قضايا وآراء

السيسي إذ يبحث عن تفويض جديد لاستمراره!

يسابق السيسي الزمن لتحقيق أي حالة نجاح قبل الانتخابات- جيتي
بعد ثلاثة أسابيع من انقلابه على الرئيس المدني دعا السيسي في 24 تموز/ يوليو 2013 (أي منذ عشر سنوات بالتمام) أنصاره إلى النزول في مظاهرات يوم الجمعة التالي (26 تموز/ يوليو) لمنحه تفويضا لمواجهة ما وصفه بالإرهاب، الذي كان يقصد به التحركات المناهضة للانقلاب، من مظاهرات واعتصامات وإضرابات.. الخ. لم يكن السيسي في حقيقة الأمر بحاجة فعلية إلى ذلك التفويض، ولكنه كان يستبطن في قرارة نفسه أنه مقدم على تنفيذ مجازر بحق المعارضين، ولا يريد أن يتحمل مسئوليتها بمفرده، بل يريد إشراك أنصاره الذين فوضوه معه. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل إنه استغل ذلك التفويض مع المظاهرات السابقة للانقلاب والتي دعت الجيش للإطاحة بحكم الرئيس مرسي لتوجيه اللوم إلى هؤلاء المفوضين والمتظاهرين حين تصاعدت المعارضة ضده، ورد عليهم السيسي بأنكم من طلبتموني ومن دفعتموني إلى هذا المكان، وهذا يعني أن عليهم أن يحتملوا كل قراراته وسياساته التي قصمت ظهورهم.

مع الاستعدادات لانتخابات قد تجري قبل نهاية العام الحالي، وزيادة التدهور في شعبية السيسي وانفضاض قطاعات أخرى من أنصاره، بدا الخوف جليا عليه وعلى أذرعه، وظهر ذلك في التعامل الخشن مع كل من يظنونه مرشحا محتملا جادا
رغم أن السيسي خاض انتخابات شكلية في 2014، إلا أنه ظل متدثرا بذلك التفويض كأساس لحكمه القمعي، وكلما تصاعدت الأزمات بفعل سياساته فإنه يتوجه بالحديث إلى من فوضوه "هل ستتركوني وحدي"، ومع مضي الوقت تآكلت شعبية السيسي التي كانت تجمع كل معارضي الإخوان والإسلام السياسي عموما، ومعارضي ثورة يناير من رجال نظام مبارك، ومعهم الكنيسة المصرية بفروعها المختلفة، بدأ ذلك التصدع بشكل قوي بعد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وتوقيع اتفاق مبادئ سد النهضة، حيث تسبب ذلك في إفاقة قوى ليبرالية ويسارية من المحسوبين أساسا على ثورة يناير، ثم تبعتهم قطاعات أخرى بمن فيها أنصار نظام مبارك؛ بعد تفاقم المشكلات الاقتصادية وتصاعد حجم المديونيات الخارجية. وظهر ذلك في انتخابات 2018 حيث تجرأ على الترشح في مواجهته قيادتان عسكريتان هما الفريق سامي عنان، رئيس الأركان السابق، والفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء السابق، لكن السيسي لم يحتمل وجود منافسة انتخابية حقيقية يدرك جيدا أن نتائجها لن تكون في صالحه بعد تدهور شعبيته؛ فعمد إلى اعتقال الأول وتحديد إقامة الثاني، مع حبس بعض قادة حملتيهما المفترضتين.

ومع الاستعدادات لانتخابات قد تجري قبل نهاية العام الحالي، وزيادة التدهور في شعبية السيسي وانفضاض قطاعات أخرى من أنصاره، بدا الخوف جليا عليه وعلى أذرعه، وظهر ذلك في التعامل الخشن مع كل من يظنونه مرشحا محتملا جادا، مثل البرلماني السابق أحمد طنطاوي الذي اعتقلت السلطات عمه وخاله وعدد من أنصاره عقب إعلان نيته الترشح، ولا تزال الملاحقة مستمرة لأنصاره، ومنعه من عقد لقاءات انتخابية، كما تشتبك الأذرع الإعلامية في الوقت الحالي مع جمال مبارك، نجل الرئيس الأسبق، مظنة أنه يعتزم ترشيح نفسه رغم العائق القانوني (القانون الحالي يمنع ترشح من سبقت إدانته في جريمة مخلة بالشرف حتى لو رُد إليه اعتباره)، وكذا مع عمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة العربية، بسبب وجود احتمالات لترشحه أيضا، ناهيك عن قطع الطريق على المرشح العسكري المحتمل محمود حجازي، رئيس أركان القوات المسلحة السابق، الذي رفض المجلس العسكري منحه موافقة على الترشح.

وفي مواجهة هذه المخاوف تفتقت قريحة بعض أنصار السيسي من الرتب العسكرية الوسيطة عن فكرة تفويض جديد له بدورة ثالثة، كشف هذه المعلومة الصحفي والروائي بلال فضل مستندا إلى تسريبات مكتوبة ومنطوقة لبعض أولئك الضباط في مجموعات الكترونية مغلقة (شباب البرنامج الرئاسي)، يتحدثون فيها عن ضرورة التحرك السريع لتفويض السيسي لفترة ثالثة، وكذا تفويضه بتأسيس مجلس أعلى للتخطيط والإدارة برئاسته كسلطة سيادية عليا مستقلة تعلو السلطة التنفيذية، على أن تتم طباعة هذا التفويض المعنون "وثيقة صوت مصر" وتوزيعها شعبيا للحصول على توقيعات ملايين المصريين، استلهاما عكسيا لحركة تمرد (وثيقة تمرد كانت لسحب الثقة من الرئيس مرسي، أما هذه الوثيقة فهي لتجديد الثقة بالسيسي، لكن كليهما يعتمد على توقيعات شعبية وليس صناديق انتخابية).
محاولات إنقاذ السيسي تتواصل زمانا، وتتعدد نوعا ومكانا، وحتى الآن تبدو كل الخيارات صعبة، فالسيسي يسابق الزمن لتحقيق أي حالة نجاح قبل الانتخابات سواء سياسية أو اقتصادية، ولكنه يتعثر المرة تلو المرة، تتراكم المديونيات الخارجية لتتجاوز 165 مليار دولار، وتتزايد حالات الغضب الداخلي، كما تتزايد حالات الغضب الإقليمي والدولي ضده بعد أن أنفق عليه حلفاؤه الإقليميون والدوليون المليارات بلا فائدة، ويتزايد الشعور في بعض دوائر الحكم ذاتها باستمرار تردي الأوضاع، وضياع هيبة مصر وكرامتها

يمتلك 65 مليون مصري تقريبا حق التصويت، ولذلك فإن تفويضا حقيقيا يقتضي موافقة أكثر من نصف هذا العدد أي بحدود 33 مليون مواطن، وهو رقم خيالي بالتأكيد. ربما يتعامل المشاركون في تلك المجموعات الرئاسية أنهم يمكنهم خداع الشعب كما خدعوه في استمارات تمرد لسحب الثقة من الرئيس مرسي، والتي ادعوا كذبا أنها جمعت أكثر من 14 مليون توقيع؛ متجاوزة العدد الذي صوت للرئيس مرسي في الانتخابات الرئاسية في 2012، لكن الأوضاع مختلفة الآن، وفي ظل تصاعد الغضب الشعبي ضد السيسي فلن يصدق أحد شيئا، وسينقلب ذلك السحر على الساحر، وعلى الأغلب قد تتدخل بعض الجهات لمنع هذه المسرحية قبل بدئها تجنبا للإحراج المتوقع منها خاصة بعد افتضاح أمرها.

محاولات إنقاذ السيسي تتواصل زمانا، وتتعدد نوعا ومكانا، وحتى الآن تبدو كل الخيارات صعبة، فالسيسي يسابق الزمن لتحقيق أي حالة نجاح قبل الانتخابات سواء سياسية أو اقتصادية، ولكنه يتعثر المرة تلو المرة، تتراكم المديونيات الخارجية لتتجاوز 165 مليار دولار، وتتزايد حالات الغضب الداخلي، كما تتزايد حالات الغضب الإقليمي والدولي ضده بعد أن أنفق عليه حلفاؤه الإقليميون والدوليون المليارات بلا فائدة، ويتزايد الشعور في بعض دوائر الحكم ذاتها باستمرار تردي الأوضاع، وضياع هيبة مصر وكرامتها. لكن كل ذلك لم يُقنع السيسي حتى الآن بالتراجع عن الترشيح لدورة جديدة، فالرجل يعرف أن أمنه الشخصي والعائلي هو في استمراره في السلطة مهما كلف ذلك من ثمن للوطن وللشعب، ولذلك فإنه وعبر أذرعه المختلفة يهاجم بشراسة أي مرشح يمثل قدرا ولو قليلا من الخطورة عليه، ويسمح فقط لمن يقبلون بدور "الكومبارسات".

تختلف النظرة إلى ما يحدث في مصر من حراك سياسي في الوقت الحالي، حيث يعتبره البعض مجرد حمل كاذب، وجري في المحل، ومحض حركات بهلوانية لا تنتج فعلا حقيقيا، بينما يراه آخرون بداية متدرجة لحراك سيتصاعد تدريجيا خلال الأيام المقبلة مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، وأن بعض الجهات الداخلية أو الإقليمية أو حتى الدولية قد تتخذ من هذا الحراك غطاء لإقصاء السيسي، وإن كنت شخصيا أثق بأن السيسي لن يترك كرسي الحكم إلا بقوة جبرية وليس عبر انتخابات صورية.

twitter.com/kotbelaraby