ملفات وتقارير

هل أغرق الرئيس التونسي نفسه في "مغامرة فردية"؟

تحدث مراقبون عن ما أسموها "معادلة مستحيلة" يقف أمامها قيس سعيد- جيتي

طالما رفع الرئيس التونسي قيس سعيد شعار: "لن نتراجع ولا عودة للوراء"، منذ انقلابه على الحكومة والبرلمان والدستور في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو الماضي.


ولم يعلن سعيد عن رئيس حكومة ولا عن خارطة طريق واضحة لتونس، التي تعاني أزمات في كل القطاعات، رغم مرور أكثر من شهر على إغلاق البرلمان وتجميد عمله، بالمقابل تطالب مكونات تونسية برؤية واضحة في ظل انسداد الأفق والمصير المجهول المنتظر.


وفي قراءة تحليلية، يقول الباحث والسياسي عبد الحميد الجلاصي لـ"عربي21" إن "الانقلاب كان زلزالا وكاشفا لهشاشة المشهد السياسي بفاعليه الحزبيين والمدنيين، وكان سعيد مكابرا رغم الفرصة التي منحتها إياه الثورة، دون استثمار (..)"، موضحا أنه لم يتم بلورة خطة للمقاومة من الرافضين، فيما لم ينجح المساندون في ترشيد خطوات الرئيس.

 

وضع جديد


واستحضر الجلاصي قصة نبوية لتوضيح المشهد التونسي، قائلا: "نتذكر قصة سليمان عليه السلام، حينما قال القرآن: فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته"، مبينا أن "المشهد في حالة سيولة، وانفتح على فاعلين يؤدون أدوارا سياسية مباشرة، ولم يكن الأمر كذلك في الوضع العادي".


وفسّر بقوله: "أقصد هنا الرأي العام الشارع والشعب، وعدد من الأجهزة والمؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية والإعلامية، إضافة إلى الفاعلين الكلاسيكيين الذين انتهت صلاحيتهم"، بحسب تعبيره.


ورأى أن تونس على أبواب وضع جديد، موضحا أن "هذا المعنى الحقيقي لعدم العودة لما قبل 24 تموز/ يوليو (..)، فالشعار صحيح، لكن الاختلاف عميق حول المضمون الجديد والفاعلين فيه (..)، وأنا موقن أن ذلك لا يمكن أن يحصل بفاعل وحيد، الذي هو رئيس الجمهورية، والذي يرفع عناوين صحيحة، ولكنه هو نفسه من منظومة ما قبل الرابع والعشرين (..)، يرفع عناوين صحيحة دون أن يمتلك لا الرؤية ولا المشروع ولا البرنامج ولا المنهجية ولا الروافع المناسبة".

 

اقرأ أيضا: خبير دستوري: قيس سعيّد يؤول الدستور ليكون دكتاتوريا


بدوره، يرى الصحفي والكاتب كمال الشارني في قراءة خاصة لـ"عربي21" أنه "أيّا كان استبشار جمهور كبير من الناس بشعارات محاربة الفساد وإقامة العدالة، التي تتم تحت إخراج تلفزيوني متطور لزيارات السيد الرئيس، فهو استبشار هش ليس له ما يسنده في الواقع، لاستحالة تحقيق تلك الأهداف التي يتطلع إليها الناس بزعامة شخص واحد، وإخراج تلفزي شعبوي كثيرا ما يكشف أن الرئيس غير مستوعب لطبيعة الفساد وأسبابه".


ولفت الشارني قائلا إن "اختزال القضايا الوطنية الكبرى في زيارات الرئيس، أو إلقائه خطبا حماسية على زواره، تعيدنا إلى معضلة حالة الفراغ الحكومي والدستوري التي نعيشها، ومعضلة عدم وجود أفق للخروج منها، إلى نظام حكم طبيعي يقوم على فصل السلط ومراقبتها لبعضها، وهو ما يسميه خصومه "المأزق"، لأنه لا يستطيع العودة إلى ما قبل 25 يوليو، لكنه لا يستطيع أن يتقدم حاليا نحو نظام سياسي بديل مبتكر، لا يقوم على فصل السلطة".


وتابع: "لذلك يحافظ على الغموض في انتظار فرصة مناسبة، ويستثمر في إذكاء مشاعر الغضب ضد الفساد، في الأثناء، تتجه كل مؤشرات الاقتصاد وإدارة الدولة إلى مزيد من التدهور، وهو الوجه الحقيقي والمباشر للمأزق".

 

تفكيك الدولة


وذكر أن "أقرب الداعمين للرئيس أنفسهم، يدركون ضرورة الخروج من وضع الغموض هذا، لكن لا أحد منهم يجرؤ على طرح هذا السؤال، لأن النظام الذي يعرفونه والذي يتقبله العالم يعني العودة إلى ما قبل 25 يوليو".


ويعتبر الباحث عبد الحميد الجلاصي أن "قيس سعيد يعرف ما يريد، فهذه الدولة بهندستها لا تعجبه، وهو يريد تفكيكها وإعادة تركيبها على صورة هلامية (..)".


وعن وضعية الرئيس الآن، يقر الباحث أنه في موقف معقد، فقد أصبح الإمبراطور والجمهور متقبل وينتظر، لكنه لن يعطي الكثير من الوقت.


وتحدث الباحث عن ما أسماها معادلة مستحيلة يقف أمامها الرئيس، قائلا: "لن يستطيع النجاح منفردا ولن يقبل التشارك مع منظومة كلها فاسدة، إذ لا صالح سواه ومعه "الشعب"، والشعب الذي يقصده كيان هلامي ينسب إليه أحلامه هو، وليس مجموع الناس الذين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق"، متسائلا: "كيف سيخرج من هذا المأزق؟ لا أحد يدري ولا حتى هو".


وينتهي الباحث قائلا: "الغشاوة سترفع غير بعيد وسينتبه الجميع، أن البديل المقترح عن الحالة الكارثية ما قبل 25 يوليو، ليس بالضرورة أفضل منها"، مضيفا أننا "جربنا مثل هذه الخيبات سابقا بين ما قبل وما بعد 7 نوفمبر 1987 وحتى ما قبل وما بعد انتخابات 2019، لا حل سوى جنوح الرئيس إلى تشاركية تحافظ على جذوة الأمل وتنقذ صورة الرئيس نفسه (..)".