قضايا وآراء

التورّط الأمريكيّ وتبريرات تدمير العراق!

1300x600
هل تورّطت أمريكا بغزو العراق، أم أنّ ما جرى مخطّط له بعناية فائقة؟

ما زال الجدل مستمرّاً حول هذا الموضوع الخطير في صالونات النقاشات الأمريكيّة والعالميّة.

وفي منتصف العام 2020، وخلال مرحلة التنافس ما بين الرئيسين دونالد ترامب وجو بايدن، شنّ الرئيس ترامب هجوماً ساحقاً على وزير الخارجيّة الأسبق كولن باول، بعد أن قال إنّه سيصوّت لبايدن في الانتخابات الرئاسيّة. وأكّد ترامب أنّ باول "متغطرس حقيقي.. وكان مسؤولاً عن إدخالنا في حروب الشرق الأوسط الكارثيّة، ألم يقل باول إنّ العراق امتلك أسلحة دمار شامل؟ العراق لم يمتلكها، لكنّنا خضنا الحرب".

وكلام الرئيس ترامب فيه إشارة واضحة لخطاب باول أمام الأمم المتّحدة في الخامس من شباط/ فبراير 2003، حيث عرض ما أسماها أدلة قويّة حول امتلاك العراق لأسلحة نوويّة، وهي اتّهامات أثبتت الأيّام بطلانها بشهادة المفتّشين الدوليّين الذين لم يعثروا على أيّ أثر لتلك الأسلحة، والتي قامت حرب تدمير الدولة العراقيّة بسببها، وحصدت ملايين الأبرياء ونشرت الخراب في البلاد التي لم تعرف العافية حتّى اليوم!

واعترف باول في أيلول/ سبتمبر 2005 في مقابلة مع قناة ABC الأمريكيّة بأنّ تبريره للحرب على العراق كان خطأ، وبأنّ تقريره أمام الأمم المتّحدة والمتعلّق بالعراق يعدّ وصمة عار في مسيرته السياسيّة، وبأنّ "هناك أناسا في المخابرات حينها يعرفون أنّ بعض مصادر المعلومات ليست موثوقة، لكنّهم لم يقولوا شيئاً. لقد دمّرني ذلك"!

ولا ندري ما قيمة اعتراف باول بعد أن "نجحوا" في تدمير الدولة، وزرع جملة من الفتن والمفاسد التي لم تكن ضمن الذاكرة الجمعيّة العراقيّة؟

وأمام اعترافات باول يحقّ لنا أن نتساءل: مَنْ الذي سيعوّض العراقيّين عن أيّام الخوف والذعر التي وزّعتها عليهم، بالتساوي، الصواريخ العابرة للقارّات، والطائرات المحمّلة بالموت والتخريب، والبنادق المليئة بالكراهية والنيران؟

وهل يمكن لاعتذار باول أن يُعيد العراق إلى مرحلة الاستقرار؟

وماذا ينفع الاعتذار للعراقيّين بعد أن فقدوا أكثر من مليون مواطن من الأبرياء الذين سحقتهم قوّات لا تعرف الرحمة، وكأنّها جاءت للانتقام؟

ومَنْ الذي سيُداوي جِراح الذين هُجّروا من ديارهم، بعد أن عبثت بأرواحهم وكرامتهم وشرفهم قوى الشرّ والإرهاب وعلى مرأى ومسمع من قوات الاحتلال التي يتوجّب عليها حمايتهم، وفقاً لاتّفاقية جنيف الرابعة/ 1949، والتي أكّدت على "حظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنيّة، وبخاصّة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب، والاعتداء على الكرامة الشخصيّة"!

وجميع هذه التجاوزات ارتكبتها قوات الاحتلال الأمريكيّ في عموم المدن وبصورة مباشرة وبوحشيّة مُذهلة، وبالذات في سجني "أبو غريب" و"بوكا"، أو بصورة غير مباشرة عبر سياسة غضّ البصر عن الجرائم التي ارتكبتها الفصائل الوحشيّة في غالبيّة المدن!

إنّ شهادة باول يفترض أن لا تمرّ دون عقاب، والاعتراف كما معلوم "هو سيّد الأدلة"؛ ولهذا يفترض تقديمه لمحكمة دوليّة وذلك وفقاً لنظام روما الأساسيّ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة المعتمد في 17 تمّوز/ يوليو 1998، حيث ذكرت المــادّة (5)، بأنّ اختصاص المحكمة يقتصر على أشدّ الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدوليّ بأسره، ومن بينها:

أ- جريمة الإبادة الجماعيّة.

ب- الجرائم ضدّ الإنسانيّة.

ج- جرائم الحرب.

د- جريمة العدوان.

وجميع هذه الجرائم تنطبق تماماً على شهادة باول التي قادت لقتل الوطن والمواطن في العراق، وعليه فنحن أمام جريمة متكاملة الأركان (القانونيّة، والمادّيّة، والمعنويّة)!

ففي الركن القانونيّ نجد أنّ نصوص تجريم ما جرى في العراق مذكورة في موادّ المحكمة الجنائيّة الدوليّة. بينما الركن المادّيّ، والمتعلّق بالفعل والنتيجة والعلاقة السببيّة، فجميعها تنطبق على الحالة العراقيّة، وقد تمّ، بالفعل، تدمير دولة معترف بها في الأمم المتّحدة، وقتل وتهجير الملايين من مواطنيها!

أمّا الركن المعنويّ فمتحقق لكون أنّ باول، وهو وزير خارجيّة الدولة المحتلة، يفترض به أن يدقّق في الاتّهامات قبل خوض تلك الحرب التدميريّة المستمرّة آثارها حتّى الآن، ولهذا فهنالك إرادة حقيقيّة لدى الجاني في ارتكاب تلك الجرائم البشعة بدليل عدم التدقيق في المعلومات الواردة قبل إعلانها!

محاكمة باول وكلّ مَنْ أراقوا دماء الأبرياء مطلب إنسانيّ بحاجة لموقف تضامنيّ يُعيد بعض الحقوق والإنصاف للعراقيّين من الأموات والأحياء!

فمَنْ سيحاكمهم، ومتى؟

twitter.com/dr_jasemj67