سياسة دولية

ما مستقبل العمليات الخارجية لـ"فاغنر" في أفريقيا وسوريا؟

تنشط فاغنر في ليبيا إلى جانب حفتر- تويتر
تثار التساؤلات حول مستقبل العمليات الخارجية  لمجموعة "فاغنر"، التي نشطت في أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك بعد التمرد على موسكو بسبب خلافات مع وزارة الدفاع الروسية.

ومنذ 2018، نسجت المجموعة شبه العسكرية شبكة واسعة ومعقدة من العلاقات والأنشطة في أفريقيا، من السودان إلى أفريقيا الوسطى مرورا بمالي وليبيا. 

وفي أفريقيا الوسطى، يدعم نحو ألفي "مدرب" تابعين للمجموعة القوات الحكومية في الحرب الأهلية المستمرة هناك منذ أكثر من 10 سنوات.

أما في ليبيا، فقد أشارت تقارير عدة إلى وجود أكثر من 1500 مقاتل تابعين للمجموعة هناك، وضعف هذا العدد في مالي، التي تشهد تدهورا أمنيا كبيرا في مناطقها الشمالية. إضافة إلى هذه البلدان، ينتشر الآلاف من مقاتلي فاغنر في عدد من بلدان غرب وشرق أفريقيا. 

وعقب عملية التمرد الفاشلة، أرادت موسكو أن تبعث برسائل مطمئنة إلى حلفائها الأفارقة، مؤكدة أن "أحداث" نهاية الأسبوع الماضي لن تغير شيئا في أنشطة المجموعة في القارة، بحسب قناة "فرانسا 24"

وخلال مقابلة مع قناة "روسيا اليوم"، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن أعضاء فاغنر يعملون في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى "كمدربين. هذا العمل سيستمر بالطبع".

كما اعتبر سيرغي لافروف أن التمرد المسلح لزعيم فاغنر، يفغيني بريغوجين، لن يغير شيئا في علاقات روسيا مع حلفائها.. لكن هل أدت هذه التطمينات إلى تهدئة مخاوف الدول التي تنتشر فيها تلك المجموعة؟

في مالي 
تنخرط دولة مالي اليوم في شراكة مزدوجة مع الدولة الروسية من جهة ومجموعة فاغنر من جهة أخرى. حتى الآن لم يحصل أي تغير في أداء المجموعة هناك، لكن هذا قد يتغير سريعا مع تبدل العلاقة بين الطرفين، وفقا للمحامي والخبير السياسي عمر بيرتي خلال حديثه مع إذاعة "فرنسا الدولية" (RFI). 

تتواجد المجموعة شبه العسكرية في مالي منذ عام 2021، حيث أقامت علاقات وثيقة مع المجلس العسكري الحاكم، وشاركت في تدريب الجنود، وكذلك في عمليات محاربة الجماعات الإرهابية. 
أفريقيا الوسطى 

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن فيديل جوانجيكا، الوزير المستشار الخاص لرئيس أفريقيا الوسطى، تأكيده أن روسيا ستواصل العمل في الجمهورية، مع فاغنر أو من دونها. وأورد المستشار: "وقعت جمهورية أفريقيا الوسطى (عام 2018) اتفاقية دفاعية مع الاتحاد الروسي، وليس مع فاغنر. لزّمت روسيا الاتفاقية لمجموعة فاغنر، وإذا ارتأت فسوف يرسلون لنا وحدة جديدة". 

وتعتبر جمهورية أفريقيا الوسطى إحدى الأولويات السياسية لروسيا في القارة، وقد اعتمدت على المليشيات الروسية (فاغنر) لتطبيق مصالحها هناك، حيث يقوم رجال فاغنر بالعمل على حماية الرئيس فوستين أرشانج تواديرا. 

في أفريقيا، تم التعرف على رجال بريجوجين أيضًا في ليبيا أو السودان أو موزمبيق. منذ وصول فاغنر إلى أفريقيا، اتهمت المجموعة شبه العسكرية بانتظام من قبل الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية وباريس بارتكاب انتهاكات وجرائم ضد المدنيين. 

السودان 
في السودان، مكنت الشراكة بين فاغنر وقوات الدعم السريع بقيادة الرجل الثاني في المجلس العسكري الجنرال محمد حمدان دقلو، المليشيا من الدخول إلى عالم الاتجار غير المشروع بالذهب، وإيجاد الطرق المناسبة لوصول المعدن الثمين إلى روسيا، التي سعت إلى رفع احتياطياتها من الذهب للتحايل على العقوبات الغربية.

بالنسبة لنياغالي باجايوكو، رئيس مركز أبحاث شبكة قطاع الأمن الأفريقي، في حديث لقناة فرنسا 24، فقال: "فاغنر كيان يدافع عن المصالح الخاصة، وحتى الإجرامية، ويعزز مصالح الدولة الروسية. وهما مرتبطان ارتباطا وثيقا". 

ليبيا 
رصدت وحدات فاغنر في ليبيا لأول مرة في خريف 2019، عندما انضموا إلى صفوف خليفة حفتر في هجومه للسيطرة على طرابلس، حيث أحدثت خبرتهم في القتال فرقا ميدانيا، وبمساعدتهم تمكنت قوات حفتر من التقدم إلى بعض الضواحي الجنوبية لطرابلس، قبل أن تتم هزيمتها. 

ولطالما أنكرت روسيا أي وجود عسكري روسي في ليبيا، إلى أن أقر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال تصريحات صحفية في أيار/ مايو 2022 بوجود فاغنر هناك "على أساس تجاري"، كشركة أمنية خاصة لديها عقود مع السلطات في طبرق (مجلس النواب). 

وبرز ملف فاغنر في ليبيا مؤخرا بشكل بارز عقب اندلاع المواجهات المسلحة في السودان، والمخاوف من انتقالها إلى الجنوب الليبي كونه مجالا متصلا بالسودان جغرافيا، ولوجود فاغنر وغيرها من حركات التمرد السودانية. 

ورأى متخصصون أن ملف فاغنر في أفريقيا لن يتأثر بمحاولة التمرد الفاشلة في روسيا. فوفقا لتييري فيركولون، الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إفري) والمتخصص في الشأن الأفريقي، "نشأت التوترات مع الكرملين على الجبهة الأوكرانية وليس في أفريقيا، حيث على العكس من ذلك، هناك توافق بين مصالح فاغنر والدولة الروسية". 

وأضاف فيركولون: "تعتبر المجموعة شبه العسكرية رصيدا استراتيجيا لروسيا، وسيكون من غير المناسب مقاطعة أنشطتها في وقت كانت فيه إحدى الأدوات الرئيسية لدبلوماسيتها".

وماذا عن سوريا؟
تنتشر مجموعات فاغنر في سوريا منذ 2015، ويتمركز وجودها حول حقول النفط في دير الزور. وكان أول ظهور قوي لوجودها هناك حين ساندت الجيش السوري في معركة مدينة تدمر ضد "تنظيم الدولة" في 2016.

دور المجموعة لم ينته هنا، بل عادت وشاركت مع قوات النظام في معارك عدة، منها معركة تدمر عام 2017. 

يذكر أن فاغنر تعرضت لخسائر بشرية ثقيلة خلال المعارك في سوريا، أهمها عام 2018، مع تعرض أفرادها للقصف من قبل القوات الأمريكية في دير الزور. إذ نفذت فاغنر (مجموعة من نحو 600 مقاتل) هجوما ضد قوات كردية مدعومة من الولايات المتحدة في دير الزور، للاستيلاء على مصفاة نفطية. تواصلت القوات الأمريكية مع نظيرتها الروسية في حينه للطلب منها سحب قواتها، إلا أن الأخيرة أنكرت معرفتها بالهجوم.

على الإثر، قامت القوات الأمريكية بهجوم جوي على قوات فاغنر، أدى إلى مقتل ما يقارب 200 عنصر. ونفت القيادة الروسية في حينه علاقتها بهذه المجموعة أو معرفتها بمخططاتها، ليتبين لاحقا أن الهجوم كان بدعم من بريغوجين الذي كان يطمح للسيطرة على مصفاة النفط لهدف تجاري، وكاد أن يتسبب بأزمة روسية - أمريكية. 

خسائر فاغنر في ذلك الهجوم كانت بداية الخلافات المعلنة بين بريغوجين ووزارة الدفاع الروسية، إذ اتهم زعيم المجموعة المسلحة الوزارة برفض مساعدة مقاتليه. 

موسكو تستعيد السيطرة على فاغنر
وفقا لتييري فيركولون، فإن "فاغنر صنيعة جهاز المخابرات العسكرية الروسية (GRU) والكرملين، واستفادت من الدعم اللوجستي والسياسي والمالي للدولة الروسية".

وتابع: "طرد فاغنر لا يبدو خيارا اليوم، لكن إعادة تقويم أنشطتها تبدو حتمية. يمكن تصور عدة سيناريوهات خاصة بتقسيم عمل المجموعة في الداخل والخارج. إذا بقي بريغوجين ضمن المشهد السياسي العام، يمكن للمرء أن يتخيل أنه سيكون مسؤولا فقط عن العمليات الخارجية، وتم إبعاده عن مسرح العمليات في الجبهة الداخلية، أي في أوكرانيا".

ويستطرد فيركولون: "احتمال آخر: استيعاب وزارة الدفاع الروسية لفاغنر، بعد أن أعلنت مؤخرا رغبتها في توقيع عقود مع جميع المليشيات الخاصة، طريقة لاستعادة السيطرة على أنشطة المليشيا في أفريقيا". 

وفي آخر رسالة له، خرج يفغيني بريغوجين عن صمته الاثنين، في رسالة صوتية، قائلا إنه لم يقصد أبدا الإطاحة بالسلطة، دون أن يكشف عن مكان تواجده، قبل الإعلان عن وصوله إلى بيلاروسيا.