كتاب عربي 21

ليبيا في عمق الاستراتيجية الروسية تجاه حوض المتوسط

1300x600

أثارت زيارة وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش إلى موسكو نقاشا يصب في عمق الأزمة الليبية والتي باتت رهينة التدخلات الخارجية وصار قرار معالجتها دوليا بامتياز.

خطاب المنقوش كشف عن بعض التطور في موقفها تجاه القوات الأجنبية في ليبيا، فقد اتسمت تصريحاتها بالتشنج بعض الشيء في السابق خاصة تجاه الوجود التركي، فيما بدت أكثر واقعية في تناولها للملف وهي تطارح وزير الخارجية الروسي، سيرجيو لافروف، في المؤتمر الصحفي الذي جمعهما اليومين الماضيين.

الجدل دار حول تصريحات لافروف، حتى إن بعض وسائل الإعلام المحلية ذهبت بعيدا في ترجمة كلماته من أنه يعترف بالوجود الروسي صراحة، ويقر بضرورة انسحاب الروس من ليبيا!

والحقيقة أن لافروف ركز حديثه حول احترام رغبة حكومة الوحدة الوطنية في تبني آلية لتسهيل خروج القوات الأجنبية والمرتزقة، وأن بلاده مستعدة للانخراط في التفاوض حول السبيل الملائم لخروجها من البلاد، فهو لم يعد بشيء مهم بخصوص الروس الموجودين في وسط وجنوب البلاد، وهو الموقف الذي يتسق والسياسة الخارجية الروسية.
 
ولأجل تفكيك الموقف الروسي تجاه النزاع الليبي، فإن من المهم تحليل السياسة الخارجية الروسية تجاه المنطقة بالعموم، ذلك أن الأهمية التي تكتسبها ليبيا تعود إلى جملة من العوامل التي تتأسس عليها السياسة الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) تناول بالتفصيل مقومات السياسة الروسية تجاه ليبيا من خلال الوقوف على ما أسماها استراتيجية بوتين الكبرى (Putin Grand Strategy) والتي جاءت لتحقق أربعة أهداف، وذلك في حوض البحر المتوسط، والأهداف هي:

1 ـ دعم القادة المتماهين مع المصالح الروسية.
2 ـ تقوية الوجود الروسي في المنطقة بما يسمح بتعظيم النفوذ عالميا.
3 ـ تعزيز المصالح الاقتصادية.
4 ـ تأمين وجود أمني في المتوسط لأجل توسيع رقعة المواجهة مع الولايات المتحدة بعيدا عن البحر الأسود.

 

إن الوجود الروسي في ليبيا الذي لا يزال محدودا ويبدو وكأنه تكتيكي قابل أن يتحول إلى وجود حيوي تساوقا مع الاستراتيجية الكبرى وخدمة لأهدافها

 



ويستخلص تقرير الـ CSIS من استراتيجية بوتين الكبرى أن موسكو تبحث عن مرتكزات ثلاثة في سياستها تجاه المنطقة وهي: القادة الموالون، المصالح الاقتصادية، الموقع الاستراتيجي. وفي الحالة الليبية فإن حفتر قدم لروسيا ما تريد من الولاء ظهر في تمكينها من مناطق حيوية جدا في البلاد، والموقع الجغرافي لليبيا معلومة أهميته، ومصالحها الاقتصادية معلومة أيضا وهي لا تقتصر على مشاريع السكك الحديدية أو صفقات السلاح، فسياسة بوتين تتجه إلى التحكم في قدر كبير من إمدادات النفط الليبي، وهي السياسة التي انتهجها في العراق وحققت نتائج مهمة، حيث إن مستقبل النفط في العراق يتجه ليكون روسيا بحسب تقرير لمجلة الفورين بوليسي الشهيرة، ذلك أن الوجود الروسي في ليبيا يتمركز حول حقول وموانئ النفط.

بهذا التحليل ومن خلال تفكيك الاستراتيجية الروسية يمكن القول إن الوجود الروسي في ليبيا الذي لا يزال محدودا ويبدو وكأنه تكتيكي قابل لأن يتحول إلى وجود حيوي تساوقا مع الاستراتيجية الكبرى وخدمة لأهدافها السابق الإشارة إليها، وسيعتمد نجاح هذه الاستراتيجية في ليبيا على الموقف الأمريكي والأوروبي، الذي من غير المتوقع أن يقبل بالتوجه الروسي الذي لا يعرف التوازن، ذلك أن اتجاه روسيا وفق رؤية بوتين استحواذي بامتياز والتجربة في العراق في ملف النفط أسفرت عن مزاحمة شركات النفط الروسية للشركات الأمريكية وغيرها.

وبالنظر إلى مرتكزات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد جو بايدن والتي يتصدر التصدي للنفوذ الصيني والروسي قائمة أولوياتها فإنه يمكن القول إن مواجهة ربما شاملة ستقع بين القطبين، وهذا ما يرجح أن الأمريكان يمكن أن يوظفوا فشلهم في أفغانستان ويقلبوه إلى فائدة كبيرة من خلال نقل التحديات إلى العمق الاستراتيجي الروسي، وإذا علمنا أن قمة الناتو شهدت تفاهما أمريكيا تركيا بخصوص دور مهم لتركيا في أفغانستان، وأن تقاربا تركياً باكستانيا يمكن أن يأخذ منحى استراتيجيا، فإن الاستراتيجية "البوتينية" الكبرى قد تواجه باستراتيجية أمريكية أكبر سيكون لها آثارها الملموسة في ليبيا.