سياسة عربية

ما تأثير تجدد العنف القبلي في دارفور على مباحثات "الاتفاق السياسي" بالسودان؟

لم تنجح الأطراف المدنية والعسكرية في الوصول إلى حل حول قضية الدمج في دارفور- سونا
شهدت ولاية غرب دارفور في السودان اشتباكات قبلية، وجاءت أحداث العنف هذه عقب مقتل شخصين من قبيلتين على أيدي مسلحين مجهولين، وجرت المواجهات المسلحة في الأحياء الشرقية لمدينة الجنينة في الولاية.


وتأتي موجة العنف هذه في الوقت الذي مازالت فيه القوى السياسية والمكون العسكري "القوات المسلحة وقوات الدعم السريع"، بدون اتفاق على موعد جديد لتوقيع الاتفاق السياسي النهائي.

وكان من المفترض توقيع الاتفاق في الأول من نيسان/ أبريل الجاري، إلا أنه تم تأجيله بسبب عدم التوافق على توقيت وآلية عملية دمج قوات الدعم السريع بالجيش، ولذا تم تأجيل التوقيع إلى السادس من الشهر نفسه، ومع ذلك فإنه لم يتم التوقيع في الموعد الجديد بسبب ذات القضية.

"تأثير محدود"

وإلى الآن لم تنجح الأطراف، القوى المدنية والعسكرية، في الوصول إلى حل في ما يتعلق بقضية الدمج.

يرى المحلل السياسي والكاتب الصحفي السوداني، ياسر محجوب الحسين، أن "تأثير العنف القبلي على مسار مباحثات الاتفاق السياسي النهائي محدود، ما لم يرتبط بتدخلات مباشرة من قادة قوات الدعم السريع وبقية الحركات المسلحة على اختلاف توجهاتهم ومصالحهم التي قد تتضارب على الأرض، فالاشتباكات القبلية ظلت ديدن الواقع الأليم في دارفور منذ نحو عقدين من الزمان".

وتابع محجوب في حديث خاص لـ"عربي21": "لكن بشكل عام لا يبدو أن الحركات راغبة في الصراع المسلح فيما بينها فهي منهكة وقادتها يسعون لتحقيق طموحات سياسية في المركز الخرطوم، وحتى قادة قوات الدعم السريع فإنهم مشغولون كذلك بما يجري في العاصمة".

وأكد أنه "لو اهتم القادة العسكريون في الدعم السريع والحركات المسلحة بأمر إقليم دارفور بعد سقوط النظام السابق، لاستقرت أوضاعه، خاصة أن اللوم كان دائما يقع على النظام السابق في مسألة تفاقم الأزمة".

وأوضح أن "الكرة اليوم في ملعب قوات الدعم السريع والحركات المسلحة لإحداث اختراق في هذه الأزمة، وقد أتاحت اتفاقية سلام جوبا الموقعة في تشرين أول/ أكتوبر 2020 تعيين حاكم لدارفور، وهو زعيم كبرى الحركات المسلحة، وكان من المأمول أن يسهم بالفعل في وضع نهاية لأزمة دارفور، وعلى ما يبدو فإن حالة من الانفصام تتجلى بين ما يدور في الولاية من قتال متجدد وبين ما يدور في الخرطوم من صراع سياسي حول السيطرة على كراسي الحكم".

وأكد أن "الصراع في دارفور وفي بقاع سودانية أخرى يعمق الأزمة بكل تأكيد، وهو يتجاوز صراع الكراسي ضمن الفترة الانتقالية فهو أعم وأشمل، ولكن برأيي ليس هناك ثمة ارتباط مباشر بينها وبين محاولات توقيع الاتفاق السياسي النهائي".

وأضاف: "أما الخلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني فهو مرتبط بصراع الفترة الانتقالية وليس مرتبطا مباشرة بالصراع في دارفور، فلكل خلفيات ومسببات مختلفة".

صراع بين رأسي المكون العسكري


الخبيرة السياسية والمديرة المؤسسية لمركز "Confluence Advisory" للأبحاث، خلود خير، أكدت أن "العنف تصاعد في دارفور وأماكن أخرى في السودان بشكل حاد منذ الانقلاب، وذلك لأن الانقلابيين لم يتمكنوا من ترسيخ انقلابهم".

وأوضحت خير خلال حديثها لـ"عربي21، أن "المقاومة التي واجهها الانقلابيون ساهمت في عدم ترسيخ انقلابهم، وللتخفيف من حدة هذه المقاومة، فقد أجرى الانقلابيون تحالفات مع فصائل قوى الحرية والتغيير من أجل ترسيخ الانقلاب وفق رؤيتين مختلفتين: رؤية الإسلاميين والبرهان ورؤية قوات الدعم السريع".

وأضافت: "مع ذلك، فإن الحقيقة البديهية، وهي أن الانقلاب لا يمكن أن يخدم مصالح السيدين (البرهان وحميدتي) في ذات الوقت، تعني أننا نرى منافسة شديدة بين الاثنين، وقد عجلت المناقشات حول إصلاح قطاع الأمن في ذلك".

وأكدت أن "المنافسة الشديدة والمواجهة المحتملة بين معسكري البرهان وحميدتي تتجلى في دارفور، حيث إن لكل منهما جنود وحلفاء ومصالح، وكلاهما يريد التجنيد من دارفور واستخدام الوضع الأمني غير المستقر لضرب حلفاء الآخر".

وتابعت: "تقع دارفور أيضًا على حدود ليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهي عبارة عن هلال شاسع حيث تشارك كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع مع الحلفاء وهي قادرة على دعوة هؤلاء لدعم صراعهم".

ولفتت إلى أن "الجماعات المتمردة التي وقعت اتفاق جوبا للسلام لم تعد قادرة على شن هجمات عسكرية خطيرة، وهذا هو السبب الرئيسي لتوقيعها على الاتفاق، وأصبحوا إضافة لممثلي الأحزاب السياسية في الخرطوم، يعتمدون على الجنرالات الذين سعوا للحصول على دعمهم منذ العام الماضي، فهم غير قادرين على التخفيف من حدة الصراع المركزي بين الجنرالات وإيجاد حلول للمأزق الذي أوجده هذا الصراع".

وأكدت الخبيرة السياسية السودانية خلود خير أن "الصراع بين البرهان والإسلاميين من جهة وحميدتي من جهة أخرى هو الصراع الحقيقي، منذ سقوط نظام البشير، ولكن الاتفاق الإطاري من خلال الترويج لحميدتي أعاد القضية إلى الواجهة مرة أخرى".

وترى خير أنه "لا يوجد سوى عدد قليل من الطرق التي يمكن من خلالها حل هذا المأزق ولا يوجد فيها طريق مثالي، بمعنى أنه: إما أن يستمر الطرفان في التوترات الحالية التي قد تؤدي إلى مزيد من المواجهات المسلحة بينهما ربما في الخرطوم، أو أنه سيقبل أحد الطرفين أو كلاهما موقفًا غير مريح وغير ملائم له مقابل تنازلات كبيرة في ما يتعلق بمصالحهما المالية والأمنية في كل من السودان وعلى الصعيد الدولي، وبرأيي فإنه لا يعتبر أي من الخيارين جيدًا لاحتمالات التحول الديمقراطي".

يُذكر أنه وُجهت اتهامات لقوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بأنهم مسؤولون عن جرائم حرب ضد المدنيين في إقليم دارفور خلال فترة الحرب هناك، والتي بدأت في عام 2003.