قضايا وآراء

شيرين وآخرون.. بين قاتلين

1300x600
بالتزامن مع الذكرى السنوية ليوم الصحافة العالمي، الذي يصادف الثالث من أيار/ مايو من كل عام، نفّذ العدو الصهيوني المجرم جريمته، بلا رتوش ولا تلوين، ولا تزويق، وعلى الهواء مباشرة، وكأنه أرادها أن تصل بطريقته الهجمية التي عُرف بها للعالم كله، حين اغتال الزميلة الصحافية شيرين أبو عاقلة مراسلة الجزيرة في فلسطين الحبيبة على مدى ربع قرن، وإمعاناً في الجريمة فقد اختار قناصاً محترفاً لينال من رقبتها بعد أن ظهر أنها ترتدي خوذة وسترة مضادين للرصاص. اللافت أن العدو الصهيوني هذه المرة لم يأبه لردود أفعال الوسط المسيحي الغربي وتحديداً الأمريكي التي تنتمي إليه العزيزة شيرين، إن كان من حيث الدين، أو من حيث الجنسية الأمريكية التي تحملها، فلا حصانة لأحد أمام المحتل الإسرائيلي.

هي إذن رسالة لكل إعلامي يغطي لنا أحداث فلسطين، لا سيما في ظل الغارة الإسرائيلية المستكلبة اليوم على الأقصى وجنين، والتي حظيت باهتمام عربي وإسلامي وعالمي كبير، مما ذكّر مجدداً بأن دور الفضائيات ودور شبكة الجزيرة لا يمكن أن يُستغنى عنه، ويتعذر أن يحلّ أحدٌ محلّها، وهو ما فقهه الاحتلال الصهيوني حين استهدف الزميلة، ليُخيف بذلك ويُرعب كل من أراد السير على سيرها في تغطية تحدٍ وجرأة. بيد أن الإعلام العربي والعالمي أبقى لهذا الاحتلال ما يسوؤه، إذ لا يزال العشرات وربما المئات من الإعلاميين يصرون على المضي قدماً على نفس الطريق، فقد رحل زملاء كثر عرباً وأجانب، ولكن لم يُثنِ ذلك عزيمة أصحاب مهنة المتاعب والبحث عنها، ومهنة التنكيد على المغتصبين المحتلين.

في فلسطين الشمالية كما في سوريا الجنوبية الحال من بعضه، فعلى مدى 12 عاماً من الثورة السورية، حجز النظام الطائفي السوري -بدعم المحتلين الإيراني والروسي- مكاناً في ذيل قائمة حرية الصحافة، فكان ترتيبه في المركز 176 ضمن 180 دولة، وسجل أعلى بورصة قتل بحق الإعلاميين السوريين والأجانب، حين كشفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي للصحافة عن مقتل 707 صحافيين في سوريا على أيدي النظام السوري وحلفائه منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011 وحتى الآن، بينهم بحسب الشبكة ست صحافيات، وسبعة صحافيين وصحافيات أجانب، و52 صحافياً قضوا تحت التعذيب في أقبية مسالخ الأسد. ومن بين 707 من قتلى الصحافة، 64 صحفياً قتلوا على يد تنظيم "داعش"، وأربعة آخرون على يد تنظيم " بي كا كا"، فيما قتلت مجموعات مسلحة مناهضة للنظام 32 صحافياً، بينما لا يزال النظام يحتجز 353 صحافيا بينهم سيدتان وأربعة صحفيين أجانب.

لن ينسى السوريون مقتل الصحافية الأمريكية ماري كولفين أواخر شباط/ فبراير 2012 في حمص، حين اغتالها النظام السوري الطائفي مع المصور الفرنسي ريمي اولشيك بدم بارد، وهي تغطي جرائمه المرتكبة في تلك المدينة التي هجّر مع العصابات الطائفية والمحتل الإيراني معظم أهلها.

اغتيال الزميلة شيرين جدد القول إن الغرب ليس جاداً في التعاطي مع من يُقتل حتى ولو كانوا يدينون بدينه ولا بمن يحملون جنسيته بمواجهة قاتليْن مجرميْن؛ إن كان النظام السوري أو الاحتلال الإسرائيلي. ونحن نرى الأمثلة فاضحة أمامنا؛ إن كان بقتل الصحافية كولفين، أو بدهس الجرافة الإسرائيلية أمام العالم كله المناضلة راشيل كوري، ومن قبل رأينا كيف تسامحت أمريكا والغرب مع اعتقال صحافييها لدى النظام السوري، وكيف ابتلعت أمريكا لسانها تجاه مقتل كولفين، ولذا فمن الصعب وربما أقرب إلى المستحيل التعويل على حملات العلاقات العامة التي تقوم بها مؤسسات سياسية رسمية غربية تجاه اغتيال الزميلة شيرين وغيرها، فهذه المؤسسات تهدف إلى الترويج لنفسها، والتغطية على عجزها لاحقاً.

إن مهمتنا كإعلاميين هي استمرارية الضخ الإعلامي، ومواصلة الكتابة والطرق على هذه الجرائم؛ إن كانت على أيدي الاحتلال الإسرائيلي أو النظام السوري أو غيرهما لا فرق، فالقيم لا تتجزأ وكذلك المهن، والانتصار لإعلامي في فلسطين هو انتصار للإعلام وقيمه على امتداد وجع الإعلام ومتاعبه. محاكمة القاتل علنياً، وأمام الجمهور بدون غرف مغلقة وبعيداً عن المايكروفونات والكاميرات، هو سلاحنا كإعلاميين وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، فالرأي العام عملية تراكمية، وليست وليده لحظة، وأخطر عدو هو ذلك هو الملل والكسل، والتخلي عن الطريق.

لنواصل المهمة التي بدأتها شيرين والمئات من الإعلاميين السوريين الذين رحلوا عنا خلال السنوات الماضية، فمواصلة المهمة هي الوفاء لهم وللمهنة وللجمهور الذي تعلّق بهم، والذي قد عبرّ بشكل لافت عن التضامن بعد عملية اغتيال شيرين. وهذا ينسحب على التضامن مع كل من يتضامن معهم، فلا تخذلوهم.