فنون منوعة

ما القيمة الفنية لوصول فيلمين عربيين لقائمة أوسكار؟

وصل فيلمان عربيان (تونسي وفلسطيني) إلى القائمة الطويلة والقصيرة لأول مرة معا لجائزة الأوسكار الـ٩٣- جيتي

في خطوة نحو العالمية قد تعيد الآمال لدى صناع السينما العربية للعودة للإنتاج الرفيع، أعلنت "أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة"، وصول فيلمين عربيين (تونسي وفلسطيني) إلى القائمة الطويلة والقصيرة لأول مرة معا لجائزة الأوسكار الـ٩٣، من بين 10 أفلام رشحت للجائزة الأرفع سينمائيا.

الفيلم الروائي التونسي "الرجل الذي باع ظهره"، وصل للقائمة النهائية لجائزة أوسكار أفضل فيلم دولي "غير ناطق بالإنجليزية" التي تضم 5 أفلام هي "جولة أخرى" من الدنمارك، و"أيام أفضل)" من هونغ كونغ، و"عمل جماعي" من رومانيا، و"إلى أين تذهبين يا عايدة" من البوسنة والهرسك، وذلك في أول ظهور لتونس بالجائزة الأهم عالميا.

"الرجل الذي باع ظهره"، من إخراج التونسية كوثر بن هنية، وبطولة السوري يحيى مهايني، والفرنسية ديا إليان، والنجمة العالمية الإيطالية مونيكا بيلوتشي، والبلجيكي كوين دي باو، وحصد في 2020 و2021 العديد من الجوائز في مهرجانات "البندقية" بإيطاليا و"أيام قرطاج" بالمغرب، و"الجونة" بمصر.

وصول الفيلم لترشيحات أوسكار سبقه حصده جائزتي أفضل ممثل لبطل الفيلم، من مهرجان البندقية، وجائزة أديبو كينج للإدماج، وذهبت إلى مخرجته، وأيضا أفضل فيلم عربي بمهرجان الجونة في دورته الرابعة، وجائزة مهرجان ستوكهولم لأفضل سيناريو.

الفيلم لا يتناول وقائع هجرة اللاجئين السوريين المعتادة في مراكب الموت، لكن عبر رحلة المهاجر السوري سام علي، الهارب إلى لبنان، للقاء محبوبته ببلجيكا، لكنه ظل عالقا بلبنان، ليقبل برسم فنان عالمي وشما فوق ظهره ويعرضه كلوحة تباع بمزاد وتحمل جملة: "الأسوأ من أن تكون جزءا من النظام، أن يتجاهلك"، منتقدا عبرها النظام السوري.

بن هنية، مخرجة الفيلم وكاتبة السيناريو، المقيمة بباريس، قالت عبر "فيسبوك": "يشرفني أن أقدم لتونس أول ترشيح للقائمة النهائية لأوسكار أفضل فيلم دولي"، مضيفة أنه "أمر لا يصدق، لكنه حقيقي"، فيما قالت للوكالة الفرنسية، إنه "حدث تاريخي غير مسبوق في السينما التونسيةّ... إنه حلم يتحقق وإنجاز توصلنا إليه بمفردنا وبعرق جبيننا".

 


كما وصل الفلسطيني "الهدية" للمخرجة الفلسطينية فرح نابلسي، للقائمة القصيرة لجائزة أوسكار، والتي تضم 5 أفلام أيضا، ما يبرز اسم دولة فلسطين المحتلة بالمحفل العالمي في وقت تعاني سياسيا مع أزمة التطبيع العربي.

 

 

أحداث "الهدية" تدور حول حياة الفلسطينيين بالضفة الغربية بين الصراعات والأزمات التي يعيشونها مع جنود الاحتلال، والطرق المعزولة، ونقاط التفتيش، فيما تم ترشيحه لجائزة أفضل فيلم بريطاني قصير من الأكاديمية البريطانية لفنون السينما، وفاز بالعديد من الجوائز، وترشيح لنحو 20 جائزة.

ووصفت فرح نابلسي الفيلم، عبر صفحتها بـ"فيسبوك"، بـ"طفل الأوسكار"، مقدمة الشكر لكل من عمل بـ"الهدية".

 



الحدث التاريخي، أثار حالة من التفاؤل والأمل بفوز أحد الفيلمين العربيين بالأوسكار لأول مرة بتاريخ السينما العربية، وترقب لموعد حفل إعلان وتوزيع جوائز الأوسكار في 25 نيسان/ أبريل 2021، في لوس أنجلوس.

"مبادرات فردية"

الفنان الفلسطيني الفائز بجائزة أفضل ممثل في مهرجان البندقية السينمائي، عام 2017، كامل الباشا، قال في حديث خاص لـ"عربي21": "بعيدا عن السينما التجارية العربية، وبغض النظر عن الاختلاف في تقييمنا لها، فإن السينما العربية غير التجارية لم تتحول حتى الآن إلى صناعة تنافس مثيلاتها في العالم".

وأضاف: "عموما، فإن كل ما يبرز على الساحة الدولية من أفلام هو نتاج لمبادرات فردية من مخرجين مبدعين استطاعوا اختراق الساحة السينمائية العالمية بجهود جبارة وأعمال تفرض نفسها، وهذا ينسحب على مجموعة لا بأس بها من المبدعين من جميع الأقطار العربية".

المسرحي والسينمائي الفلسطيني أكد أن "المشكلة الأساسية تنحصر من وجهة نظري في غياب الوعي لدى المستوى السياسي بأهمية السينما وأثرها، وغياب التشريعات الكفيلة بدعمها وتطويرها، وسط مناخ من حرية التعبير الضرورية لنهوضها".

وتابع: "ثم الفجوة القائمة في فهم السينما وطبيعتها وكيفية قراءتنا لها بين صناع السينما غير التجارية وبين الجمهور العريض، الذي تسيطر عليه الثقافة السينمائية الاستهلاكية غير الواعية بقصد أو بغير قصد"

وأكد أنه "بناء عليه، أرى أن من واجبي التنبيه إلى أن وصول بعض الأفلام العربية لمسابقة الأوسكار لا يعني وصولا للسينما العربية للعالمية، وليس تعبيرا منصفا عن حالها، ذلك لأنه وصول لفنانين ينحتون في صخرة صماء داخل بلادهم وخارجها، محاولين التعبير بصدق وبحرفية عالية عن معاناتهم، هو ما أوصل أفلامهم لهذه المنصة العالمية المهمة أو تلك"

ويرى الفنان الفلسطيني، أنه "لا دلالة لوصول الفيلمين التونسي والفلسطيني هذا العام للأوسكار أكثر من كونها أفلام جيدة وجديرة بالمنافسة، ولا أعتقد أن لهذا أي ارتباط بموقفنا من رفض التطبيع العربي مع الاحتلال وأعوانه".

ولفت إلى أن "كل ما سبق لا ينفي عنا كمتابعين، سواء كنا فنانين أو مواطنين متلقين، حقنا في الافتخار بتلك الإنجازات، ورغبتنا في أن نكون على قدم المساواة مع بقية شعوب الأرض في ممارسة متعة التفوق والتميز الضروريان لنهضة مجتمعاتنا".

وقال الباشا: "إذا، نحن وصلنا العالمية أفرادا متفرقين، ولم نصلها بعد كجماعة عرقية تعبر عن حضارة راقية منافسة، وتلك إنجازات رائعة أرجو أن تتكرر، ولا أعتقد بوجود اختلاف في ذلك بين السينما المصرية وسواها، عربيا ودوليا".

"الهرم المقلوب"

الفنان المصري أحمد صيام، اعتبر وصول فيلم تونسي وآخر فلسطيني لقائمة الأوسكار إنجاز كبير، وقال لـ"عربي21": "سعيد بتواجد تونسي وفلسطيني في أوسكار، وأسعد بأي شيء عربي يحقق نجاحا ينعكس على كل المنطقة العربية، ويضع كل المتحدثين بالعربية في مكانة عالمية جيدة".

ويعتقد صيام أن "تواجد الفيلم الفلسطيني في المحافل الدولية وبقائمة أوسكار بشكل خاص له دلالة أمام العالم في ظل التطبيع القائم مع الكيان الإسرائيلي".

وحول سبب وصول فيلم تونسي وآخر فلسطيني لقائمتي الأوسكار دون غيرهما من السينمات العربية، تحدث عن الحالة المصرية بشكل خاص، معربا عن "حزنه من غياب وبعد هوليود الشرق"، موضحا أن "الأمر ليس مرتبطا بالدولة، ولكن بالنظام العام الذي يحكم السينما في مصر الآن، فهو المسؤول عن هذا التراجع الكبير".

وتساءل: "لكي تعرف الإجابة، انظر من القائمين على الإنتاج السينمائي، والهدف من إنتاجه، والأفكار التي يطرحها، ومعتقداته وقناعاته، وأيضا من يقوم على الإخراج، ومن هي إفرازات النجوم الحالية؛ تعرف إلى أين تذهب السينما".

وقال إنه "لكي يعود العرب ومصر سينمائيا؛ يجب أن نرى ماذا كنا نفعل زمان ولا نفعله الآن؟"، مشيرا إلى أن أزمة الفن الآن أنه يسير وفقا لنظرية الهرم المقلوب".

وأوضح أن "الفن رواية تتحول لسيناريو وحوار ثم عمل فني، أو كلمة لها مكان تقال فيه، ويقولها ممثل، وهو المثلث المعروف، الكلمة والملقي والمتفرج، لكن الأساس الآن الملقي أولا، ثم يتم البحث عن نص وفق مقاسه، ثم منتج، ومخرج".

"الأمل كبير"

وحول قيمة الإنجاز الفني للسينما العربية بوصول فيلمين عربيين لقائمة أوسكار، أكد الناقد السينمائي المصري، طارق الشناوي، أنه إنجاز كبير، وأنها المرة الأولى التي يصل فيها فيلمان عربيان للقائمة الطويلة والقصيرة معا، لكنه أوضح أن "السينما العربية كثيرا ما رُشحت لأوسكار، ولم تكن هذه هي المرة الأولى".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "السينما العربية طالما اقتربت من أوسكار كثيرا، ونجحت أفلام فلسطينية كثيرة للوصول للقائمة الطويلة والقصيرة، وكذلك لبنان، أكثر من مرة، وموريتانيا، والأردن، والجزائر، واليمن".

ولفت إلى أنه "برغم تعدد الترشيحات العربية، لكن لم نحظ بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي بهذا الفرع من الجائزة لغير الناطقين باللغة الإنجليزية التي بدأت عام 1958، بعد نحو 3 عقود من بداية جائزة الأوسكار نهاية العشرينيات".

وألمح إلى احتمالات فوز فيلم كوثر بن هنية، مؤكدا أنه "يمس مشاعر البشر في كل مكان، وأيا ما كانت جنسيتك تتعاطف مع قضية هجرة اللاجئين، خاصة أن الفيلم يحمل إدانة للعالم الذي استغلها لصالحه، ليس لحل القضية ولكن للاستفادة منها".

وقال الناقد والكاتب الصحفي المصري: "كلنا سعداء، ولكن يجب ألا يكون هناك توجه للمرأة عبر هذه الترشيحات، لأن كثيرين تحدثوا عن إنجاز نسائي لفرح وكوثر، وانحازوا لهما باعتبارهما نساء، ولكن لا للانحياز للجنس، ولكن يجب أن يكون للفن ولصالح الإبداع".

وفي تعليقه على التساؤل: هل يوحي ذلك بوجود نهضة فنية عربية محتملة وبروز عربي في مجال السينما؟، قال: "هذا العام لدينا أمل كبير أن نحصل لأول مرة على الأوسكار، ونستمع إلى أسماء عربية، سواء فرح أو كوثر".