كتاب عربي 21

الحقائق التي يكشفها قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية

1300x600

يمثل إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل الانتخابات التشريعية، "إلى حين موافقة إسرائيل على إجراء الانتخابات في القدس المحتلة" مرحلة جديدة يمكن أن تكون انطلاقا لانقسامات أعمق، ولكنها بالمقابل يمكن أن تكون نقطة تحول في المشروع الوطني الفلسطيني، إذا أحسنت المكونات الوطنية التعامل معها، وإذا (ونضع تحتها ألف خط) قرر عباس أن يتوقف عن أوهام برنامجه السياسي الذي ثبت فشله.

تثبت التفاعلات الفلسطينية بعد إعلان عباس عدة حقائق، تحدث عنها كثيرون عند اتفاق حركتي حماس وفتح على الانتخابات، وكانت مثار جدل كبير في الساحة الإعلامية، ولكن التأجيل يجعل هذه الحقائق أكثر وضوحا، وأكثر مصداقية، لأنها باختصار صارت واقعا وليس مجرد تحليلات أو تكهنات.


أولى هذه الحقائق هي أن الانتخابات لن تكون سببا في وحدة الفلسطينيين وإنهاء الانقسام كما روج داعموها، بل على العكس تماما، فقد كانت سببا في الانقسامات عند إعلان إجرائها وكذلك عند تأجيلها! مع إعلان النية لإجراء الانتخابات وبدء التحضير لها، شهدت الساحة الفلسطينية جدلا كبيرا حولها، وظهرت الخلافات داخل مؤيدي الفصيل الواحد، وانقسمت حركة فتح إلى ثلاث قوائم، وهكذا أصبحت الانتخابات عاملا للانقسام بدلا من أن تكون عاملا للوحدة.


أما عند الإعلان عن تأجيل الانتخابات، فقد تسبب هذا الإعلان في عودة التراشق الإعلامي وخصوصا بين حركتي حماس فتح، ولكنها شملت الفاعلين السياسيين عموما في الساحة الفلسطينية. اتهمت حماس وفصائل وقوائم أخرى محمود عباس بإلغاء الانتخابات لأنه أدرك أن حركته لن تحصل على الأغلبية، في ظل تشكيل قائمتين فتحاويتين إحداهما لمحمد دحلان والأخرى لناصر القدوة ومروان البرغوثي، وهذا اتهام محق بلا شك، لأن مواجهة الاحتلال في القدس تكون بفرض المعادلة عليه ومناكفته وليس بالتراجع، ولكن من الواضح أن عباس أدرك أن الانتخابات ليست في صالح حركة فتح فلجأ لهذا الخيار المريح. بالمقابل اتهمت حركة فتح القوائم التي انتقدت التأجيل وعلى رأسها حماس بأنها غير معنية بقضية القدس، وبهذا تحول موضوع الانتخابات لفصل جديد من التراشق والتصدعات في الساحة السياسية الفلسطينية.

 

لم نكن بحاجة لقرار عباس الأخير لندرك أن الانتخابات تحت سقف أوسلو هي خيار عبثي لن يزيد سوى من الانقسام والتيه


ثاني الحقائق التي يكشفها ويؤكدها قرار عباس هي أن الانتخابات تحت الاحتلال لا يمكن أن تكون حلا لأي أزمة، ولا يمكن أن تكون نزيهة بالكامل، فالاحتلال قد لا يتدخل بتزوير مباشر ولكنه يستطيع أن يؤثر في المعادلة من خلال سيطرته على الأمن، فيعتقل من يريد ويبقي من يريد، وقد يمنع مؤتمرات انتخابية للفصيل الذي لا يفضله ويتيح نشاطات الأطراف التي يفضلها، وقد يمنع الانتخابات في المنطقة التي يريد -كما حصل في القدس-، وقد يقدم "هدايا" سياسية للطرف الذي يريد خدمته جماهيريا لزيادة حظوظه في الانتخابات. إن منع الانتخابات في القدس ما هو إلا مجرد تأكيد لحقيقة معلومة وهي استحالة أن تكون الانتخابات حرة بشكل كامل تحت الاحتلال، إلا إذا كانت في خدمة مصالحه.

ثالث الحقائق التي يكشفها القرار هي عبثية مسار المصالحة بين حركتي حماس وفتح بمقاربته التي سارت عليها الحركتان منذ عام 2007، والذي ركز على الانتخابات وغيرها من الترتيبات الإجرائية لتسيير عمل السلطة الفلسطينية، بدلا من التركيز على المحورين الأهم والأكثر استراتيجية وهما: البرنامج السياسي للمشروع الوطني الفلسطيني، وآلية اتخاذ القرارات الاستراتيجية لهذا المشروع. لم يكن هذان المحوران حاضرين في ورقة التفاهمات بين حركتي حماس وفتح التي وضعت تأطيرا للاتفاق بينهما على الانتخابات، بل لم يذكر اسم "الاحتلال" في الورقة سوى مرة واحدة في بند بدا كأنه "رفع عتب" أكد على "رفع توصية للمجلس التشريعي الجديد بمعالجة ملف النواب المعتقلين لدى الاحتلال".

 

اقرأ أيضا: هذا ما توصلت إليه الفصائل الفلسطينية بعد اختتام حوار القاهرة

يظهر قرار عباس هذا الخلل الجوهري في مسار المصالحة بشكل عملي، فمن جهة هو اتخذ القرار منفردا بدون مشاركة الفصائل الفلسطينية ولمصلحة فتحاوية كما هو واضح، ومن جهة أخرى فقد أعلن في إطار قرار التأجيل عن تشكيل حكومة وحدة وطنية "تلتزم بالاتفاقيات الدولية"، وهو تعبير "مشفّر" عن "شروط الرباعية الدولية" التي كانت شرطا لرفع العقوبات عن الحكومة التي تمخضت عنها انتخابات 2006، وهذا يعني أن الانتخابات الجديدة إذا عقدت فإنها ستحمل نفس سيناريو الانقسام والحصار الذي تبع الانتخابات الماضية، اللهم إلا إذا فازت فتح بالأغلبية وهو أمر يبدو أنه بات مستحيلا!!

لم نكن بحاجة لقرار عباس الأخير لندرك أن الانتخابات تحت سقف أوسلو هي خيار عبثي لن يزيد سوى من الانقسام والتيه، ولم نكن بحاجة لهذا القرار لنتأكد من خلل مسار المفاوضات الثنائية بين حماس وفتح، ولكن القرار قد يمثل فرصة لحركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى لتفرض على فتح والسلطة ورئيسهما محمود عباس خيارا وطنيا يتمثل بالمصالحة على أساس الاشتباك مع الاحتلال وفق ما تتيحه الظروف الوطنية والإقليمية، والاتفاق على إصلاح منظمة التحرير قبل انتخابات السلطة.


قد يكون هذا الخيار صعبا بسبب تعطيل عباس لأي اتفاق حقيقي خارج برنامجه السياسي الذي ثبت فشله لأكثر من 30 عاما، ولكنه على الأقل يعزل هذا البرنامج، وقد يشكل انطلاقة لاتفاقات وتحالفات فلسطينية خارج نفق أوسلو، وعلى قاعدة مقاومة الاحتلال، بدلا من الاستمرار بمنحه احتلالا ثمنه صفر!