صحافة دولية

NYT: على أمريكا مراجعة فعالية أداة "العقوبات"

من المحتمل أن تكون كل تلك الحكومات والأفراد أهدافا مستحقة للعقوبات، ولكن إلى أي غاية؟- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للباحث بشؤون أمريكا اللاتينية في منظمة "تشاتام هاوس"، كريستوفر سباتيني، قال فيه إن وزير الخارجية أنطوني بلينكن، أعلن مؤخرا عن عقوبات ضد سبعة مسؤولين عموميين في السلفادور وغواتيمالا، وسط ازدحام مستمر لقائمة واشنطن لـ"الفاعلين غير الديمقراطيين والفاسدين"، مطالبا بمراجعة فاعلة لهذه الأداة في سياسة الولايات المتحدة.

 

وأوضح الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن الجولة الجديدة من العقوبات التحقت بأكثر من 300 فرد كانت أمريكا قد أدرجتهم في كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا وهندوراس والسلفادور وغواتيمالا، فضلا عن العقوبات الدبلوماسية والمالية الأمريكية على حكومات كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا.

 

وبينما فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على دول وقادة في جميع أنحاء العالم متهمين بانتهاكات حقوق الإنسان والكسب غير المشروع، فقد أصبحت العقوبات في أمريكا اللاتينية واحدة من الركائز الأساسية لسياسة أمريكا للدفاع عن الديمقراطية ومحاربة الفساد.

 

ويقول الكاتب إن من المحتمل أن تكون كل تلك الحكومات والأفراد أهدافا مستحقة للعقوبات، ولكن إلى أي غاية؟


ويجيب الكاتب بالقول إن العقوبات قد تكون أداة دبلوماسية مهمة عند تطبيقها بطريقة معيارية. لكنها نادرا ما تكون مصحوبة بمقاييس واضحة لفشلها أو نجاحها ومعايير لرفعها المحتمل.


وأعلنت وزارة الخزانة قبل أشهر أنها تراجع آثار العقوبات الأمريكية على رفاهية الناس في البلدان المستهدفة. لكن المراجعة، التي طلبتها وزيرة الخزانة جانيت يلين، استغرقت وقتا أطول من المتوقع ويبدو أنها تركز على العقوبات الاقتصادية وليس الأداة الشائعة بشكل متزايد للعقوبات الفردية.


هنالك على سبيل المثال فرصة لإعادة تقييم وتعديل العقوبات في المكسيك، حيث تتفاوض الحكومة الفنزويلية مع معارضتها الديمقراطية.

 

وبينما قال نظام نيكولاس مادورو إنه لن يوافق على إجراء انتخابات تحت إشراف دولي حتى يتم رفع العقوبات المفروضة على شركة النفط المملوكة للدولة، فقد أشار البيت الأبيض، إلى جانب كندا والاتحاد الأوروبي، إلى استعداده لتخفيف بعض العقوبات مقابل إجراء إصلاحات. وليس من الواضح ما الذي يجب أن تكون عليه هذه الإصلاحات والعقوبات التي سيتم رفعها.


العقوبات الأمريكية لها تاريخ طويل في أمريكا اللاتينية. كوبا هي المثال الأكثر وضوحا على كيفية تكديس العقوبات، حتى لو فشلت بوضوح في تحقيق أي شيء. تأسس الحظر الاقتصادي الأمريكي المفروض على كوبا في الأصل في عام 1962، وقد تم تقنينه من قبل الكونغرس في عام 1992 ومرة أخرى في عام 1996، كل ذلك بقصد معلن لتحسين حقوق الإنسان وقلب الحكومة الشيوعية.

 

وبعد ما يقرب من 60 عاما، لم تعد كوبا واحدة من أكثر المجتمعات قمعية في العالم فحسب، ولكن في عام 2018، نقل الرئيس راؤول كاسترو الشعلة إلى الجيل التالي، مع تعيين الحزب الشيوعي ميغيل دياز كانيل رئيسا للبلاد.


وخلال الحملة الانتخابية في عام 2020، وعد جو بايدن بإعادة النظر في سياسة أمريكا تجاه كوبا. ولكن بدلا من البحث عن وسيلة لتقليص القيود التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على السفر والتحويلات المالية إلى الجزيرة، بعد حملة الحكومة الكوبية على المتظاهرين السلميين في الغالب في تموز/ يوليو، فقد فرض البيت الأبيض برئاسة بايدن عقوباته الخاصة على أربعة أعضاء من الحكومة الكوبية وعلى الشرطة الوطنية. كانت خطوة أخرى غير فعالة، لأن العقوبات الحالية فشلت في منع الحملة الأصلية ضد المتظاهرين.

 

اقرأ أيضا: ماذا تعني عقوبات أمريكا الجديدة على قائدين بـ"الحوثي"؟


وأظهرت أمريكا الوسطى أيضا كيف يمكن أن تكون العقوبات الاقتصادية الأمريكية عاجزة. وردا على حملة القمع ضد الناشطين الديمقراطيين من قبل رئيس نيكاراغوا دانييل أورتيغا، فقد فرضت إدارتا ترامب وبايدن عقوبات على أكثر من 100 مسؤول حكومي، بما في ذلك أورتيغا وزوجته ونائبة الرئيس روزاريو موريللو.

 

وعلى الرغم من تلك العقوبات وتعليق الدعم الأمريكي للتنمية، فإن سبعة من المرشحين المعارضين المحتملين في نيكاراغوا للانتخابات الرئاسية المزمعة في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر في السجن أو قيد الإقامة الجبرية، ولا يزال أكثر من 100 سجين سياسي خلف القضبان.


وقبل الإضافات الأخيرة لوزير الخارجية، بلينكن، فإن البيت الأبيض فرض هذا العام عقوبات ضد أكثر من 55 من أمريكا الوسطى، ممن قرر أنهم متورطون في الفساد. إلى جانب خطر مجرد إضافة أشخاص إلى قائمة الأشرار إلى ما لا نهاية تحت بند العقوبات الفردية، فإن التداعيات الاقتصادية للعقوبات المالية، وفقا للأستاذ في جامعة تافتس دانييل، دريزنر، "من المرجح أن تؤدي إلى القمع والفساد وتراجع مؤشرات التنمية البشرية".
 
وعلى مدار العقد الماضي، أصبحت فنزويلا هدفا لبعض الإجراءات القسرية الأمريكية الأكثر صرامة، بدءا بمجموعة من العقوبات ضد الأفراد في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما.

 

ووسّعت إدارة ترامب العقوبات التي تحظر التعاملات مع شركات النفط والغاز المملوكة للدولة في فنزويلا بعد إعادة انتخاب مادورو عام 2018 المشكوك فيه على نطاق واسع. وبحلول عام 2017، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على أكثر من 160 فنزويليا لأسباب من بينها تهريب المخدرات والفساد والصلات بالإرهابيين وانتهاكات حقوق الإنسان.

 

وكان الهدف الواضح من سلسلة العقوبات هذه هو الإطاحة بمادورو ووضع خصمه الرئيسي، خوان غوايدو، مكانه.


ومع انخراط حكومة مادورو في محاولتها الخامسة للتفاوض مع المعارضة، فإن لدى إدارة بايدن الفرصة لإظهار التزام جديد باستخدام العقوبات كجزرة وليس كعصا - ليس فقط لفنزويلا ولكن للمنطقة.


وقبل أن يختتم الجانبان المفاوضات الحالية في المكسيك، فإن البيت الأبيض يحتاج إلى توضيح ما هي الإصلاحات المحددة التي ستؤدي إلى رفع أي عقوبات محددة.

 

ويجب أن تشمل التسوية، بحسب الكاتب، إطلاق فنزويلا سراح 340 أو نحو ذلك من السجناء السياسيين، وإيصال المساعدات الإنسانية الدولية من الغذاء والأدوية من خلال منظمات مستقلة دون تدخل حكومي، والتصويت الحر والنزيه في الانتخابات الإقليمية والبلدية في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر.

 

في المقابل، فإنه يجب على الحكومة الأمريكية الموافقة على رفع قيود التصدير على السلع والمعدات التي تحتاجها فنزويلا لمعالجة النفط وتوليد الكهرباء وتوفير الديزل لوسائل النقل العام. ولتقليل مخاطر أن عائدات النفط ستعزز دولة مادورو الفاسدة وأعوانه، فستحتاج أمريكا إلى الإصرار على أن يستخدم الجزء الأكبر من عائدات النفط لدفع ثمن الواردات الغذائية والخدمات العامة الهامة لتخفيف معاناة الفنزويليين الفقراء.


ولكن بعيدا عن أي تحسين فوري لعقوبات فنزويلا، فإن البيت الأبيض والكونغرس والخبراء في هذا المجال يحتاجون إلى إجراء مراجعة عامة من الحزبين لنظام العقوبات الأمريكي المتزايد باستمرار لتقييم الأثر الإنساني وتقييم مدى نجاح هذه العقوبات في تعزيز أهداف الأمة، حتى مع متابعة وزارة الخزانة تقييمها.


ويجب أن يؤسس مثل هذا التقييم أدوات دبلوماسية أخرى لوضع خطوات ملموسة وواقعية نحو تخفيف مدروس للعقوبات (تغيير النظام لا يحسب)، والقنوات الدبلوماسية للتفاوض من خلال أطراف ثالثة، والحوافز المالية من خلال مساعدات التنمية أو الضمانات للمستثمرين من القطاع الخاص لإحداث التغيير، والتنسيق مع الجهات الأخرى المطبقة للعقوبات في هذه الجهود الدبلوماسية.


إن فرض العقوبات على الأنظمة والأفراد الفاسدين والمنتهكين لحقوق الإنسان قد يجعل الدبلوماسيين والمسؤولين المنتخبين يشعرون بالرضا.

 

ولكن نظرا لأن هذا أصبح جزءا محوريا بشكل متزايد من سياسة الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، فنحن بحاجة إلى فهم متى لا تعمل تلك العقوبات ونكون مستعدين للتكيف.