


أليخاندور مايوركاس، سيتولى منصب وزير الأمن الداخلي، وقد عرف مايوركاس بنشاطاته المتعددة داخل الجماعات اليهودية، ورفع لواء مواجهة التهديدات التي يتعرض لها يهود أمريكا.

 

ولوزارة الخزانة التي تفرض العقوبات على الدول المعادية لأمريكا وتتولى العديد من الملفات الحساسة؛ اختار بايدن جانيت يلين، لتكون بذلك أول امرأة تتولى ذلك المنصب.

 

هناك بالطبع عدد آخر من المناصب الهامة أوكلها بايدن ليهود أمريكيين، لم يصنّفهم الموقع الصهيوني بذات المرتبة الأولى؛ من بينها منصب وزير الخارجية الذي سيتولاه أنتوني بلينكن، ومنصب نائب مدير وكالة المخابرات المركزية، الذي سيتولاه ديفيد كوهين، ومنصب المدعي العام، الذي سيتولاه ميريك غارلاند.

 

لن تكون هذه السطور مهمة إذا لم نتذكّر ابتداءً أننا نتحدث عن أقلية تمثل نسبتها في المجتمع الأمريكي أقل من 2 في المئة من الشعب، ولن تكون مهمة أيضا إذا لم نتذكّر أن لهذه الأقلية دولة أو كيانا يعتبره أكثر عناصرها دولته الأم، وهو كيان عقائدي بامتياز، يرى أن لكل يهودي في العالم حق العودة إليه في أي لحظة يشاء، ما يعني وجود ازدواج طبيعي في الولاء، من دون تعميم شامل بطبيعة الحال، أكان في الولاء، أم في طبيعة الميل السياسي داخل المجتمع الأمريكي أو الانحياز لسياسات الدولة الأم، بدليل أن مستوى الانحياز لترامب في الكيان الصهيوني نفسه كانت أكبر بكثير منه بين يهود أمريكا الذين صوّت 70 في المئة منهم لبايدن؛ ليس بسبب القناعات الخاصة لهم كأناس يعيشون داخل أمريكا وحسب، بل أيضا لأن انحيازهم التاريخي كان للحزب الديمقراطي الذي يمثل الأقليات، وذلك قبل أن تبدأ التحوّلات منذ جورج بوش (الابن)، حين أصبح للتيار الإنجيلي ثقله الكبير في الحزب الجمهوري، وهو تيار له ارتباط عقائدي مع الكيان، ليس بسبب الحب، بل بسبب الاعتقاد بأن تجميع اليهود فيه هو المقدمة لعودة المسيح المخلّص، والذي سيخيّر اليهود بين اتباعه، وبين الإبادة!! وهنا تكمن المفارقة المضحكة التي تتمثل في عنصرية هذا التيار، وعلاقته الحميمية بالكيان في آن. وفي هذا السياق ذهب كاتب صهيوني ذات مرة إلى القول إن علينا الاستمتاع بدعم هذا التيار راهنا، وحين يأتي موعد النبوءة إياها، سيكون لكل حادث حديث!!


سيقول البعض إن هذا النفوذ الصهيوني ليس جديدا، وما من إدارة إلا وأخذ فيها اليهود حصة كبيرة.

والحق أن هذا الكلام ليس صحيحا تماما، ذلك أن حضور الصهاينة في المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية الأمريكية، كان يتصاعد بمرور الوقت، ولم يكن الحال على هذا النحو قبل عقود، بل إن هذه المؤسسة كانت شبه محظورة عليهم تبعا للشك في الولاء، لكن النفوذ يجلب النفوذ.

هنا يحضر السؤال الأكبر، وهو: إلى متى يستمر هذا الصعود؟!

وسبب هذا السؤال هو أن هناك مستوىً من تحمّل المجتمعات لنفوذ الأقلية؛ أي أقلية وفي أي مجتمع، ويكون الوضع أكثر وضوحا حين تتبع تلك الأقلية كيانا آخر قد تصطدم مصالحه مع مصالح الدولة الأم.

هذا المستوى من النفوذ؛ بخاصة إذا تزامن مع بعض الغطرسة من قبل قادة الكيان الأصلي؛ سيترك آثاره على المجتمع الأمريكي، لكن ذلك لن يحدث سريعا في ظل سطوة اللوبي الصهيوني التي تجد صداها في الإعلام والسينما والاقتصاد، وتلاحق أي منتقد للكيان بتهمة اللاسامية.

 

ليس ثمة أقلية تصل بها الغطرسة هذا المستوى، إلا وتصطدم بالمجتمع في يوم من الأيام. صحيح أن الكيان الصهيوني موجود ويمكنه احتضان كل يهود العالم، وهو يتعامل كوصيٍّ عليهم من ناحية عملية، لكن المؤكد أن ذلك الكيان لن يغدو شيئا من دون دعم الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة.

 

لا نعول كثيرا على هذا الأمر في المدى القريب، لكنه قد يشكل أمرا مهما في المدى البعيد، بل ربما المتوسط، الأمر الذي ينسحب على أوروبا، وما نراه من تفاعل مع الهمّ الفلسطيني في أوساط الشارع.. وما تعكسه استطلاعات الرأي من تطور في المشاعر المعادية للكيان الصهيوني، يشير إلى ذلك. ولا شك أن إمكانية تعزيز هذا المسار كبيرة، لكن ذلك لن يحدث من دون مقاومة فلسطينية للمحتل، فالرأي العام العالمي يحترم الشعوب التي تقاوم، وليس الشعوب الخانعة.