ملفات وتقارير

ما تداعيات تحركات واشنطن لحسم الحرب اليمن؟

قال محلل سياسي؛ إن "السياسة الأمريكية تسعى لخلق توازنات في المنطقة"- جيتي

طرحت التحركات الأمريكية الموسعة سياسيا وعسكريا في الفترة الأخيرة، في الملف اليمني؛ ورفع حدة الضغوط على السعودية التي تقود تحالفا عسكريا ضد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران؛ التكهنات والتساؤلات حول تداعيات هذا الحراك من الولايات المتحدة ومدى قدرتها على إنهاء الحرب، في ظل استمرار الجماعة في رهاناتها العسكرية للحسم.


وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، صوّت الكونغرس الأمريكي على مشروع قرارات وتعديلات تمنع تقديم أي دعم عسكري للمملكة العربية السعودية، التي تقود التحالف في اليمن.


ويتمثل المشروع الذي تقدم به السيناتور المستقل بيرني ساندرز والنائب الديمقراطي رو خانا؛ في تعديل مقترح على موازنة وزارة الدفاع الأمريكية للعام القادم، يقضي بـ"إنهاء الدعم اللوجيستي الأمريكي، ونقل قطع الغيار للطائرات المقاتلة السعودية التي تنفذ غارات جوية".

كما يتضمن التعديل إضفاء صفة القانون على قرار إدارة جو بايدن بوقف مشاركة المعلومات الاستخباراتية، "التي تسمح بتنفيذ غارات هجومية، وإنهاء أي جهد للقيادة أو التنسيق أو المشاركة في التحرك أو الانخراط مع قوات التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب".

وأعقب التصويت على المشروع زيارة مستشار الأمن الوطني الأمريكي جاك سوليفان إلى الرياض، حيث التقى ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، وكان الشأن اليمني حاضرا بقوة.

وبحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، فإن ابن سلمان أكد للمسؤول الأمريكي "مبادرة بلاده لإنهاء الأزمة اليمنية، التي تتضمن وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، ودعم مقترح المنظمة الدولية بشأن السماح بدخول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة (غربا)، وفتح مطار صنعاء الدولي لرحلات من وإلى محطات مختارة، إضافة إلى الرحلات الإغاثية الحالية".

فضلا عن "بدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية، بناء على المرجعيات الثلاث برعاية الأمم المتحدة"، وفق وكالة الأنباء السعودية.

وذكرت الوكالة السعودية أن سوليفان، الذي يعد أكبر مسؤول أمريكي يزور المملكة في عهد إدارة بايدن، أكد "الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتزام الولايات المتحدة التام بدعم دفاع المملكة العربية السعودية عن أراضيها ضد التهديدات كافة، بما في ذلك الهجمات الصاروخية والمسيرة المدعومة من إيران".

 كما أشار إلى "تأييد الرئيس الأمريكي لهدف المملكة بالدفع نحو حل سياسي دائم وإنهاء النزاع اليمني، وأكد دعم الولايات المتحدة التام لهذه المقترحات وجهود الأمم المتحدة للوصول لحل سياسي للأزمة".

"نقل الحرب إلى المملكة"

وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، عادل الشجاع، أن "الحرب في اليمن هي حرب أمريكية بامتياز، تم التخطيط لها في واشنطن وأعلنت من واشنطن".

وقال في حديث لـ"عربي21": "لم تكن المملكة العربية السعودية قائدة التحالف، سوى أداة وواجهة لهذه الحرب التي نسقت لها أمريكا بالتعاون مع إيران، للوصول إلى استكمال ما سمي بالهلال الشيعي الذي يبدأ من اليمن ويمر بالقطيف، مرورا بالبحرين والعراق، وصولا إلى سوريا ولبنان".

وأضاف الاكاديمي اليمني: "قيدت الولايات المتحدة الشرعية اليمنية ومنعت التسليح على الجيش اليمني، في الوقت الذي سمحت بوصول الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية إلى الحوثيين، وعملت جاهدة على منع سقوطهم في أكثر من مرة"، متابعا القول: "وليس أدل على هذه الرعاية من إخراج هذه الجماعة من قائمة الإرهاب".

وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء إلى أن واشنطن تحاول أن تظهر اليوم أنها حريصة على إنهاء الحرب في اليمن، لكن الحقيقة، هي أنها تريد الإبقاء على عواملها طويلا؛ لكي تبقى متحكمة بهذا الملف بالتعاون مع إيران".

وأكد الشجاع  أن الهدف من ذلك هو "نقل هذه الحرب مع مرور الوقت إلى السعودية، التي تقع ضمن التقسيم المنصوص عليه في خارطة الشرق الأوسط".

"توازنات وبؤرة صراع"

من جانبه، يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة، غربي اليمن، فيصل الحذيفي أن "السياسة الأمريكية تسعى لخلق توازنات في منطقة الشرق، تفضي إلى منع تشكل نظام إقليمي في الشرق الأوسط مستقر ومستقل، ينعكس سلبا على أمن إسرائيل من جهة، ويكرس احتكار المنظومة الغربية للسيطرة على ثروات المنطقة وتفردها الجيوسياسية من جهة أخرى".

وقال الحذيفي في حديث خاص  لـ"عربي21": وعلى هذا الأساس، تسعى إلى الحيلولة دون قدرة أي من السعودية أو إيران أو تركيا على الاستفراد السياسي بالمنطقة.

وأضاف أن "مسعى واشنطن يأتي لإقرار حالة التشظي في اليمن والتشظي الإقليمي، كحالة مناسبة لإبقاء سلطات الأمر الواقع في اليمن كما هي، وإبقاء حالة الشد والجذب بين السعودية وإيران".

وأكد الأكاديمي اليمني أن هذا ما ينعكس على الدعوة لحل المشكلة اليمنية بإقرار الوضع القائم، كما هو دون نصر داخلي في اليمن لأي طرف..وهو أيضا إبقاء الصراع الاقليمي في حالة تجاذب دون تفوق لأي طرف.

وتابع: "واشنطن تمارس الضغوط على جميع الأطراف بإقرار هذه الحالة دون حسم... تحت  مسمى إنهاء الحرب في اليمن"، مؤكدا أن "ذلك شعار خادع".

وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة اليمنية إلى أنه "لن يترتب على هذه السياسة إيقاف نهائي للحرب في اليمن أو حل للصراعات في الإقليم، بل اخمادها إلى حين يمكن إشعالها من جديد".

وقال: "نحن أمام مشهد إدارة سياسة التوازنات التي تفضي دوما إلى حرب بلا نصر... وإبقاء منطقة الشرق الأوسط كاملة تحت السيطرة الغربية والحيلولة دون النهوض والاستقرار؛ حفاظا على مصالح محتكرة لها دون أي قطب دولي منافس".

"خروج بطعم الهزيمة"

الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، من جهته، أكد أن ولي العهد السعودي الطامح إلى تولي منصب الملك في بلاده؛ يواجه تحديات خطيرة يأتي أكثرها تأثيرا من المواقف الأمريكية المضطربة حيال المملكة.

وقال في مقال نشرته صحيفة "عربي21": "يأتي ذلك، بالتزامن مع ما يمكن وصفه بانسحاب واشنطن من شراكة استراتيجية طويلة جمعتها مع الرياض على مدى عقود من الزمن، على الرغم من التطمينات التي جاء بها سوليفان نفسه بشأن التزام بلاده بالدفاع عن السعودية من الاعتداءات التي تتعرض لها".

وبحسب التميمي، فإنه لا يبدو أن السعودية وولي عهدها سعيدان بهذه الزيارة التي لم تكن تعويضا كافيا، عن إلغاء غير مبرر لزيارة كان من المفترض أن يقوم بها وزير الدفاع الأمريكي إلى الرياض الشهر الماضي.

وأوضح الكاتب اليمني أن "أقل ما يمكن أن يقال عن زيارة سوليفان، وبما أنها تركز بشكل كبير على الملف اليمني؛ إنها تقوض الهيمنة شبه المطلقة التي تمارسها السعودية على اليمن وسلطتها الشرعية، عبر التدخل العسكري الراهن".

وأردف: "الرياض تدرك عواقب أن تضع واشنطن ثقلها في قضية إنهاء الحرب دون أن تتمكن من صياغة النهاية المفترضة لها؛ بما يتفق مع مصالحها الاستعلائية في الحقيقة، التي تصل إلى حد تجاوز مصالح الشعب اليمني والإساءة إلى دولته وتفكيكها وتمزيقها".

وأشار السياسي اليمني إلى أنه من الواضح أن المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار المعلنة من جانب وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، في 22 آذار/ مارس 2021، التي أعاد ولي العهد السعودي تأكيدها خلال لقائه في نيوم مستشار الأمن الوطني الأمريكي، تستنفد أثرها في توجيه المواقف الأمريكية، خصوصا تجاه الحوثيين.

وتابع: "إذ يبدو أن المسؤول الأمريكي يريد من السعودية أن تعيد تكييف هذه المبادرة إلى المستوى الذي يسمح بإنهاء الحرب؛ بغض النظر عن النتائج التي قد تبقي الحوثيين قوة عدائية حقيقية في جنوب المملكة"، لافتا إلى أن هذا على الأقل ما أوحت به تصريحات ولي العهد السعودي التي أدلى بها في وقت سابق من هذا العام.

ووفق السياسي التميمي، فإنه "ما من طرف يمكن أن يحقق استفادة جوهرية من دفع السعودية إلى مغادرة اليمن بطعم الهزيمة أكثر من إيران".

وقال: "ومن المؤسف أنه إن حدث ذلك، فإن إيران هي من ستعلن الانتصار في واحدة من أهم جولات المواجهة العديدة التي تخوضها ضد النفوذ السعودي المتراجع في المنطقة".

وفي وقت سابق من الشهر المنصرم، قال نائب القائد العام للحرس الثوري العميد علي فدوي، لوكالة "تسنيم" الإيرانية؛ "إن من بدأ حرب اليمن، يتوسل طهران لإخراجه من الأزمة وإنهاء الحرب"، في إشارة واضحة إلى السعودية، دون تسميتها.

وأضاف، بحسب الوكالة الإيرانية، أن "أي مكان انتشر فيه عبق الثورة تغير وتطور"، متابعا؛ "إن خير مثال على ذلك هو اليمن. فالمعرض الذي أقامته اليمن عن إنجازاتها في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، إذا اجتمعت كل الدول العربية لن تتمكن من إقامة مثل هذا المعرض".