اقتصاد عربي

هل ينتهي عصر الغاز الوفير في مصر بعد تراجعه لأدنى مستوى في 3 سنوات؟

احتقان شعبي من تكرار انقطاع الكهرباء في المدن المصرية- جيتي


واصل إنتاج مصر من الغاز الطبيعي تراجعه وانخفض إلى 4.7 مليار قدم مكعبة يوميا في أيلول/ سبتمبر الماضي مسجلا أدنى مستوى له في 3 سنوات منذ نيسان/ أبريل 2020؛ لأسباب تتعلق بحجم الإنتاج اليومي من الحقول البحرية والبرية وفي مقدمتها حقل ظهر العملاق.

وسجل إنتاج سلسلة تراجعات متتالية حيث انخفض بنسبة 6% مقارنة بشهر آب/ أغسطس، مسجلا أدنى مستوى له منذ أبريل 2020، وفقا لقاعدة البيانات المشتركة للطاقة "جودي"، وكان قد تراجع في وقت سابق بنسبة 5% في الربع الثاني من العام الحالي وفق بيانات موقع ميدل إيست إيكونوميك سيرفاي في آب/ أغسطس الماضي

وبلغ إنتاج مصر من الغاز في الربع الثاني من العام الحالي 5.88 مليار قدم مكعبة يوميا بعد أن انخفض بمقدار 1.2 مليار قدم مكعبة بنسبة انخفاض 9% مقارنة بالرقم القياسي البالغ 7.07 مليار قدم مكعبة يوميا المسجل في الربع الثالث من عام 2021.

كان إنتاج حقل ظهر العملاق التابع لشركة إيني الإيطالية يستحوذ على نحو 38% عندما بلغ 2.76 مليار قدم مكعبة يوميا في الربع الثالث من عام 2021، لكنه تراجع حاليا إلى 2.3 مليار قدم مكعبة يوميا على خلفية "مشكلات تسرب المياه" للحقل، بحسب موقع ميدل إيست إيكونوميك سيرفاي.


ويعد حقل ظهر أحد أهم اكتشافات الغاز في مصر والذي دخل الخدمة في عام 2018 ووضعها مجددا على قائمة الدول المصدرة للغاز، وتُقدر احتياطاته بنحو 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وبلغ إجمالي الاستثمارات في الحقل وصل إلى 12 مليار دولار حتى الآن، بحسب الحكومة المصرية.

وشمل تراجع إنتاج الغاز في مصر من الحقول البرية ووصل عند أدنى مستوى له في آب/ أغسطس الماضي منذ عام 2015، حيث انخفض إنتاج الغاز في حقول دلتا النيل البرية بنسبة 5% في الربع الثاني من عام 2023 إلى 485 مليون قدم مكعبة يوميا، بتراجع قدره 18% على أساس سنوي.

وانخفض إنتاج شركة دانة غاز الإماراتية، التي تتركز جميع عملياتها في مصر في الحقول البرية بدلتا النيل، بنسبة 14% على أساس سنوي إلى 22.6 ألف برميل نفط مكافئ يوميا في الربع الثاني من عام 2023، وفق بيان الشركة؛ وذلك بسبب التراجع الطبيعي في إنتاج الحقول.

وتعول مصر الاستكشافات الجديدة في الحقول البرية والبحرية من خلال ضخ المزيد من الاستثمارات الأجنبية من أجل تعزز الإنتاج وتلبية الاحتياجات المحلية بعدما أدى ارتفاع الطلب على الكهرباء بسبب موجة الحر الشديد الصيف الماضي إلى نقص إمدادات الغاز.

وأجبر نقص إمدادات الغاز الحكومة المصرية على تطبيق خطة تخفيف الأحمال الكهربائية على مستوى البلاد، وسط احتقان شعبي من تكرار انقطاع الكهرباء وزيادة مدة انقطاعها، ولا تزال مستمرة رغم دخول فصل الشتاء وتوقفت محطات إسالة إعادة تصدير الغاز المستورد من إسرائيل إلى أوروبا حيث تطمح مصر في أن تكون مركزا إقليميا للطاقة.


وخفضت وكالة فيتش في تموز/ يوليو توقعاتها لإنتاج الغاز في مصر في عام 2023، بواقع 4 بالمئة، بعد أن توقعت في وقت سابق ارتفاعه واحدا بالمئة على أساس سنوي. وعزت الوكالة قرارها إلى انخفاض الإنتاج وارتفاع معدلات النضوب في الحقول الحالية.

فهل ينتهي عصر الغاز الوفير في مصر  بعد تراجعه لأدنى مستوى في 3 سنوات، وهل ستزيد من اعتمادها على إسرائيل من أجل توفير الغاز لإسالته في محطات الإسالة على البحر المتوسط وبذلك تربط أمنها في مجال الطاقة بجارتها اللدود؟

أهمية الغاز الإسرائيلي لمصر
يعتقد خبير اقتصاديا النفط والطاقة، الدكتور نهاد إسماعيل، إن "عصر الغاز الوفير في مصر لم ينته، إلا أنها واجهت بعض الإشكالات التقنية لفترة وجيزة وانخفض التوريد الإسرائيلي بعد اندلاع الحرب في غزة إلى 150 مليون قدم مكعب يوميا ولكنه حاليا عاد إلى 850 مليون قدم مكعب يوميا وسيرتفع قريبا بعد إعادة تشغيل خط أنابيب شرق المتوسط البحري بين البلدين".

وبشأن مدى حاجة مصر للغاز الإسرائيلي والاعتماد عليه، أوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "مصر تحتاج الغاز الإسرائيلي لتلبية الاحتياجات المحلية وتسييل ما تبقى وتصديره للخارج كغاز طبيعي مسال لأوروبا"، مشيرا إلى أن "مصر سوف تستورد المزيد من الغاز الإسرائيلي وهناك خطة لتزويد مصر  بمزيد من الغاز بعد اكتمال بناء خط أنابيب جديد طوله 65 كم من جنوب إسرائيل إلى مصر، لنقل 6 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا إضافية".

واعتبر خبير الطاقة أن "التصدير مهم للاقتصاد المصري حيث تم تصدير 3 ملايين طن عام 2022 بقيمة 8.4 مليار دولار في إطار سعيها إلى أن تصبح مركز إقليمي لتجارة وتوزيع الغاز وتحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير حيث تحتل مصر المركز 14 عالميا في إنتاج الغاز والخامس إقليميا والثاني أفريقيّا، لكن لتحقيق تلك الأهداف ينبغي زيادة الواردات من إسرائيل وزيادة الإنتاج من خلال اكتشاف حقول جديدة".

التفكير خارج الصندوق

من جانبه يقول عميد الدراسات العليا في الطاقة المتجددة بجامعة كامبردج السويسرية، البروفيسور عبدالحكيم حسبو، إنه "ليس من المتوقع أن يزيد الإنتاج محليا في الفترة القادمة ودور البحث والاستكشاف سوف يزيد من حجم الإنتاج ولكنه يحتاج إلى ضخ استثمارات بمليارات الدولارات ويحتاج إلى بعض الوقت، بالتالي في المرحلة الحالية قد تتجه مصر إلى أحد البدائل التالية، وهي الاستمرار في سياسة تخفيف الأحمال واستيراد المزيد من الغاز من إسرائيل وهذا يعتمد على توفير الدولار ولكن لن يكون حلا مستداما نتيجة التقلبات السياسية في المنطقة".

وأضاف في حديث لـ"عربي21": "البديل الثالث هو أن تتجه مصر إلى استخدام البترول في تشغيل محطات الطاقة وبالتالي زيادة إنتاج الطاقة المتجددة وزيادة إنتاج الهيدروجين كبديل نظيف وآمن ورخيص، ومصر تتمتع بمناخ معتدل وطاقة شمسية وفيرة ومساحات شاسعة من الصحراء ينبغي استغلالها لتحقيق إنتاج وفير من الطاقة ولكنها تحتاج إلى استثمارات كبيرة وبعض الوقت، ولذلك يجب أن تسرع من خططها في هذا الصدد".


ووفقا لحسبو، فإن على مصر أن تقلل من الاعتماد على واردات الغاز الإسرائيلي والتوجه كما قلنا للطاقة المتجددة وحتى يحدث هذا تحتاج إلى سنوات وتدفق الاستثمارات الأجنبية بالعملة الصعبة، وهذا يتماشى مع الخطط العالمية لتقليل انبعاثات الكربون، وأن تستغل موقعها الاستراتيجي في تصدير الطاقة المتجددة عموما، ولكن استمرار ربط الطاقة بإسرائيل يجعلها عرضة للتقلبات الجيوسياسية ويهدد أمن الطاقة في البلاد.