صحافة دولية

"فورين أفيرز": واشنطن ساعدت على الحرب الكارثية في اليمن

أوضح المقال أن السعودية أبلغت إدارة أوباما نيتها شن حرب على الحوثيين باليمن- الأورومتوسطي

تحدثت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، عن دور الولايات المتحدة في حرب اليمن، ومساعدتها لدول التحالف الذي تقوده السعودية خلال السنوات الماضية.

 

ونقلت المجلة عن روبرت مالي (المدير السابق لمجموعة الأزمات الدولية ومبعوث جوزيف بايدن الجديد لإيران) وستيفن بومبر مدير السياسة في مجموعة الأزمات الدولية، قولهم إن إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما كانت على علم بحرب السعودية في اليمن.

 

وذكر مالي وبومبر في مقال مشترك لهما بالمجلة، أن الولايات المتحدة ساعدت على حرب اليمن وعليها وقفها.

 

وقالا إن المسؤولين السعوديين جاءوا إلى إدارة أوباما نهاية آذار/مارس 2015 برسالة مفادها أنهم وعدد من الشركاء يحضرون للتدخل في اليمن الذي أطاح فيه متمردون بالحكومة هناك.

 

ولم يكن حديث السعوديين جديدا فقد تحدثوا عن مخاطر الحوثيين ودعم إيران لهم.

 

لكن الرسالة كانت تحمل حس العجلة وأن السعوديين سيتدخلون بدون أمريكا مع أنهم يفضلون دعمها.

 

اقرأ أيضا: صحيفة: تعاون أمريكي إماراتي لإقناع السعودية بإنهاء حرب اليمن

 

وتاليا الترجمة الكاملة لبقية المقال:

 

نظر المسؤولون إلى الرسالة وفي ذهنهم التدخلات الأمريكية الفاشلة في الشرق الأوسط وعدم ارتياح أوباما لتدخل جديد، خاصة أن الأخير كان في ليبيا.

 

وفي ذلك الوقت كان الكاتبان يعملان في مجلس الأمن القومي ويساعدان في شؤون الشرق الأوسط وحقوق الإنسان. والجميع يعرف أنه لا يمكن هزيمة حركة تمرد بسرعة، وهذا معروف من فيتنام إلى أفغانستان والعراق.

 

والحديث عن نصر سريع ضد حركة تمرد مصممة عادة ما يعود بالخيبة. وفي حالة اليمن، كان هناك عامل إضافي للشك، فقد كانت الإدارة تعتقد أن السعوديين يبالغون في الدور الإيراني بالإضافة للشكوك حول قدرة القوات السعودية رغم ما لديها من معدات متقدمة. وببساطة هناك احتمالات كثيرة لحدوث خطأ. وكما تحدث مسؤول "كنا نعرف أننا ربما ركبنا في سيارة سائقها مخمور". لكن الولايات المتحدة ركبت في السيارة على اعتقاد أنها قد تقدم الوجهة والإرشاد وتدير المقود حالة الضرورة. 


وقدمت واشنطن الدعم اللوجيستي والأمني والوقود في الجو، ومضى على الحرب ستة أعوام ولا يمكن وصفها إلا بالكارثة. وأكثر من هذا أثرت على استقرار الشرق الأوسط وقوت إيران وشوهت سمعة أمريكا. 


وفوق كل هذا زادت من معاناة اليمنيين وجوعتهم وشردتهم وفككت البلاد حيث توزعت السلطة بين عدة جماعات بشكل يزيد من صعوبة حل الأزمة. 

 

ويقول الكاتبان: "لعبت الولايات المتحدة دورا كبيرا في اليمن منذ البداية وعليها الإجابة على دورها في تلك المأساة ولأساب أخلاقية واستراتيجية". ومن هنا فعلى إدارة بايدن فك العلاقة مع اليمن والمساعدة في وقف الحرب فيه. ولكن عليها قبل ذلك تعلم الدروس الحزينة لأن قصة التورط فيها هي عبارة عن شراكات متجادلة وتعلل بالأماني ومنفعة.

 

 ففي محاولتها تجنب صدع مع حليف مهم انتهت الإدارة الأمريكية لأوباما التي حاولت الإبتعاد عن مشاكل المنطقة جزءا منها ومتواطئة مع أسوأ الصراعات فيها. 

 

ولكن كيف دخلت الولايات المتحدة في هذه الفوضى؟ يعود الكاتبان إلى 2011 عندما سقط علي عبد الله صالح واختيار عبد ربه منصور هادي لكي يكون جسرا بين النظام القديم والمستقبل المشرق. ولم تنفع هذه الوصفة حيث انهار الحوار الوطني مما شجع جماعة أنصار الله (الحركة الحوثية) على السيطرة على صنعاء في 2014. وخافت السعودية من سيطرة إيران على الجارة الجنوبية، ولهذا حضرت التحالف المعروف والذي جاء في وقت تحول بالسلطة في المملكة وتعيين محمد بن سلمان وزيرا للدفاع الذي أصبح وجه الحرب في اليمن.

 

وكان هذا هو السياق الذي طلب فيه السعوديون المساعدة من الأمريكيين. وحاول المسؤولون تعزيز نقاشاتهم وتقديم آراء للرئيس. وعبر عدد منهم عن مخاوفه من الإفراط في استخدام القوة، وشكك آخرون في قدرات محمد بن سلمان وكونه نجما صاعدا محتملا. ولكن مجلس الأمن القومي أوصى بتقديم نوع من المساعدة. وأعلن البيت الأبيض عن دعم لوجيستي واستخباراتي وتشكيل خلية تخطيط مشتركة في الرياض. ويرى الكاتبان أن الدعم الأمريكي له علاقة بهادي الذي نظر إليه كرئيس شرعي وحليف يوثق به في الحرب على الإرهاب وتغيير جيد عن سلفه صالح. وعندما سيطر الحوثيون على صنعاء رأى الأمريكيون في ذلك إهانة لمصالحهم وللقانون الدولي ولذلك أعربوا عن أملهم في عودة هادي من جديد. 


وهناك أسباب أخرى للدعم ولها علاقة بتحسين علاقات أمريكا مع دول الخليج، خاصة الإمارات العربية المتحدة. إلا أن العلاقات الأمريكية كانت تتعرض لضغوط في ربيع 2015 بسبب توقيع الإتفاقية النووية مع إيران بالإضافة لتأثرها من الربيع العربي الذي اعتقدت دول الخليج أن أمريكا قد تتخلى عنها كما فعلت مع رئيس مصر، حسني مبارك. ولهذا كانت الكلمة المحبذة هي "تطمين" السعودية بأن أمريكا تريد المساعدة ضد التهديدات الخارجية ونشر شعور جيد بين دول الخليج الأخرى. وعندما حضرت الولايات المتحدة قمة بكامب ديفيد في أيار/مايو 2015 كان الطلب الوحيد هو بيان يعبر عن التزام واشنطن بالدفاع عن دول الخليج ضد الأخطار الخارجية. أما السبب الآخر لدعم التحالف فهو الإيمان بقدرة واشنطن على لعب دور الوسيط والموجه في الحرب. 


وأصبح من الواضح للأمريكيين أنهم أساءوا تقدير التحدي الذي سيواجهونه للحد من العمليات السعودية وأثرها على المدنيين والعمليات الإنسانية. من ناحية منع وصول المواد الغذائية رغم محاولات الأمريكيين التدخل والموافقة على نظام رقابة على ما يسمح به من مواد ولم يكن هذا مساعدا. لكن المشكلة هي أن السعوديين قصفوا البنى التحتية ومصانع الطعام والأحياء السكنية والأعراس. وفي بعض الأحيان شعر الأمريكيون أن التحالف كان يقصد الضربات.

 

ومن أجل تخفيف الضحايا المدنيين طور الأمريكيون قائمة "أهداف ممنوعة" والمشكلة هي أن هذه القائمة تطبق على العمليات المخطط لها سلفا ولا تنسحب على الغارات التي يقوم بها الطيارون وهم في الجو. وأرسلت وزارة الخارجية في 2016 مبعوثا إلى خلية التخطيط لكنها تراجعت بعد زيادة الضحايا بين المدنيين وحتى لا تظهر بمظهر من يوافق على الغارات غير المسؤولة. 


وسط الجو الغامض من زيادة الضحايا والتدمير فما لم تفعله أمريكا هو التوقف عن الدعم. وواصلت الولايات المتحدة تقديم الوقود في الجو والأسلحة ومعلومات الإستخبارات والمتعهدين لمساعدة الطيارين السعوديين.

 

وفعلت كل هذا على أمل أن تحرف مسار التحالف وترشده. وفي الأشهر الستة الأخيرة من إدارة أوباما اتخذت عددا من القرارات التي تمنى البعض لو اتخذتها مبكرا، فقد فعل وزير الخارجية جون كيري عمليات الحل الدبلوماسي وطلب من الحوثيين تسليم أسلحتهم لهادي مع وعد بالمشاركة في السلطة.

 

وبعد الغارة في تشرين الأول/أكتوبر 2016 على قاعة أفراح قررت إدارة أوباما وقف إرسال القنابل الذكية للسعودية. وكانت إجراءات متأخرة، خاصة أن الإنتخابات الأمريكية جعلت من الصعوبة بمكان إقناع السعوديين بالقبول بمبادرات سلمية، كما أن فوز دونالد ترامب جعلهم يعتقدون أن الإدارة المقبلة ستكون معادية لإيران وستغض الطرف عن الضحايا المدنيين، كما أنها ستعيد صفقات الأسلحة التي ألغاها أوباما. وبالتأكيد نظرت الإدارة الجديدة للشرق الأوسط بطريقة مختلفة. واشتركت في العداء ضد إيران ولم يكن السلام جزءا من سياستها.

 

وكل ما كان يهم إدارة ترامب هو زيادة صفقات السلاح للسعودية وجعلها شريكا في مبادرة السلام الإسرائيلية- الفلسطينية وتحويل اليمن لجبهة أخرى في الحملة ضد إيران. ومرت علاقة ترامب باليمن بخط متعرج وأرسل رسائل متناقضة خاصة الهجوم على الحديدة من البر وليس من البحر والذي رفضته الإدارة السابقة.

 

كما وفتح الباب أمام التعاون الأمني وألغى في 2017 قرار أوباما بشأن القنابل. وفي 2018 أخبر مايك بومبيو الكونغرس أن التحالف يعمل جهده لحماية المدنيين، مع أن غارة قتل 40 تلميذ مدرسة وقعت قبل أسابيع. وبعد مقتل جمال خاشقجي في 2018 اتخذت السياسة من السعودية مسارا مختلفا، حيث دعمت أمريكا محادثات سلام جرت برعاية الأمم المتحدة خارج استوكهولم، وكانت هذه بسبب جهود جيمس ماتيس، وزير الدفاع وعلاقتها مع التحالف. وأدت المحادثات بين الحوثيين والحكومة اليمنية إلى وقف إطلاق النار حول الحديدة.

 

لكن ماتيس استقال بعد شهر وخف حماس ترامب للمحادثات. ومع مرور الوقت تحول اليمن إلى ساحة في الحرب الإقليمية مع إيران. فمن جهة التحالف والولايات المتحدة ومن جهة أخرى إيران وحلفاؤها. ولكن السؤال هو عن الدعم الذي تقدمه طهران للحوثيين؟ وهو موضوع كان محلا للنقاش المكثف.  لكن إيران رأت في النزاع ومنذ البداية كحرب غير مكلفة وفرصة لتوريط السعودية. ومن ناحية أخرى مناسبة لتعميق العلاقات مع الحركة المتمردة مع استمرار الحرب.

 

وبسبب الدعم العسكري استطاع الحوثيون ضرب الأراضي السعودية. وفي أيلول/سبتمبر 2019 استهدفت منشآت النفط السعودية في عملية أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها واتهمت واشنطن طهران بتنفيذها. وبحلول 2020 بدا للسعوديين أن الحرب التي اعتقدوا أنها ستكون سريعة تحتاج لعمل شاق. وبعد مقتل جمال خاشقجي حاول محمد بن سلمان تصحيح صورته التي شوهت بالكونغرس بسبب الجريمة وحرب اليمن.

 

ومن بدأ بمحادثات مع الحوثيين وجمع الكتلة المعادية لهم والتي كانت تعاني من مشاكل. ولكن هذه الجهود لم تكن كافية لوقف الحرب. وبحلول كانون الثاني/يناير 2021 عزز الحوثيون من سيطرتهم على شمال- غرب البلاد حيث تعيش نسبة 70 – 80% من السكان وباتوا يهددون مأرب. أما بقية البلاد فهي مجموعة من القطع المتناثرة بين الحكومة والميليشيات والجماعات المحلية.


ويرى الكاتبان ضرورة مساعدة أمريكا في تنظيف الفوضى التي أسهمت بخلقها، وبالتأكيد كانت السعودية ستشن الحرب بدعم من أوباما أو بدون مساعدته. ولكنها استطاعت مواصلة الحرب نتيجة الدعم الأمريكي المستمر، وتحاول الآن الخروج من هذا المأزق.


ثم هناك الكارثة الإنسانية التي تدعو إلى تدخل إدارة بايدن ووقف الحرب التي شردت وجوعت الملايين، صحيح أن الحرب ليست السبب الوحيد، فاليمن هو أفقر دول المنطقة، ولكنها ساعدت على تدمير البنى التحتية وبالتالي مفاقمة الأزمة الإنسانية.

 

كما أن هناك مخاوف من تحول النزاع في اليمن إلى حرب إقليمية بين السعودية وإيران ووصوله إلى أراضي السعودية، مما سيفرض على إدارة بايدن التدخل وهي التي عبرت عن رغبة بتجنب المغامرات العسكرية. ويعترف الكاتبان أن خطة بايدن القائمة على فك العلاقة مع اليمن وإنهاء الحرب فيه تواجه مشاكل. فمن ناحية يحتاج بايدن لأن يوازن بين العمل الدبلوماسي ووقف الدعم للحرب بدون التأثير على السعودية أو إرسال رسالة للحوثيين الذين يعتقدون أن خروج أمريكا سيكون في صالحهم.

 

واعترف فريق بايدن، وزير الخارجية وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي بخطأ سياسة أوباما لكن الإعتراف بالخطأ لا يعني ارتكاب خطأ جديد. ومن هنا اتسمت تصريحات بايدن حتى الآن بمحاولة التأكيد للسعوديين بأن واشنطن ستدافع عن وحدة أراضيهم وألغت في الوقت نفسه قرار ترامب الأخير بتصنيف الحوثيين كحركة إرهابية.

 

ويعتقد الكاتبان أن اليمن هو الثمرة الناضجة للحل من بين قائمة بايدن للشرق الأوسط. وعليه التقدم بحذر وتطمين السعوديين. ولكن السؤال إلى أي مدى عليه المضي في التأكيد لهم، خاصة أن أوباما فعل هذا وخلق مشاكل؟

 

ولعل السؤال الأهم الواجب على إدارة بايدن الإجابة عليه هو: كيف يمكن للولايات المتحدة تجنب التواطؤ في كوارث مماثلة؟ والبداية من إعادة تقييم الشراكة الأمنية مع دول الخليج، فهل تعني دعم هذه الدول حتى لو دخلت في حروب كارثية أم البحث عن توازن يجنب الولايات المتحدة التورط في نزاعات حتى لو أثر هذا على مصالح تأمين الطاقة؟

للاطلاع على النص الأصلي (هنا)