كتاب عربي 21

لماذا تراجع إمام أوغلو عن منافسة كليتشدار أوغلو؟

لم يتخلّ إمام أوغلو عن حلمه ومساعي الإطاحة بكليتشدار أوغلو- الأناضول
خرج رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بتصريحات ألمح فيها لاستعداده لتولي رئاسة حزب الشعب الجمهوري، إلا أنه تراجع فيما بعد عن منافسة كمال كليتشدار أوغلو، ليعلن أنه سيترشح لرئاسة بلدية إسطنبول لفترة أخرى في الانتخابات المحلية القادمة المتوقع إجراؤها في آذار/ مارس ٢٠٢٤.

إمام أوغلو كان يجهز نفسه للترشح للانتخابات الرئاسية منذ فوزه في الانتخابات المحلية وتوليه رئاسة بلدية إسطنبول في ٢٠١٩، ولكن كليتشدار أوغلو لم يسمح له بتحقيق حلمه، على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها رئيسة الحزب الجيد، ميرال أكشينار، وأطراف أخرى لترشيح إمام أوغلو، وخاض هو نفسه الانتخابات الرئاسية كمرشح لتحالف الطاولة السداسية المعارض، إلا أنه خسر السباق الديمقراطي أمام منافسه، رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. وحينئذ رأى إمام أوغلو أن الوقت قد حان لإزاحة كليتشدار أوغلو الخاسر عن رئاسة حزب الشعب الجمهوري، ليتربع عليها هو نفسه، ولكنه أدرك فيما بعد أنه أخطأ في حساباته.

لماذا تراجع إمام أوغلو عن منافسة كليتشدار أوغلو على رئاسة حزب الشعب الجمهوري، على الرغم من إطلاق تصريحات أبدى فيها رغبته الشديدة في تولي ذاك المنصب، بالإضافة إلى تشديده على أن قيادة الحزب بحاجة ماسة إلى تغيير جذري من الأعلى إلى الأسفل؟
لماذا تراجع إمام أوغلو عن منافسة كليتشدار أوغلو على رئاسة حزب الشعب الجمهوري، على الرغم من إطلاق تصريحات أبدى فيها رغبته الشديدة في تولي ذاك المنصب، بالإضافة إلى تشديده على أن قيادة الحزب بحاجة ماسة إلى تغيير جذري من الأعلى إلى الأسفل؟

أولا، لم يفز إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول بجهوده، بل تم تسليمها إليه بعد تهيئة الظروف. وكانت المعارضة بحاجة إلى وجه جديد، وغير معروف إلى حد ما، يمكن أن تتفق عليه الأطراف المختلفة التي تعادي أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، فوجدت ضالتها في إمام أوغلو، الشاب الباسم الذي رفع شعار "كل شيء سيكون جميلا" خلال حملته الانتخابية.

إمام أوغلو كان ينتمي في شبابه إلى حزب الوطن الأم الذي أسسه الراحل تورغوت أوزال بعد انقلاب ١٩٨٠ العسكري، وهو حزب يميني محافظ، فيما يصنف حزب الشعب الجمهوري ضمن الأحزاب اليسارية. وبالتالي، هناك من يرون في حزب الشعب الجمهوري أن إمام أوغلو غير مؤهل لرئاسة الحزب بسبب جذوره اليمينية، وأنه "يحمل معظم الصفات السيئة التي يتحلى بها السياسيون اليمينيون"، حسب قولهم، علما أن أنصار حزب الشعب الجمهوري كانوا يعادون آنذاك أوزال وحزب الوطن الأم كما يعادون اليوم أردوغان وحزب العدالة والتنمية. إضافة إلى ذلك، يثير انحياز رئيسة الحزب الجيد اليميني ميرال أكشينار إلى إمام أوغلو ضد كليتشدار أوغلو؛ علامات استفهام لدى هؤلاء حول مدى انتماء الأول إلى حزب الشعب الجمهوري.

ثانيا، أن رئيس بلدية إسطنبول لا يملك جرأة كافية تمكنه من خوض المنافسة على رئاسة حزب الشعب الجمهوري، وهو يريد أن يعمل الجميع لتعبيد الطريق أمامه وتهيئة الظروف لوصوله إلى ذاك المنصب على الأكتاف، كما وصل إلى منصب رئيس بلدية إسطنبول، ولذلك ينتظر من كليتشدار أوغلو أن يسلم رئاسة حزب الشعب الجمهوري إليه على طبق من ذهب.

لم يبق أمام إمام أوغلو غير التراجع عن منافسة كليتشدار أوغلو في الوقت الراهن، ليكتفي بما لديه من مكاسب سياسية، لأنه رأى أنه لن يتمكن من الفوز برئاسة حزب الشعب الجمهوري في حال خاض المنافسة في المؤتمر العام المرتقب، بالإضافة إلى أن كليتشدار أوغلو لن يرشحه لرئاسة بلدية إسطنبول، إن تمرد عليه، فقرر أن ينتظر دوره ليعلن ترشحه لرئاسة حزب الشعب الجمهوري في وقت مناسب
إمام أوغلو حاول أن يسيطر على رئاسة حزب الشعب الجمهوري من خلال التحالف مع عدد من أقطاب الحزب ولكنه لم ينجح، حتى أن رؤساء الحزب السابقين الذين اجتمع معهم نصحوه بأن يترشح لرئاسة بلدية إسطنبول لفترة ثانية، وألا يخوض منافسة ضد كليتشدار أوغلو. كما فكر في الانشقاق عن حزب الشعب الجمهوري ليؤسس حزبا سياسيا جديدا، إلا أنه أدرك أن حزبه سيكون فقط من تلك الأحزاب الصغيرة التي تمتلئ بها الساحة السياسية التركية.

وباختصار، لم يبق أمام إمام أوغلو غير التراجع عن منافسة كليتشدار أوغلو في الوقت الراهن، ليكتفي بما لديه من مكاسب سياسية، لأنه رأى أنه لن يتمكن من الفوز برئاسة حزب الشعب الجمهوري في حال خاض المنافسة في المؤتمر العام المرتقب، بالإضافة إلى أن كليتشدار أوغلو لن يرشحه لرئاسة بلدية إسطنبول، إن تمرد عليه، فقرر أن ينتظر دوره ليعلن ترشحه لرئاسة حزب الشعب الجمهوري في وقت مناسب.

تراجع رئيس بلدية إسطنبول عن المنافسة على رئاسة حزب الشعب الجمهوري لا يعني أن الرجل تخلى تماما عن حلمه ومساعي الإطاحة بكليتشدار أوغلو، بل ما زال يستهدفه ويشن حملة ضده من خلال إعلاميين يمولهم من ميزانية بلدية إسطنبول وأموال المقربين له. كما أن الوقت المناسب الذي ينتظره بشغف قد لا يأتي أبدا، لأن فوزه برئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات المحلية القادمة ليس مضمونا؛ فقد فشل في خدمة المدينة العريقة وسكانها، وقد يؤدي به ذلك إلى هزيمة مدوية في آذار/ مارس القادم، فتتلاشى فرصة توليه رئاسة حزب الشعب الجمهوري.

twitter.com/ismail_yasa