اقتصاد عربي

هل اشترى الاتحاد الأوروبي القمح لتونس بسبب عجزها المالي؟

تأثر قطاع الحبوب بتونس بسبب الحرب الروسية الأوكرانية - الأناضول

تضاربت الروايات بخصوص شراء الاتحاد الأوروبي لشحنتي قمح موجهتين إلى تونس بسبب عجزها المالي على ضوء الأزمة الاقتصادية التي تعيشها، فيما لزمت السلطات الرسمية الصمت.


وقال النائب الإسباني خافيير نارت، الذي زار تونس ضمن وفد في الفترة من 10 إلى 14 نيسان/ أبريل، إن الاتحاد الأوروبي قام بالدفع نقدا لشراء شحنتي قمح موجهتين إلى تونس.


وعلّل نارت، خلال مداخلة بالبرلمان الأوروبي، أن الاتحاد اتخذ هذا القرار لأنه "لم يكن هناك قمح في تونس ولا أموال للدفع"، قائلا إن الرئيس التونسي قيس سعيّد "متوحد ومستنير، إنه مثل فرانكو، سيحول تونس إلى ليبيا جديدة".


وخلال مداخلته، شدّد الممثل المنتخب من يمين الوسط على أن "السكان في تونس ليس لهم طعام، في بلد غير قادر على دفع ثمن بضائع سفينتي شحن بسيطتين".


وكان نارت ضمن الوفد الأوروبي الذي زار تونس خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، حيث دعا الأطراف المعنية بالأزمة التونسية، للمشاركة في حوار وطني شامل بشكل فعليّ لمعالجة الوضع السياسي والاقتصادي المتأزم على نحو عاجل، مؤكدا على أن الشرعية متساوية بين رئيس البلاد والبرلمان المنتخب.


وحاولت "عربي21" التواصل مع الوفد الأوروبي دون أن تتلقى ردا من رئيس الوفد النائب الديمقراطي المسيحي الألماني مايكل جاهلر، فيما صرّح نائب نارت بالبرلمان الأوروبي بالقول إن "هذه مساعدة إنسانية طارئة بقيمة 20 مليون يورو لشراء القمح. شروط الصرف لم يتم الاتفاق عليها بعد، لكن رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن انتقدت المساعدات الإنسانية قائلة إنها تدفع فقط لشراء شحنة".


وفي وقت سابق، أكدت مصادر مطلعة لـ"عربي21" أن السلطات التونسية أصدرت تعليمات بمنع الموظفين الحكوميين من الإدلاء بتصريحات بخصوص أزمة الحبوب التي تعاني منها البلاد، التي تعمقت بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا.


وبحسب المصادر ذاتها، فإن رئاسة الحكومة فرضت على الموظفين الامتناع عن القيام بتصريحات إعلامية لها علاقة بأزمة الحبوب، باعتبارها "قضية أمن قومي من شأنها أن تثير قلق المواطنين".


من جهتها، اكتفت وزارة الفلاحة التونسية بإصدار بيان بتاريخ 25 شباط/ فبراير الماضي، مؤكدة من خلاله أن ديوان الحبوب تمكن خلال الفترة المنقضية من تجسيم برنامج الشراءات لتأمين تغطية حاجيات البلاد إلى غاية موفى شهر آيار/ مايو 2022 بالنسبة للقمح الصلب والشعير وإلى موفى شهر حزيران/ يونيو 2022 بالنسبة للقمح الليّن.


وتوفر تونس 80 بالمئة من حاجياتها من الحبوب المستوردة عبر السوق الروسية والأوكرانية، حيث تستورد سنويا ما قيمته 984 ألف طن من القمح من أوكرانيا و111 ألف طن من روسيا، لكن الإمدادات تأثرت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.


وبحسب ديوان الحبوب التونسي، تبلغ سعة شحنات القمح التي تصل إلى الموانئ التونسية 25 ألف طن، حيث تم إجراء المعاملات الأخيرة بنحو 428 يورو للطن. وبالتالي، فإن مبلغ الـ 20 مليون يورو يتوافق مع القيمة السوقية لحوالي 47000 طن من القمح، أي ما يقرب من قاربين كاملين.


ووفق ديوان الحبوب، يبلغ استهلاك البلد البالغ تعداد سكانه نحو 11.8 مليون نسمة من الحبوب 3.4 ملايين طن سنويا، منها 1.2 مليون طن لكل من القمح الصلب واللين. ورغم أن تونس تعد بلدا منتجا للحبوب فإن إنتاجها متذبذب وهي تعاني عجزا مزمنا، ما فتئ يزيد بمعدل 50 في المئة مقارنة بالطلب المحلي.


وتبعا لذلك يتم ضمان أغلب حاجيات البلاد السنوية باعتماد التوريد مما يزيد من معدل تبعية تونس، في ما يتعلّق بالحبوب الموردة، والتي تقدرها منظمة الأغذية والزراعة (فاو) عند نحو 63.3 في المئة.
وأعلنت الحكومة مطلع نيسان/ أبريل الماضي عن برنامج يستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح ابتداء من الموسم المقبل بعدما قلصت حرب أوكرانيا فرص استدامة الإمدادات من الأسواق الخارجية فضلا عن الجفاف الذي يضرب شمال أفريقيا منذ سنوات.


وتضررت تونس، التي تعاني من أزمة مالية شديدة، بشدة من ارتفاع أسعار القمح العالمية، فيما لم تضع السلطات استراتيجية استباقية تجنبها مثل هذه الوضعية.


وإن ثبت شراء الاتحاد الأوروبي القمح لتونس في إطار مساعدات، فإن ذلك يتقاطع مع مقترح الوفد الذي زار تونس، الذي دعا الاتحاد الأوروبي إلى مواصلة مساعدة تونس اقتصاديا للخروج من أزمتها الحالية، على أن يجعل مساعدته مشروطة بزيادة الضغط على قيس سعيّد حتى يقبل حوارا شاملا بما في ذلك الأحزاب السياسية المعارضة، والنقابات العمالية والمجتمع المدني.

 

اقرأ أيضا: النقد الدولي: وضع اقتصاد تونس كارثي.. وهذا مصير المفاوضات

كما يتقاطع هذا المقترح مع فحوى المكالمة التي جمعت بين الرئيس التونسي قيس سعيّد بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 6 آيار/ مايو، عقب إعادة انتخاب الأخير رئيسا لبلاده، بحسب موقع "أفريكا أنتلجنس".


وبحسب الموقع، عبّر الرئيس الفرنسي، الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي خلال دورته الحالية، عن غضبه من تردي الأوضاع الاقتصادية في تونس، في ظل التدابير الاستثنائية.


وقال ماكرون لسعيّد، بحسب المصدر ذاته، إن عملية الإصلاح السياسية القائمة في تونس أثرت بشكل سلبي على الواقع الاقتصادي، وجعلته حرجا.


في المقابل، أخبر الرئيس الفرنسي نظيره التونسي بأن الاتحاد الأوروبي سيواصل تقديم دعمه المالي لتونس لتجاوز الأزمة الاقتصادية، على أن يتم تنظيم حوار وطني يجمع جميع الأحزاب والمنظمات الوطنية الكبرى بتونس لمناقشة مستقبل الأزمة السياسية.