سياسة عربية

هكذا تحاول قوى شيعية طيّ ملف المغيبين السُنة في العراق

هذه المحاولات بدأت في أواخر آذار/ مارس المنصرم- الأناضول
تحاول قوى سياسية شيعية في العراق طيّ ملف آلاف المغيبين السُنة، الذين اقتادتهم مليشيات موالية لإيران من المحافظات التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة في عام 2014، إلى جهة مجهولة إبان الحرب ضد التنظيم التي استمرت حتى عام 2017.

هذه المحاولات بدأت في أواخر آذار/ مارس المنصرم، في أثناء حوارات بين الكتل البرلمانية حول موازنة عام 2021، بعدما طالبت قوى سنية بتضمين فقرة تخصص تعويضات مالية لذوي نحو 12 ألف مغيّب، ما أثار اعتراض القوى الشيعية، التي وصفتها محاولة لتعويض من وصفتهم بـ"الدواعش".

أدلة ووثائق
وتعليقا على ذلك، قال المحامي والبرلماني العراقي السابق، عبد الكريم الجبوري، إن "هناك حقائق ووثائق تثبت أن هؤلاء المغيبين أخذوا من حواجز أمنية رسمية بعدما عزلوا عن النساء والأطفال، وما تصويت البرلمان مؤخرا على تخصيص مبالغ مالية لعوائل المغيبين إلا دليل على أنهم حالة حقيقية مئة بالمئة".

وأضاف الجبوري لـ"عربي21" أن "الادعاء العام يعلم بملف المغيبين ومستشارية الأمن الوطني كذلك، بل إن لجنة تشكلت في عهد رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، أثبتت وجود مغيبين، وجرى التوقيع عليها من مجلس الوزراء وجهازي المخابرات والأمن الوطني، إضافة إلى محافظ الأنبار، وقائد العمليات المشتركة (تابعة إلى وزارة الدفاع)".

وتابع: "لا ننسى أن هناك أيضا أعدادا جرى تغييبهم تحت لافتة (السجن الاحترازي) منذ عقد القمة العربية في بغداد عام 2012، ولم يعرف حتى الآن مصيرهم؛ لأن ذلك يترتب عليها قضايا ميراث وحقوق زوجية وأطفال وغيرها من الإجراءات القانونية".

وطالب الجبوري "أن تستثمر الحكومة أجواء رمضان، وتفتش عن موضوع المغيبين، وتكشف للعالم أين ذهب هؤلاء، وإذا كانوا مذنبين فنحن مع القانون، وكل شخص متجاوز على القانون يحاسب وفق الآليات القانونية والدستورية؛ لذلك يجب أن ينتهي هذا الملف بشكل رسمي".

وأردف: "من يدعي أنهم إرهابيون وقتلوا في أثناء المعارك، فإن المنطق يقول: هل يعقل أن 12 ألف جثة اختفت ولم يعثر على واحدة منها حتى اليوم، الأمر الآخر أن هناك أدلة ووثائق تفيد بأن قسما من هؤلاء جرى اقتيادهم إلى جهات رسمية، ورئيس الوزراء على علم بها".

وشدد الجبوري على أنه "لا يستطيع أحد أن يجازف ويطوي ملف آلاف المغيبين بهذه الطريقة من أي مكون كانوا، لأن التقادم الزمني -بموجب القانون- لا يُضيّع الحقوق، سواء كانت حقوق شخصية أو تابعة للدولة".


تلاعبات لفظية
من جهته، قال مستشار المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، الدكتور مؤيد الونداوي، لـ"عربي21"، إنه "منذ 2003 وحتى اليوم أعمال القتل كثيرة في العراق، تحت عناوين وادعاءات كثيرة، وربما تصل الأرقام إلى مليون قتيل، لكن حتى اليوم لم يخرج أحد ويعلن مسؤوليته عن القتل".

وأضاف: "حتى مؤسسات الدولة الأمنية تعلن باستمرار أنها قتلت أعدادا من الإرهابيين، لكن لا يوجد ما يؤكد ادعاءات هذه الأجهزة، ففي الأسبوع الماضي أعلنت السلطات الأمنية قتل 60 إرهابيا، ورغم أن الرقم كبير، لكن لم تنشر أي تفاصيل عنهم، ومن أين جاؤوا".

وتابع الونداوي قائلا: "أما في ملف المغيبين، فنحن أمام تلاعبات لفظية، فعندما صرّح نائب رئيس البرلمان الحالي، مستندا إلى كتاب من (المفوضية العليا لحقوق الإنسان) الحكومية في العراق، بعدم وجود مغيبين، فإننا أمام حدث عظيم، بمعنى أن كل الأسماء التي طرحت بأنهم مغيبون باتوا معدومين".

وأردف: "أما إذا قلنا إن كل هؤلاء المعدومين ينتمون إلى تنظيم الدولة، فسنذهب إلى ما هو أخطر وأشمل، لأن هناك أفلاما ظهرت في حينها تكشف عن اعتقالات كثيرة لا نعلم مصيرها، وأخرى كانت قد كشفت عن إعدامات ميدانية، ولا نعرف من القاتل ومن المقتول".

وأكد الونداوي أن "هذا الملف لا يمكن طيّه، وأن الحكومة لم تجهد نفسها في الكشف عن المقابر الجماعية منذ عام 2003 وحتى اليوم، وفي مقدمتهم أعضاء اللجنة الأولمبية الذين جرى اختطافهم في تموز/ يوليو 2006".

ولفت إلى أن "ما يجري الآن من طرف الجماعات المسلحة وأنصارها بالحديث عن عدم وجود مغيبين هو عبارة تلاعبات لفظية، ولا يمكن لمثل هذا الملف أن يسقط مهما مرّ عليه من زمن".


جدل سياسي
قبل ذلك، أحدثت تصريحات أدلى بها عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان العراقي النائب، ظافر العاني، عن ضرورة كشف مصير المغيبين السنة وإدانة المليشيات التي اختطفتهم، موجة غضب من معظم القوى والمليشيات الشيعية في العراق.

تصريحات العاني التي أدلى بها في اجتماعات البرلمان العربي، الذي عقد بالقاهرة في 11 نيسان/ أبريل الجاري، هاجمتها كتلة "سائرون" المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، وكذلك مليشيا "كتائب حزب الله"، نافية وجود مغيبين سنة، وأن "كل من قتل واختفى في وقتها هم من عناصر تنظيم الدولة".




وعلى إثر ذلك، نشر عضو البرلمان العراقي السابق والسياسي عن محافظة صلاح الدين، مشعان الجبوري، عبر حسابه في "تويتر"، مقطع فيديو للمئات من المختطفين الذين ما زال مصيرهم مجهولا، ويظهر أنهم بعهدة إحدى المليشيات المسلّحة.

وعلق الجبوري قائلا: "إذا كانت ادعاءاتنا بوجود مغيبين غير صحيحة، كما تقول هيئة حقوق الإنسان، فهل يمكن أن تبين لذوي هؤلاء الرجال وللرأي العام ماذا جرى للشباب الذين يوثق هذا الفيديو عملية اعتقالهم في جزيرة ناحية الدور بمحافظة صلاح الدين من قبل عناصر تابعة للقوات الأمنية، وانقطع أي أثر لهم؟!".

وعلى الوتيرة ذاتها، علّق عضو البرلمان عن محافظة الأنبار محمد الكربولي، على "تويتر"، بالقول: "سنوات تمرّ وقضية المغيبين ما زالت حبيسة أدراج المكاتب الخاصة، فلا هم من الأحياء ولا الأموات"، مضيفا: "وإن شهر رمضان فرصة لحلّ المشاكل العالقة كجزء من تصحيح أخطاء المرحلة السابقة، المغيبون والمعتقلون الأبرياء مشكلة ينبغي أن تُحل".



وفي مقابلة تلفزيونية مع رئيس البرلمان العراقي الأسبق، محمود المشهداني، أجريت مطلع الشهر الجاري، قال فيها: إن "من يعتبر المغيب بأنه داعشي، فإنه مشارك في قتله، وعليه أن يعطينا الدليل على أنه ينتمي إلى تنظيم الدولة، حتى يهدر دمه، لذلك فإن من يدعّي ذلك يدين نفسه".

وأردف: "على من لا يعرف الحقيقة بخصوص المغيبين ألّا يتهمهم بأنهم دواعش، وأن الموضوع لم ينته بالنسبة لنا، بل على من يتهم المغيبين أن ينتظر المحاسبة، لا أن يقول إنه مهيمن في الوقت الحالي، لأن الدنيا تدور، وأن الدم والمال لا يسقطان بالتقادم".