مقابلات

محامية دولية: جهودنا متواصلة حتى إثبات انتهاكات العملية "سيرلي" (فيديو)

العملية "سيرلي" تسبّبت في قتل المئات من المدنيين في المنطقة الحدودية الفاصلة بين مصر وليبيا- عربي21
قالت المحامية الأمريكية المتخصصة في القانون الدولي وحقوق الإنسان، هايدي دايكستال، إن "جهودنا وتحركاتنا ستظل متواصلة حتى إثبات الانتهاكات وإدانة الجناة المتورطين في العملية المعروفة باسم (سيرلي)، التي تسبّبت في قتل المئات من المدنيين -وليس الإرهابيين- في المنطقة الحدودية الفاصلة بين مصر وليبيا، على خلفية مشاركة قوات فرنسية في عمليات استخباراتية عسكرية لصالح الجيش المصري".

وأشارت، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، إلى أنهم تقُدّموا، قبل أيام، بطلب لرفع قضية في هذا الصدد أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بموجب المادة 34 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، نيابة عن المنظمتين غير الحكوميتين "مصريون في الخارج من أجل الديمقراطية" و"كود بينك".

وأوضحت دايكستال أن "الطلب قُدّم من أجل تسليط الضوء على الانتهاكات المزعومة للحقوق بموجب الاتفاقية الأوروبية، وهي الانتهاكات الناجمة عن الطريقة التي تم بها التعامل والبت في الشكوى الجنائية المُقدّمة في فرنسا في سنة 2022 من قِبل المنظمتين غير الحكوميّتين، اللتين قدّمتا أدلة على ارتكاب جرائم في إطار عملية (سيرلي) في أيلول/ سبتمبر 2022".

مبدأ الولاية القضائية العالمية

وذكرت دايكستال أن "الشكوى الجنائية، المٌقدمة في فرنسا بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، قدّمت أدلة على هجمات مستهدفة أدت إلى مقتل وجرح مدنيين في مناطق غرب مصر وعلى طول الحدود مع ليبيا خلال فترة عملية أمنية واستخباراتية بين مصر وفرنسا تعرف باسم عملية سيرلي".

وأردفت: "الشكوى التي تقدمنا بها إلى المدعي العام الفرنسي المتخصص في الجرائم ضد الإنسانية تكشف تورط مسؤولين مصريين في جرائم ضد الإنسانية وجرائم تعذيب، وتواطؤ مسؤولين فرنسيين في جرائم ضد الإنسانية، وتطلب هذا من المدعي العام الفرنسي فتح تحقيق، على أن يشمل هذا التحقيق جميع الجناة المحتملين بهدف محاكمتهم".


وتابعت: "في كانون الأول/ ديسمبر 2022، قرّر المدعي العام المختص عدم فتح تحقيق في الجرائم المزعومة، واستخدمت المنظمتان غير الحكوميّتين الآلية الوحيدة المتاحة للطعن في هذا القرار، ورفعت الأمر إلى المدعي العام الفرنسي، لكن المدعي العام أكد قرار عدم فتح تحقيق في تشرين الأول/ أكتوبر 2023".

وزادت: "مع عدم وجود حلّ آخر متاح للطعن في قرار عدم الملاحقة القضائية، لجأت المنظمتان إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من أجل رفع أثر هذه العملية والحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية التي يتم انتهاكها".

ونوّهت المحامية الأمريكية، على أن "ما تم تكليف المحكمة الأوروبية به هو مراجعة الإجراء الذي يتم من خلاله مراجعة طلبات الولاية القضائية العالمية، والنظر والبت فيها من منظور ما إذا كانت هذه العملية كافية لتوفير الوصول إلى العدالة والحق في الانتصاف، وآلية معقولة وفعّالة للعثور على الحقيقة".

ووفق دايكستال، "لن تقوم المحكمة الأوروبية بمراجعة الأدلة على الجرائم المرتكبة خلال عملية سيرلي، ولن تتخذ قرارا بنفسها بشأن ما إذا كانت انتهاكات حقوق الإنسان أو الجرائم قد ارتكبت من قِبل مسؤولين مصريين بمساعدة فرنسا".

انتهاك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان

ولفتت إلى أن طلبهم يركّز على "جانبين محددين يؤديان إلى الانتهاكات المزعومة للاتفاقية الأوروبية، وهما: فشل فرنسا في فتح تحقيق، وافتقار النظام المحلي الفرنسي إلى سبيل انتصاف فعّال يمكن من خلاله الوصول لآلية قضائية مستقلة ومحايدة؛ كي تفصل بشكل فعال في الشكوى الجنائية، وتوفر إمكانية الوصول إلى المحكمة لمراجعة أي قرار يتم اتخاذه والطعن فيه".

وأكدت دايكستال أن "الطلب يشير إلى أنه تم انتهاك ثلاثة حقوق بموجب الاتفاقية الأوروبية، ما أثّر على قدرة المنظّمتين غير الحكوميّتين على رفع القضية نيابة عن الضحايا، وهذا يشمل المادة 2 الخاصة بالحق في الحياة، والمادة 6 المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة، والمادة 13 الخاصة بالحق في الانتصاف".

وقالت إن "دولا مثل فرنسا ليست ملزمة بحماية الحياة فحسب، بل ينطوي ذلك أيضا على التزام إجرائي بالتحقيق في أي انتهاكات لهذا الحق، والتحقيق في أي عمليات قتل، ويزعم الطلب أن فرنسا انتهكت هذا الالتزام الإجرائي بموجب المادة 2 لإجراء تحقيق فعّال في الأدلة المتعلقة بقتل المدنيين على أيدي مسؤولي الدولة، بما في ذلك التواطؤ المحتمل لمسؤولين فرنسيين في فرنسا في عمليات القتل هذه، وهذا الحق قد انتُهك عندما رفضت فرنسا اتخاذ أي خطوات للتحقيق".

وواصلت حديثها بالقول: "ينطوي كل من الحق في الحياة، والحق في الانتصاف الفعال، على التزام الدول ليس فقط بالتحقيق، بل أيضا بتوفير آلية للفصل في القضايا تسمح لمحكمة محايدة ومستقلة بمراجعة قرار المدعي العام، لكن لا تتيح العملية في فرنسا الوصول إلى المحكمة".

وشدّدت على أن "فرنسا فشلت في إنشاء نظام قضائي فعال ومستقل لتوفير سبل الانتصاف الكافية، كما هو مطلوب بموجب هذين الحقين، فضلا عن أن فرنسا فشلت في ضمان الحقوق المدنية المرتبطة بالمادة 6 في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان الخاصة بالتعويضات، وتحديدا الحق في معرفة الحقيقة كشكل معترف به من أشكال التعويض".

وأشارت المحامية الأمريكية، إلى أن "هذه القضية تتضمن مذكرات قانونية واضحة، ويجب أن تركز على القضايا المتعلقة بوصول ضحايا عملية سيرلي إلى العدالة".

وأكملت: "إن هذه الحقوق المتعلقة بالانتصاف الفعال، والوصول إلى التحقيق، والحق في معرفة الحقيقة، هي مبادئ أساسية لسيادة القانون، ومن دونها سيتم تقويض القدرة على تحقيق المساءلة والعدالة في الجرائم الدولية الخطيرة وانتهاكات حقوق الإنسان، وهذا بالضبط ما حدث في فرنسا، وما يُزعم في هذه القضية، والمفتاح هنا هو ضرورة إجراء تحقيقات فعالة وحقيقية وشفافة".

واختتمت دايكستال بقولها: "يجب أن تكون هناك آليات قضائية قائمة لا تسمح للضحايا فحسب، بل أيضا لأولئك الذين يرفعون القضايا نيابة عنهم بالمشاركة في هذه العملية، وأن تكون لديهم أيضا القدرة على الطعن في أي قرارات سلبية ومراجعتها أمام المحكمة".

العملية "سيرلي"

وكانت فرنسا قد أطلقت العملية "سيرلي" الاستخباراتية السرية في شباط/ فبراير 2016، لتأمين حدود مصر التي يبلغ طولها 1200 كيلومتر مع ليبيا، ومنع أي تهديد إرهابي.

وتم التوقيع على الصفقة الأولية، التي كانت مهمة للجهود الفرنسية لتوطيد العلاقات مع شريكتها الأمنية مصر، من جانب وزير الدفاع الفرنسي آنذاك جان إيف لودريان، لكنها كانت معروفة للرؤساء الفرنسيين المتعاقبين.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، نشر موقع التحقيقات الاستقصائية "ديسكلوز"، تحقيقا قال فيه إنه حصل على مئات الوثائق الرسمية الفرنسية السرية التي تكشف عن انتهاكات ارتكبت خلال عملية عسكرية سرية لفرنسا في مصر تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.

ولفت "ديسكلوز" إلى أن "القوّات الفرنسيّة كانت ضالعة في ما لا يقل عن 19 عملية قصف ضدّ مدنيّين بين العامين 2016 و2018"، وأن العمليات تلك دمرت عدة سيارات، وربما تسببت بسقوط مئات الضحايا.

التحقيق أفاد بأنه "وفقا لمعايير قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 56\83، فإنه يمكن إثبات تواطؤ فرنسا في عمليات الإعدام غير القانونية هذه".