كتاب عربي 21

فرقة "العازفون الثلاثة"!

1300x600

بدا ما يقولونه كما لو كان لحناً موسيقياً، وإن كان نشازاً، وبدا الترديد الجماعي له كما لو كان "نوتة موسيقية"، وزعها موسيقار عليهم وحرص على الاختفاء، تحسباً لردة فعل الجماهير، وقد يحصبوه بالبيض والطماطم كما جرى العرف مع هذه الرداءة؛ لحناً، وأداء!

فليس معقولاً أن يهب الثلاثي؛ حمدين صباحي، وخالد داود، وأخيراً عمرو حمزاوي، فيعزفوا لحناً واحداً، ثم يكون مطلوباً منا التسليم بأنه توارد خواطر بين ثلاثي أضواء المدينة، إلا أن يكون ما جرى هو لأنهم فرقة، ولأن نوتة موسيقية وزعت عليهم باللحن المطلوب!

لقد قال الثلاثي في مواجهة حديث دعوة الإخوان للمشاركة في الحوار الوطني، إنه لا دعوة إلا بعد أن يقروا بدستور 2014، بشكل يوحي بأن هذا الدستور صار هو "عقدة النكاح"، ورأس الأمر وعموده وذروة سنامه!

قال الثلاثي في مواجهة حديث دعوة الإخوان للمشاركة في الحوار الوطني، إنه لا دعوة إلا بعد أن يقروا بدستور 2014، بشكل يوحي بأن هذا الدستور صار هو "عقدة النكاح"، ورأس الأمر وعموده وذروة سنامه!

فمن الطبيعي لمن توجه له الدعوة لحضور الحوار الوطني ويقبلها، أنه يكون قد سلم بالمسار كاملاً، دستوراً وحاكماً، فليس من المعقول أن تكون الدعوة من جانب السيسي بصفته، وليس من الثلاثي، فيكون قبولها مع الإقرار بأنه "قائد الانقلاب العسكري" وليس رئيس الدولة. والحضور يمثل إقراراً ضمنياً بالدستور الذي أنتج السيسي رئيساً للبلاد، لكن فرقة "العازفون الثلاثة" بدت كما لو كانت تضع العقدة في المنشار، وتنظر لدستور 2014 كما لو كان قرآن القوم، يوشكون أن يطوفوا به بعد أن ينصبوا له ضريحاً كأضرحة أولياء الله الصالحين!

في رحاب الدستور:

والمدهش هو ما قاله المنسق العام لهذا الحوار ضياء رشوان، من أن الحوار سيدور في رحاب الدستور وليس مسموحاً للحاضرين بالمطالبة بتعديل أي نص فيه، على نحو ذكرنا بزمن مبارك، عندما ظل الحديث لأكثر من ربع قرن عن أن تعديل أي مادة في الدستور تغضبه بشكل شخصي، ولو بالمطالبة بتعديل النص الخاص بنسبة "العمال والفلاحين" في البرلمان، فقد كان يعتبر هذه الدعوة مؤامرة كبرى تستهدف مادة الرئاسة مدى الحياة. ومن هنا لا يذكر أحد لسياسي، أو كاتب، أو حزب، أن طالب بتعديل الدستور. وفي آخر حوار مع الأحزاب دعا إليه مبارك، وكان أحد رؤساء الأحزاب الجدد مدعواً، لذلك حرص رئيس لجنة الحوار، الأمين العام للحزب الوطني صفوت الشريف، أن يؤكد عليه هاتفياً أنه ليس مسموحاً بأي حديث عن تعديل دستوري. وكانت المفاجأة أنه بمجرد أن انفض المولد، كانت الدعوة لتعديل الدستور، بما يضمن الانتقال من مرحلة الاستفتاء على مرشح واحد إلى انتخابات تعددية محكومة!

ولم يكن الأمر خاصاً بالاستعداد لتوريث الحكم، كما قال كثيرون، فقد كان الوضع القائم يسمح بالانتقال السلس للسلطة من مبارك لنجله، ولكن لأن التعديل تم بضغوط أمريكية (من بوش الابن). وقد عمل مبارك كل ما في وسعه من أجل وضع القيود على الترشيح، فجاءت المادة 76 المعدلة تحمل عواراً دستورياً، انتقلت به إلى المسخرة!

إن الجنرال، إذا أمد الله في عمره، سيجد نفسه بعد عامين بحاجة ماسة إلى تعديل الدستور، لأنه سيكون قد دخل في ولايته الأخيرة، وليس عاقلاً من يعتقد أنه سينصاع للنص الدستوري الحالي، كما أنه الآن بحاجة إلى تعديل دستوري يلغي فيه النصوص المانعة لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وانتقال مؤسسات الدولة إليها، وقد رضي بالدنية في أمره؛ بأن تكون مجرد ضاحية من ضواحي القاهرة، الأمر الذي يفقده بهجة الانتصار عند الانتقال إليها، وإن كان الانتقال صعباً الآن نظراً لتوقف الأعمال فيها بسبب العجز في السيولة المالية، ثم صعوبة تعديله للدستور، فليس خافياً على أحد أن الأمور بالنسبة له تزداد سوءاً مع مرور الأعوام؛ من حيث اتساع الغضب إلى مساحات لم يكن من المتوقع الوصول إليها.

ومع هذه الحاجة لتعديل الدستور، فإن التعامل معه على أنه "المقدس" بكل نصوصه إنما يمثل عدم إدراك هذا ممن يديرون الفرقة الموسيقية من وراء حجاب، أو الملقن إذا اعتمدنا مفردات المسرح!
هذا التشدد الذي ذكرنا بالعهد البائد الذي كان يتعامل مع الدستور على أنه مقدس كله، ويعد من أعمال الخيانة وعدم الوطنية الدعوة لتعديله، إنما يمكن تفهمه في إطار ما ذكره الثلاثي إياه، وبدا لافتا وهم يعزفون لحن دستور 2014!

وهذا التشدد الذي ذكرنا بالعهد البائد الذي كان يتعامل مع الدستور على أنه مقدس كله، ويعد من أعمال الخيانة وعدم الوطنية الدعوة لتعديله، إنما يمكن تفهمه في إطار ما ذكره الثلاثي إياه، وبدا لافتا وهم يعزفون لحن دستور 2014!

أهل البيت:

الأصل أن الثلاثي مدعو وليس صاحب دعوة، فحمدين صباحي تعرض للإهانة المعنوية عندما سمحوا للأصوات الباطلة أن تتفوق على الأصوات التي حصل عليها، ثم قرروا له شبه إقامة جبرية، يحظر عليه القيام بأي عمل سياسي، أو ظهور إعلامي، إلا بطلب منهم، ومن مهرجان افتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة، إلى المهرجان الأخير الخاص بالدعوة للحوار الوطني. أما خالد داود فقد كانت إهانته مادية عندما تم اعتقاله وتعرض للاعتداء المهين في محبسه، كما لو كان لصاً أمسكوا به في سوق المواشي، وقد كانت المفاجأة في هذا التمدد الذي جعله يبدو كما لو كان شريكاً في الحكم وشريكاً في الدعوة للحوار الوطني؛ فيشترط على الإخوان تأييد دستور 2014!

والذي زاد وغطى هو موقف عمرو حمزاوي؛ ذلك بأنه عندما تلقى الدعوة لحضور الحوار الوطني، لم يطلب منه الإقرار بدستور البلاد، وهو من كان قد سمى الأشياء بأسمائها، وسمى ما جرى في 3 تموز/ يوليو 2013 انقلاباً عسكرياً كامل الأوصاف، ومع هذا فقد كان من دعوه أكرم منه فلم يطلبوا منه الإقرار بشرعية السيسي أو الإقرار بدستور 2014، لأن قبوله للدعوة يعني قبوله بهذا كله. لكنه بمجرد وصوله لمصر صار يتحدث وكأنه من أهل البيت، فيطلب من الإخوان الإقرار بدستور 2014، الذي لم يكن عضواً في اللجنة التي وضعته، ولم يكن من الناخبين الذين ذهبوا للجان ليقول نعم، أو لا! وقد تعرض عمرو حمزاوي للتغييب القسري خارج بلده بسبب موقفه هذا، الأمر الذي اعتبره كثيرون جزاء وفاقا على مشاركته في إثم 30 يونيو التي قادت إلى بيان الانقلاب العسكري في 3 تموز/ يوليو!

وإذا كنا نقول إن محمود السيسي لو كان هو من يقود جماعة الإخوان بعد فض رابعة وأخواتها لصالح حكم والده، فلم يكن قد وصل إلى هذه النتيجة المرضية، من حيث إرهاق المتظاهرين، وتعريضهم للخطر، ثم طي الملف تماماً على مدى سبع سنوات كاملة لا تسمع لهم فيها ركزا، فإن الصحيح أيضاً القول إن السيسي لو كان من الإخوان وقد بايع على المنشط والمكره، وظل وفياً لبيعته إلى الآن، فلم يكن قد انتقم للرئيس محمد مرسي من خصومه كما فعل مع حمدين وإخوانه. وحمدين كان يحلم بالرئاسة الآن وحالاً وكأنها جرعة كوكايين حان موعدها، الأمر الذي نتج عنه أنه شارك في الانقلاب بكل قوة وبدون هوادة، وانتهى به المطاف لأن تكون أعظم أمانيه أن يدعوه السيسي إلى أي محفل، في انتظار أن يمن عليه بنظرة!

لقد انتحل الضيوف الثلاثة صفة صاحب الدعوة، وتصرفوا على أنهم "أصحاب الليلة"، ومن ثم ذهبوا يضعون التسليم بدستور 2014 كشرط لأن يشملوا الإخوان بالدعوة، كما لو كان هذا الدستور فيه حمدين، أو أي من عضوي فرقة "العازفون الثلاثة"!
انتحل الضيوف الثلاثة صفة صاحب الدعوة، وتصرفوا على أنهم "أصحاب الليلة"، ومن ثم ذهبوا يضعون التسليم بدستور 2014 كشرط لأن يشملوا الإخوان بالدعوة، كما لو كان هذا الدستور فيه حمدين، أو أي من عضوي فرقة "العازفون الثلاثة"!

استبعاد السيسي:

ولو دققوا في النوتة الموسيقية لأدركوا أنهم بهذه الدعوة يقصدون استبعاد السيسي نفسه من الحوار الوطني، وهو صاحب أكبر وصف مثّل استهزاء بهذا الدستور، عندما قال إنه وُضع بنوايا حسنة، بما يفهم لدى المصريين من الوصف بحسن النية، وهو وصف لا يؤخذ بظاهره، ولكن بدلالة استخدام أهل مصر له!

ومن يسلم بدستور 2014، فسوف يقر على الفور بعدم شرعية السيسي، لأنه بمقتضى نصوصه فقد انتهت ولايته قبل ثلاثة أسابيع، بعد أن قضى دورتين في موقعه (راجع في هذا المادة 140 منه)، كما أنه هو وليس أحداً غيره من ضرب بالدستور عرض الحائط وطوله، عندما وقع اتفاقية المبادئ الخاصة بسد النهضة، ليس فقط لنص المادة (44) التي تلزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، ولكن أيضاً لنص المادة (151) التي تقيد حقه في توقيع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، حيث لا يجوز إبرام أي معاهدة تخالف أحكام الدستور، ولا تصبح الاتفاقيات والمعاهدات الدولية نافذة إلا بعد موافقة مجلس النواب، الأمر الذي يجعل من اتفاق المبادئ اتفاقاً مبدئياً لا قيمة له بمقتضى دستور 2014!

وهي المادة ذاتها التي نصت على عدم التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة، وهو الإقليم الذي وضع الدستور في وجوده، ومن هنا يكون التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير مخالفاً لهذا الدستور. ولا يمكن التسليم بأنه كان يرى أن الجزيرتين "أمانة" لدى مصر، فقد كان الأمر يستوجب التأكيد على وضع الجزيرتين في هذه المادة الدستورية، وقد نصت المادة الأولى من الدستور أن جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، "موحدة لا تقبل التجزئة ولا ينزل عن شيء منها".

ودستور 2014 نص على عدم توقيع عقوبة سالبة للحريات في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر والعلانية، ومع هذا فإن المئات في السجون الآن في قضايا خاصة بالنشر، والاستثناء الذي وضعه النص الدستوري خاص بالجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد. والجريمة الأخيرة هي اختصاص الأذرع الإعلامية للسيسي، فهم من يخوضون في الأعراض، وينتهكون حرمة الحياة الخاصة المصونة بنص هذا الدستور!

وهذا الدستور هو الذي نص على حرمة الملكية الخاصة، وأن الجنسية حق، وكفالة حرية التنقل والإقامة والهجرة، والحق في التعليم وأن الدولة ملزمة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4 في المئة من الناتج القومي الإجمالي، وهي الحقوق التي تم إهدارها، بل إن الباب الثالث الخاص بالحقوق والحريات والواجبات العامة تم إهداره بالكامل، وهو الذي جرم التعذيب والاعتقال القسري، وأكد على حرمة البيوت، وحرمة الأشخاص، وألزم بوضع قانون لتنظيم الحبس الاحتياطي ومدته وأسبابه، واستحقاق التعويض الذي تلتزم به الدولة عن الحبس الاحتياطي وعن تنفيذ عقوبة الحبس عموماً إذا صدر حكم بات بإلغائها.
السيسي هو من أهدر الاحترام الواجب للدستور، عندما أدخل عليه تعديلات في 2019 بالمخالفة لنص المادة 226 بعدم تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية

إن السيسي هو من أهدر الاحترام الواجب للدستور، عندما أدخل عليه تعديلات في 2019 بالمخالفة لنص المادة 226 بعدم تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية.

ولم تطلب فرقة "العازفون الثلاثة" أن يشمل تأييد دستور 2014 تأييد تعديلات 2019، وإن كان الإيمان الحقيقي بقيمة هذا الدستور يستدعي الدعوة لاحترامه من قبل السلطة، والتنديد بإهدار أحكامه من جانب السيسي، لكنه العبث من جانب من ينتحلون صفة الداعي!

إن الاحترام لدستور 2014 كان يحتم رد الاعتبار للجنة التي وضعته، بأن تتولى مهمة اللجنة التنسيقية للحوار الوطني، وإذا كان صاحب الدعوة قد تعالى على المدعوين، فما كان ينبغي أن يترك أمر استضافتهم لخدم المنزل، فيعتقدون لعدم وجوده أن هناك فراغاً يستغلونه في ادعاء ملكية العقار، وتحديد من يحق له دخوله في وجودهم. فقد كان من المنطق أن تكلف بالمهمة هذه اللجنة، أو أن يجري الحوار الوطني برئاسة عمرو موسى، رئيس اللجنة التي وضعت دستور 2014، وليس بأن يقع العطاء على موظف لدى الحكومة دعا أصدقاءه للحضور، فادعوا ملكيتهم للحوار باعتبار أن حيازة المنقول سند الملكية!

في انتظار أن ينفض المولد وسحب النوتة الموسيقية، ليعود الجميع إلى مواقعهم!

 

twitter.com/selimazouz1