كتاب عربي 21

حكومة ادبيبة.. نهج نظري جيد تناقضه الإسقاطات العملية

1300x600

سلم رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد ادبيبة، حكومته للاعتماد من قبل مجلس النواب، والحكومة مشكلة من 27 وزارة، و6 وزراء دولة، بالإضافة إلى نائبين لرئيس الوزراء.

وكما أوضح بيان الحكومة، فإن معايير تحديد الوزارات وتسمية شاغليها تتضمن التنوع والكفاءة والتوزيع الجغرافي، واللامركزية، ومشاركة المرأة والشباب، والعدالة في إدارة الثروة.

وسبق هذا البيان مؤتمر صحفي لرئيس الحكومة حدد فيه الملفات الحيوية التي ستكون محور عمل حكومته وهي الأمن والاقتصاد والخدمات ومكافحة الفساد واللامركزية والمصالحة والتعاون الدولي والانتخابات.

الملاحظة الأولية أن الحكومة بالشكل الذي اقترحه السيد ادبيبة هي لفترة تتعدى الموعد المقرر لإجراء الانتخابات في كانون الأول (ديسمبر) المقبل حتى يتم اختيار الحكومة الجديدة بعد الانتخابات وتتم إجراءات التسليم.

النظري وإشكال الإسقاط العملي

الحقيقية أن نهج تحديد رؤية للحكومة وتأطير مهامها ووضع سياسات ومعايير لضبط آدائها هو خيار صائب وناجع، إلا أن التحدي يكمن في الالتزام بهذه المعايير وإسقاطها بشكل دقيق على الواقع، وهو ما نرى أنه لم يكن حاضرا في تركيبة الحكومة وتحديد الوزارات.

أولى ضوابط تحديد شكل الحكومة، والذي يمثل المهمة الأساسية والرئيسية والكبرى لها هو تهيئة المناخ والظروف لإجراء الانتخابات العامة في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وهذا المستهدف الكبير يتطلب التركيز على ملفات أساسية هي الملف الأمني، والمصالحة الوطنية وتوابعها والتي من بينها معالجة أثر الحروب والنزاعات، وقد لا يكون مستهجنا في ظل ظروف التأزيم السياسي والاجتماعي أن يكون للمصالحة والعدالة الانتقالية وزارة، فقد تشعبت الوزارات الإنسانية وتنوعت وفق مقترح السيد ادبيبة دون أن يكون هناك تركيز واضح على هذا الملف. أيضا اقترح الرئيس 6 وزراء دولة للشؤون السياسية والاقتصادية والإنسانية وليس من بينهم من يناط به مهمة كبيرة وخطيرة وهي الصلح والعدالة الانتقالية.

فيما يتعلق بملف الخدمات، فإن الواقع الخدمي المتردي جدا والمتفاقم منذ سنوات هو من التحدي بمكان بحيث يتطلب تركيزا مقرونا بكفاءة وفعالية عاليتين، ومنع التشتت والمبالغة في التنوع الذي تضيع في خضمه الغايات والأهداف الرئيسية. وهذا يتطلب تقليل عدد الوزارات ودعمها بكل أشكال الدعم المعادي والمعنوي لتخرج البلاد والمجتمع من قاع التأزيم الخدمي. فهل يستقيم هذا مع القائمة الطويلة من وزارات الخدمات والتي بلغت 14 وزارة؟!

 

الحقيقية أن نهج تحديد رؤية للحكومة وتأطير مهامها ووضع سياسات ومعايير لضبط آدائها هو خيار صائب وناجع، إلا أن التحدي يكمن في الالتزام بهذه المعايير وإسقاطها بشكل دقيق على الواقع، وهو ما نرى أنه لم يكن حاضرا في تركيبة الحكومة وتحديد الوزارات.

 



وفق محددات الوضع الخدمي المتردي والإطار الزمني المحدود فإن اقتراح ثلاث وزارات للتعليم الأساسي والعالي والتقني، ووزارة للموارد المائية، ووزارة الزراعة، ووزارة الثروة البحرية، ووزارة البيئة، ووزارة الصناعة هو مؤشر على ضياع البوصلة وتغليب معيار المحاصصة واسترضاء "زيد وعبيد" على حساب معيار الكفاءة الذي جعله رئيس الحكومة أول معايير ومحددات تشكيل حكومته، فالكفاءة مفهوم يتجاوز قدرات ومهارات المرشحين إلى آداء الحكومة برمتها.

من جهة أخرى، لنا أن نسأل ما هو المعيار في عدم تخصيص وزارة للكهرباء، فانقطاع الكهرباء هو أزمة الأزمات الخدمية، بينما تكون أزمة تراكم القمامة من شواغل رئيس الحكومة الرئيسية ليخصص لها وزارة بـ "حالها"، ولا يقول قائل بأن البيئة تعني أكثر من جمع القمامة، فنحن لسنا اليوم في ترف ورغد عيش ليكون لنا وزارة تخطط للمحافظة على البيئة بمفهومها الحداثي.

وزراء الدولة لماذا؟

أما بخصوص قائمة وزراء الدولة، فمن الواضح أن هناك خللا في تقدير أهمية مثل هذه المناصب في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، فمع الإقرار أن منصب وزير الدولة يجدي في أوضاع التعدد الإثني والعرقي وحتى الأيديولوجي والسياسي، إلا أن المرحلة التي تمر بها البلاد والمهام المناطة بالحكومة والإطار الزمني المحدود يتطلب حكومة مصغرة يتحقق فيها التجانس والتناغم بأقصى درجة بين أعضائها، باعتبار أن وزراء الدولة لهم حق الحضور والتصويت في اجتماعات مجلس الوزراء. 

ثم إن الآداء المطلوب من وزير الدولة، كونه منصب سياسي أكثر منه تنفيذي، يتطلب التركيز على مهام تناسب الظرف السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به البلاد، فما دلالة أن يكون هناك وزير لشؤون الحكومة وآخر لشؤون المرأة وثالث لشؤون الهجرة ولا يكون مثلهم لشؤون المصالحة وقد وصل الانقسام إلى عظم المجتمع ومزق نسيجه، أو لشؤون الاستثمار في الخارج ولديك ثروة طائلة مبعثرة حول أربع قارات وتواجه تحديات ومخاطر جمة؟!

تبعات إضافية

إن لمثل هذه القائمة الطويلة من الحقائب الوزارية تبعاتها واستحقاقاتها، فالمحاصصة المقيتة مهما توسعت لن ترضي الجميع، وسيظل الضغط الإثني والجهوي والمناطقي قابل للتوسع في ظل ذريعة التوزيع الجغرافي العادل، ولن تكفيه حكومة من مائة حقيبة وزارية. يضاف إلى ذلك تبعات مالية وإدارية نحن في غنى عنها في هذه المرحلة العصيبة، فالفساد الذي جعله رئيس الحكومة أحد أهم أولويات حكومته سيكون أكثر تفشيا مع العدد الكبير من الوزارات، وإن لم يكن فسادا فهو هدر للمال العام لا مبرر له، والأولى توجيه الإنفاق إلى ملفات محددة تتطلبها الظروف الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة والمعلومة حتى لأقل الليبيين ثقافة ووعيا.