كتاب عربي 21

السلفيون والنظام.. هل انتهى شهر العسل؟!

1300x600
لم تكن المرة الأولى التي تستدعي فيها المحاكم المصرية؛ شهود الرأي لا شهود الرؤية، لكن ما جرى في شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب ليس مسبوقاً، ليس - فقط - لأننا شاهدنا معاملة خشنة للرجل، حتى اختلط علينا الأمر فلم نميز بين كونه شاهداً أم متهماً، ولكن لأن تداعيات الشهادة - بالإضافة إلى هذا - تدفعنا للاعتقاد بأن السلطة في مصر تتجه لإنهاء شهر العسل مع السلفيين، ربما للذهاب كلية لاعتماد النمط الصوفي كمذهب رسمي ووحيد للدولة!

فإذا تجاوزنا ما جرى في المحكمة، وهذا السؤال غير الموفق للقاضي للشاهد عن سبب بداية حديثه بالصلاة على النبي، وهو كاشف عن حالة التربص به، فإن السلطة كانت قد أعدت العدة للانقضاض على الشاهد، وضرب التيار السلفي كله في شخصه، بل وضرب التدين بشكل عام بتشويه واحد من رموزه، والذي لم يكن يمكن أن يصل للناس إلا بسبب الحفاوة التي كان يلقاها السلفيون من قبل السلطة على مدى ثلاثين عاماً، هي الفترة التي قضاها مبارك في الحكم.
السلطة كانت قد أعدت العدة للانقضاض على الشاهد، وضرب التيار السلفي كله في شخصه، بل وضرب التدين بشكل عام بتشويه واحد من رموزه، والذي لم يكن يمكن أن يصل للناس إلا بسبب الحفاوة التي كان يلقاها السلفيون من قبل السلطة

وكانت هناك عوامل خارجية وراء هذه الحماية، يبدو أنها سقطت الآن بتجاوز ولي العهد السعودي للمرحلة الوهابية، التي قال إن تبني الدولة السعودية لها كان بتوجيه غربي، ولم يكن هذا دقيقاً تماماً، لأن الوهابية جزء من مكونات الدولة السعودية في مرحلتي النشأة والتكوين!

لقد بدت الأجهزة التي تدير الإعلام المصري وتمارس الملكية عليه نيابة عن المالك الأصلي؛ وقد استعدت لهذه الشهادة من أجل تنفيذ خطتها، باعتبارها كلمة سر الليل، ليس - فقط - بإذاعتها على الهواء مباشرة، ولكن - أيضاً - بهذا الهجوم المنظم على شخص الشيخ محمد حسين يعقوب، والذي شارك فيه رجال دين مثل خالد الجندي، وأسامة الأزهري (الأول مقرب من أهل الحكم وجاء هجومه عبر قناة المخابرات التي يقدم فيها برنامجه، والثاني هو المستشار الديني لعبد الفتاح السيسي)، كما شارك فيه إعلاميون. ولأنها معركة كبرى كما أرادها المحرك للمشهد الإعلامي، فلم تقتصر على الاستعانة بأحمد موسى ونشأت الديهي، ولكن تم استدعاء عمرو أديب الذي يُستدعى ضمن قوات الاحتياط للمواقع الحربية العظيمة!

الشيخ المناور:

وكانت المهمة تقتضي بيان كيف أن محمد حسين يعقوب لم يكن شجاعاً في المحكمة، والهدف هو اغتياله معنوياً لدى الناس الذين يسمعون له ويشدون الرحال إليه. ولم تكترث الآلة الإعلامية بالأضرار التي لحقت بمرفق العدالة، فقد كان الهدف هو اغتيال الشيخ مهما كان الثمن. فقال عمرو أديب عنه إنه لم يكن مشغولاً سوى ببراءته وبأن ينجو، وهذا يسيء للمحكمة عندما يصورها أنها تعاملت مع الشاهد على أنه متهم، رغم الحماية التي يكفلها قانون الإجراءات الجنائية للشهود، فلا عقوبة تلحق بهم إلا إذا امتنعوا عن الشهادة، وحتى التهرب منها بادعاء المرض، فإن العقوبة لا تتجاوز المائتي جنيه. وعندما يبدو الشيخ يعقوب متهما، كما قال عمرو أديب، فإن السؤال: من دفعه لتصور أنه متهم ليناور من أجل نجاته؟!

في الأصل والفصل، فإن الهدف من استهداف الشيخ محمد حسين يعقوب ينطلق من الصورة الهزلية التي رسمتها الدراما المصرية، منذ الانقلاب العسكري الأول، لرجل الدين. وإذا كان من يقوم بها في السابق هو ممثل، فها نحن أمام شيخ من لحم ودم، وإن كانت البداية بالقبض على شيخين في المحاكم الشرعية، بتلفيق تهمة الزنا لهما كرشوة من أجل إصدار حكم في قضية معروضة عليهما، وكان هذا تمهيداً لإلغاء القضاء الشرعي. وهناك أهداف أخرى وراء تحويل الشيخ حسين يعقوب هدفاً للرماة الجدد!
كانت المهمة تقتضي بيان كيف أن محمد حسين يعقوب لم يكن شجاعاً في المحكمة، والهدف هو اغتياله معنوياً لدى الناس الذين يسمعون له ويشدون الرحال إليه. ولم تكترث الآلة الإعلامية بالأضرار التي لحقت بمرفق العدالة، فقد كان الهدف هو اغتيال الشيخ مهما كان الثمن

فالرجل وإن كان سلفياً، إلا أنه ليس كسلفيي حزب النور في الموقف من السلطة، رغم أن هذا الموقف الاعتزالي لم يرض الطرف الآخر أيضاً، والذي كان يريد منه ومن الشيخ محمد حسان أن يقفا على خط النار بعد الانقلاب العسكري، فإذا لم يتم اعتقالهما في التو واللحظة، فقد كان عليهما أن يسلما نفسهما لأقرب قسم شرطة ليثبتا لهؤلاء أنهما على الجادة. ولا ننكر أن بداية الهجوم على الشهادة وصاحبها قام بها هؤلاء، وقد سبقوا بها أداء أبواق السلطة، وتحريف ما قاله كانت بدايته من الذين لا يعجبهم موقف الشيخ بعد الانقلاب، وكل له في مدح النبي غرام، كما يقول المثل الشعبي!

كلهم إخوان:

حملة الإبادة الإعلامية ضد الشيخ يعقوب هي ضمن الحملة على جماعة الإخوان المسلمين، في ظل سلطة تختزل كل خصومها في الإخوان، وكل هؤلاء الخصوم هم قطعاً من هذه الجماعة. وعندما تحول الاتهام بالانتماء لجماعة إرهابية إلى مسخرة من العيار الثقيل، بسبب توجيهه لأناس لم يعرف عنهم أنهم إخوان في يوم من الأيام، بل كانوا من خصومهم وعبد الفتاح السيسي يؤدي التحية العسكرية لواحد منهم، تغير الاتهام إلى "التعاون مع جماعة إرهابية من أجل تنفيذ أغراضها". فقد بدت جهات التحقيق في حرج من التحديد، لكن كان الأمر معروفاً والمعروف لا يعرف، وما دامت "جماعة إرهابية"، هكذا نكرة، فالمعنى في بطن الشاعر، إلى أن وجهوا الاتهام للمحامي والناشط السياسي زياد العليمي به، فسأل المحقق عن ما هي هذه الجماعة؟ فكان القرار بحبسه خمسة عشر يوماً، على وعد بمراعاة تحديد هذه اسم الجماعة التي تعاون معها عند التجديد!

ويبدو أن الحكم العسكري صار يعتقد فعلاً أن التدين يمكن أن يقود بالتبعية إلى الانضمام للإخوان أو التعاطف معهم، فكان الهدف هو ضرب الرموز الدينية، بعد ضرب التيار السياسي الديني. ومن هنا تدخل المفتي ليفتي بحرمة الانضمام للإخوان، ويقضي بأن كل الجماعات الإرهابية خرجت من عباءتهم، وهي غاية لم يدركها الآخرون الذين كانوا من بدأ الحملة على الشيخ، بمراعاة فروق التوقيت، بين التعامل المباشر مع منصات التواصل الاجتماعي، والإعلام القديم حيث برامج التوك شو على القنوات التلفزيونية!
الحكم العسكري صار يعتقد فعلاً أن التدين يمكن أن يقود بالتبعية إلى الانضمام للإخوان أو التعاطف معهم، فكان الهدف هو ضرب الرموز الدينية، بعد ضرب التيار السياسي الديني. ومن هنا تدخل المفتي ليفتي بحرمة الانضمام للإخوان، ويقضي بأن كل الجماعات الإرهابية خرجت من عباءتهم، وهي غاية لم يدركها الآخرون الذين كانوا من بدأ الحملة على الشيخ

من بدأ الهجوم يلوم الشيخ دون أن يتمكن الشيخ من لومه، ففضلاً عن أنه لم يقدم نفسه في يوم من الأيام على أنه الشيخ كشك مثلاً، أو غيره من الدعاة الذين كانوا يشتبكون مع السلطة، والمعلوم منه بالضرورة أنه على مذهب يحرم الخروج على الحاكم، فإنه لم يقصر عندما بدأ قادة جبهة الإنقاذ يدعون للفتنة ويبغونها عوجا حسداً من عند أنفسهم. وقد دعا الشيخ حسان ويعقوب قادة الجبهة إلى منزل الأول وبحضور داعية سلفي آخر لا أتذكره، لرأب الصدع وإصلاح ذات البين، وبدا القوم متجاوبين مع فكرة الحوار، واتصل الشيوخ بالرئاسة يطلبون موعداً لبدأ الحوار، لكنهم تلقوا رداً قاسياً بألا يتدخلوا في ما لا يعنيهم!

يومئذ كتبت إنه التنظيم وقد حضر، ولا يريد أن يصنع لتيار منافس مكانة بهذا الدور الذي قام به من ينتمون للتيار السلفي، ولم أكن أعلم أن مهمة الوساطة قد أوكلتها الرئاسة كلية لشخص عبد الفتاح السيسي. ولم تتجاهل هؤلاء فقط، ولكنها تجاهلت السياسيين داخل الإخوان الذين تربطهم علاقات تاريخية بالقوى السياسية الأخرى، ومن عصام العريان إلى محمد البلتاجي!

الكفيل السعودي:

ما علينا، فلنعد إلى ما بدأناه عن نهاية شهر العسل بين التيار السلفي والحكم القائم في مصر.. فالشيخ محمد حسين يعقوب ليس مطلوبا لشخصه، وكذلك الشيخ محمد حسان المطلوب للشهادة أيضاً، فهما من رموز تيار احتضنه السلطة، ليس - فقط -لأنه تيار مهادن بطبيعته، ولكن - أيضاً - لأنه الامتداد الطبيعي للوهابية، حيث الراعي الرسمي والكفيل السعودي العام. وبعد تولي مبارك الحكم كان حريصاً على أن يبدأ صفحة جديدة مع أهل الحكم في المملكة العربية السعودية، وأطلق العنان للحضور السلفي جزءاً من عربون المحبة!
الشيخ محمد حسين يعقوب ليس مطلوبا لشخصه، وكذلك الشيخ محمد حسان المطلوب للشهادة أيضاً، فهما من رموز تيار احتضنه السلطة، ليس - فقط -لأنه تيار مهادن بطبيعته، ولكن - أيضاً - لأنه الامتداد الطبيعي للوهابية، حيث الراعي الرسمي والكفيل السعودي العام

لا ننسى أن عربوناً آخر دفع في بداية المفاوضات تمثل في القبض على ما سمي بتنظيم منكري السنة برئاسة الدكتور أحمد صبحي منصور، وكان الإعلام الممول سعودياً يهاجمه، لأن الوهابيين يعرفونه جيداً، بعد أطروحته للدكتوراة التي نالت من الصوفية "أثر التصوف في العصر المملوكي"، وأكمل هذا الطرح بكتابه المرجع في كشف حقيقة أحد عناوين التصوف البارزة "أحمد البدوي الحقيقة والأسطورة". وقد كان عضواً في جماعة سلفية هي جماعة "دعوة الحق الإسلامية" برئاسة الدكتور سيد رزق الطويل، الذي انشق عن جماعة أنصار السنة المحمدية!

وربما كانت المرة الأولى التي تقحم فيها السلطة نفسها في هذا النوع من القضايا، وتدخل بكل ثقلها طرفاً فيها، صحيح أنها ألقت القبض أكثر من مرة على تنظيمات شيعية، لكن لأنها تنظر للبعد الأمني حيث علاقاتها بطهران!

وقد كانت الأجهزة الأمنية تحتضن التيار السلفي حد التأثر، ضمن سياسة "هندسة الحالة الدينية"، وكان الرأي داخلها أن معاداة التدين لا تفيد، وإنما لا بد من ترشيده بأن تكون عقدة الأمر بيدها. وبعد مرحلة الخطاب الديني الحاد في عهد السادات وبداية عهد مبارك، كان التوجه الأمني بتخفيف هذه الحدة، للوصول إلى حالة التدين الآمن، للطرفين: المتدين نفسه، والسلطة أيضاً!

والسلطة التي منعت الشيخ عبد الحميد كشك من الخطابة، رغم محاولات وزير الأوقاف محمد علي محجوب لعودته، احتوت خطاباً هيناً ليناً، متنوعاً، مثله في البداية الشيخ عمر عبد الكافي في مسجد أسد بن الفرات بالجيزة، والشيخ حسن شحاتة، في مرحلة التصوف وقبل أن يجهر بتشيعه وكان يخطب في مسجد كوبري الجيزة، وتركت خطاباً حاداً لكن حدته كانت في أمور العقيدة وبعيداً عن النقد السياسي، ويمثله خطيب مسجد غمرة في القاهرة الداعية السلفي فوزي السعيد!

وكانت هذه مرحلة انتهت بعزل عبد الكافي بعد قصف إعلامي مركز ضده، حاول وزير الأوقاف إنقاذه من بين يد الأمن وفشل، وبسجن الشيخ حسن شحاته بتهمة التشيع، وإن استمر الشيخ فوزي السعيد إلى أن عُزل في قضية الوعد التي اتُهم فيها عدد من الدعاة السلفيين!

كانت الضربة الأمنية في حقيقتها أن هؤلاء الدعاة تجاوزوا سقف الشهرة المسموح به، وبدأت مرحلة باهتة مثلها خطاب أقرب إلى خطاب الكنائس، مثله عمرو خالد وأمثاله. ومع هذا كانت رعاية الاتجاه السلفي الذي ظل يتمدد ويتوغل حتى التأثير في العقل الأمني، الذي اقتنع فعلا بمقولته التي تؤكد أن التصوف هو البوابة الرسمية للتشيع؛ فمن تصوف فقد تشيع، ومن تشيع فقد صار قراره في إيران!

الخوف من الصوفية:
النظام السعودي لم يعد يرعى السلفية، ومن قاموا على هندسة الحالة الدينية ليسوا هم من يديرون الأمور، ومن استولى على الملف يعتقد أن بمقدوره إنهاء التدين بدلا من ترشيده ليسير في مسارات النظام. فقد صار الدين حكراً على شيوخ السلطة

وبدا أن العقل الأمني صار خائفاً يترقب من الصوفية، رغم أنهم دراويش ينحازون للسلطة ولا يمثلون أي ضرر لها، وطبق الأمن في مشيخة الطرق السياسة الأمنية مع أحزاب المعارضة، حيث إضعافها بالانشقاقات. فقد حدث صراع على رئاسة المجلس الأعلى للطرق الصوفية بين عبد الهادي القصبي وعلاء أبو العزايم، وفي هذه المرحلة تم اقتياد الشيخ علي الجفري من مقر إقامته في القاهرة إلى المطار وحمله على المغادرة، واستغلال إنفلونزا الخنازير في وقف الموالد، وعندما حضرت أعداد من المحافظات لإحياء مولد السيدة زينب، ونصبوا خيامهم كما هي العادة، عاملتهم أجهزة الأمن بقسوة مفرطة!

وفي هذه الفترة كانت قناة "الناس" تقدم خطاباً سلفياً صرفاً، وقدمت عدداً من شيوخ السلفية للجماهير، كان من بينهم الشيخ محمد حسين يعقوب. ومن الواضح أن التجربة وصلت لنهايتها، فالنظام السعودي لم يعد يرعى السلفية، ومن قاموا على هندسة الحالة الدينية ليسوا هم من يديرون الأمور، ومن استولى على الملف يعتقد أن بمقدوره إنهاء التدين بدلا من ترشيده ليسير في مسارات النظام. فقد صار الدين حكراً على شيوخ السلطة، وهو أمر كاشف عن خلل أصاب الجهاز العصبي للقوم، فالأصل هو رعاية التنوع، وليس القضاء عليه، حتى لا يذهب المتدين المختلف بعيداً.

إنها نهاية شهر العسل!

twitter.com/selimazouz1