قضايا وآراء

حدود القدرة الروسية في سوريا

1300x600

ليست القوة العسكرية موازية دائما للقوة السياسية، فقد تنجح في إحداث متغيرات جغرافية هامة، لكنها قد تقف عاجزة عن استثمار هذا النجاح على المستوى السياسي، لأن القوة السياسية تحتاج إلى ما هو أكثر من القدرات العسكرية.

خلال السنوات الماضية أحدثت روسيا تحولات في الجغرافية السورية ضمن المسموح به أمريكيا، بيد أنها وقفت عاجزة عن تحقيق أي اختراق سياسي يذكر، فلا هي نجحت في فرض منطوقها السياسي على المعارضة ولا هي نجحت في إجبار النظام على تقديم تنازلات جدية. 

هل فعلا روسيا غير قادرة على ممارسة الضغوط على النظام السوري؟ أم أن موقفها في جوهره يتماهى تماما مع موقف النظام من ضرورة عدم تقديم أي تنازل سياسي؟ وأن الحل يُفرض عبر البوابة العسكرية لا عبر البوابة السياسية، وإن كان خطابها الرسمي يؤكد أن الحل هو سياسي بالدرجة الأولى.

ثمة رأيان، الأول يعتقد أن التصريحات الروسية ليست سوى تعمية عن موقفها الحقيقي الذي هو موقف النظام السوري تماما، وأن تصريحاتها السابقة بأنها لا تدعم الأسد وإنما الدولة السورية لا يخرج عن الهراء السياسي، فهي قادرة على استبدال الأسد متى أرادت، لكنها لا ترغب في فعل ذلك من أجل مصالحها.

الرأي الثاني ـ وهو الرأي الذي يتبناه صاحب المقال ـ يقول إن لروسيا قدرة محدودة في التأثير على القرار السياسي للنظام بفعل خصوصية الأخير الذي يختلف في بنيته وقاعدته الاجتماعية عن الأنظمة العربية الاستبدادية الأخرى.

 

يتكون نظام الحكم في سوريا من شبكة فوق طائفية أو عابرة للطوائف في الظاهر، لكن في قلب منظومة الحكم هذه تقع السلطة العلوية، ولذلك كانت ولا تزال أهم مناصب الدولة القادرة على إحداث الفرق بيد العلويين، وفي قلب منظومة السلطة العلوية يوجد الأسد.

 


مناسبة القول هذا، هو ما صرح به قبل أيام المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف لوكالة "تاس" الروسية، حين قال "إن الوجود الروسي في سوريا لا يعني أن لديها كل أدوات التأثير على دمشق، وعليها أن تصدر التعليمات، وعلى السوريين أن ينفذوا هذا كله".

كلام لافرنتييف جاء في إطار الاستياء الروسي من فشل الجولة الأخيرة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، وعرقلة النظام السوري المستمر لها.

من الصعب على أي مسؤول روسي أن يصرح بمثل هذا التصريح، لما يكشفه من عجز روسي أو قدرة محدودة للكرملين في ممارسة ضغوط سياسية على النظام السوري، ولعل الحملة الإعلامية الشرسة العام الماضي التي وجهت ضد الأسد وحاشيته في وسائل الإعلام الروسية لا تخرج عن استياء موسكو من عدم تنفيذ النظام للمطالب السياسية والاقتصادية الروسية.

لماذا لا تمتلك روسيا قدرة مطلقة في سوريا؟

يتكون نظام الحكم في سوريا من شبكة فوق طائفية أو عابرة للطوائف في الظاهر، لكن في قلب منظومة الحكم هذه تقع السلطة العلوية، ولذلك كانت ولا تزال أهم مناصب الدولة القادرة على إحداث الفرق بيد العلويين، وفي قلب منظومة السلطة العلوية يوجد الأسد.

بعبارة أخرى، إن إسقاط المنظومة الحاكمة العلوية وغير العلوية لن يؤدي إلى إسقاط الأسد، والعكس هو الصحيح، فإسقاط الأسد سيؤدي إلى إسقاط كامل للنظام بكل أبعاده الطائفية بما فيها العلوية، وسيجد العلويون أنفسهم في أتون حرب شرسة للسيطرة على الحكم، فما يوحد منظومة الحكم العلوية هو الأسد، ولهذا السبب يرفض العلويون أي طرح لإبعاده، فمثل هذه الخطوة ستؤدي بالضرورة إلى إبعادهم عن السلطة، وباعتباره أداة توحد للمنظومة العلوية الحاكمة، انعدمت الخيارت في سوريا لإيجاد بديل عن الأسد.

 

كانت كل المواقف والتصريحات السياسية الروسية تصب في مصلحة النظام، على الرغم من أن استمرار الوضع على ما هو عليه لا يخدم الاستراتيجية الروسية في سوريا، فهي بحاجة إلى حل سياسي مهما كان ضعيفا للخروج من عنق الزجاجة.

 



في تونس ومصر جرى تمايز بين الدولة والنظام مع اشتداد الضغط الداخلي والخارجي، وفي تلك اللحظة برزت قوة الدولة على حساب النظام، فجرى تغيير في شخص الرئيس، وهذه حالة لم تحدث في سوريا، الأمر الذي منع بروز مؤسسات الدولة، وبالتالي حال دون فرض الدولة لمنطقها على النظام.

الضغط على النظام لإبعاد الرئيس حالة لا تصلح في سوريا، وما يصلح هو العكس: الضغط على الأسد لإسقاط النظام، وهو ما تم التوافق عليه ضمنيا بين الولايات المتحدة وروسيا، وجعل من واشنطن تغير من خطابها السياسي تجاه الأسد وتقف حائلا أمام تركيا وقطر والسعودية في مرحلة لاحقة من إمداد المعارضة بالأسلحة اللازمة لإسقاط النظام عسكريا.

طبيعة نظام الحكم في سوريا جعل من روسيا عاجزة على ممارسة الضغوط، فهي لا تستطيع تهديد الأسد باستبداله، لأن من شأن ذلك سقوط النظام بالكامل، وبالتالي خسارة روسيا لكل ما قامت به.

لهذا السبب، كانت كل المواقف والتصريحات السياسية الروسية تصب في مصلحة النظام، على الرغم من أن استمرار الوضع على ما هو عليه لا يخدم الاستراتيجية الروسية في سوريا، فهي بحاجة إلى حل سياسي مهما كان ضعيفا للخروج من عنق الزجاجة.

*كاتب وإعلامي سوري