قضايا وآراء

من مصلحتها استمرار الحروب في العالم.. الولايات المتحدة لا تحب السلام

كيف ستؤثر الاحتجاجات المتزايدة على السياسة الأمريكية تجاه الاحتلال الإسرائيلي؟- جيتي
حتى العدوان على قطاع غزة لا تريد له الولايات المتحدة أن يتوقف، ومن يظن غير ذلك فهو واهم.. الولايات المتحدة قادرة، قطعا، على وقف العدوان النازي على القطاع، لكنها لا ترى أن في وقفه مصلحة لها، ولا لربيبها الكيان المحتل؛ فهي ترى في حرب غزة ضرورة لاستئصال حركات المقاومة التي شبت عن الطوق وأصبحت تشكل خطرا على مصالحها في الشرق الأوسط، وترى فيها تهديدا لأمن المنطقة، لا سيما وهي ترى تفاعل الشعوب العربية معها، وتماهيها مع فكرة تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وهو ما لا يروق لها ولا لمخططاتها في المنطقة، وهي التي تدافع عن الوجود الصهيوني أكثر مما تفعل في ولاياتها الخمسين.

إن الولايات المتحدة تحاول زورا وبهتانا أن تلمع صورتها قليلا أمام العالم، باشتراطها على الكيان المحتل أن يقدم لها تصورا واضحا عن خطة اقتحام رفح قبل البدء في الهجوم، وهو نوع من ذر الرماد في العيون، لتقول للعالم بأنها حريصة على أرواح المدنيين بعد استشهاد أكثر من 35 ألفا من أبناء القطاع، معظمهم من الأطفال والنساء، في عملية لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا..

الولايات المتحدة تحاول زورا وبهتانا أن تلمع صورتها قليلا أمام العالم، باشتراطها على الكيان المحتل أن يقدم لها تصورا واضحا عن خطة اقتحام رفح قبل البدء في الهجوم، وهو نوع من ذر الرماد في العيون، لتقول للعالم بأنها حريصة على أرواح المدنيين
وفي حين بدأ العالم، وخصوصا على الصعيد الشعبي، ثورة احتجاجية غير مسبوقة ضد ممارسات الاحتلال الإجرامية التي اعتمدت سياسة الأرض المحروقة والإبادة الجماعية، بما يرقى إلى جرائم الحرب، كذلك الاحتجاجات الطلابية التي تجتاح الجامعات الأمريكية وتتسع يوما بعد يوم، والتي تجاوزت الولايات المتحدة إلى دول أوروبا؛ بما يشكل عامل ضغط كبير، إلا أن الإدارة الأمريكية ما زالت تدعم الكيان بكل الطرق الممكنة للإجهاز على قطاع غزة، وقتل أطفاله ونسائه، بما يورطها بالمشاركة الفعلية في جرائم الحرب، وهي الداعمة الأولى لاستمرارها، وما تحفظاتها الكاذبة إلا لتضحك على الشعوب التي بدأ وعيها ينفجر في وجه الأكاذيب التي لم تعد تنطلي على أحد.

لم تدفع المجازر المروعة في قطاع غزة الولايات المتحدة إلى العمل على وقف الحرب، وهي ترى بعينيها الزرقاوين موت الأطفال ذوي العيون السوداء، وعذابات فقدهم لذويهم ودموعهم الساخنة التي تسح على مذبح الإجرام الصهيوأمريكي؛ بما جعل العالم كله يدرك بأن شعارات الإنسانية والحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية والعدالة الإنسانية، كلها شعارات براقة كاذبة، لا قيمة لها في الواقع؛ فقد كشف العدوان على قطاع غزة زيف الحضارة الغربية، وزيف قيمها التي تتشدق بها ليل نهار، وزيف ادعائها أنها تعمل على مساعدة شعوب العالم للحصول على حريتها..

وعلى الرغم من الهوة الكبيرة التي أحدثها زلزال غزة بين طائفة كبيرة من الشعب الأمريكي وبين الإدارة الأمريكية، إلا أن الأخيرة مصرة على دعم الإجرام الصهيوني بكل وسيلة متاحة، وفي حين أحدثت الاحتجاجات الطلابية انقلابا غير مسبوق على سياسات الإدارة الأمريكية، والتي ستترك أثرا كبيرا في المجتمع الأمريكي؛ فإنني أرى أنها أخطر الاحتجاجات التي صاحبت العدوان على غزة، ذلك أنها تشكل مسمارا يغرز عميقا في الجسد الأمريكي، وسيكون لها من بعد تأثير كبير على العلاقات الأمريكية مع الكيان المحتل في المستقبل القريب؛ فطلاب الجامعات هم قادة المستقبل، وقد هزت احتجاجاتهم الكونغرس الأمريكي وإدارات صنع القرار، بما يؤشر على خطورتها التي ووجهت بالقمع والتهديد والاعتقال.

على الرغم من الهوة الكبيرة التي أحدثها زلزال غزة بين طائفة كبيرة من الشعب الأمريكي وبين الإدارة الأمريكية، إلا أن الأخيرة مصرة على دعم الإجرام الصهيوني بكل وسيلة متاحة، وفي حين أحدثت الاحتجاجات الطلابية انقلابا غير مسبوق على سياسات الإدارة الأمريكية، والتي ستترك أثرا كبيرا في المجتمع الأمريكي؛ فإنني أرى أنها أخطر الاحتجاجات التي صاحبت العدوان على غزة، ذلك أنها تشكل مسمارا يغرز عميقا في الجسد الأمريكي، وسيكون لها من بعد تأثير كبير
إن مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية، تعتمد، في جزء كبير منها، على الحروب، فهي لا تستطيع إيقاف مصانعها الحربية، ولا تكديس إنتاجها في المخازن، لذلك فهي حريصة على أن تستمر الحروب في العالم إلى ما لا نهاية. فهي ترفض محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا، وتحرض تايوان على مواجهة الصين وتزودها بالأسلحة، وهي تخلق صورة عداوة مع الصين التي لا تسعى لحرب معها، وليس من مصلحتها أن تنشب حرب بينها وبين الولايات المتحدة.

الإدارة الأمريكية لا تستطيع أن ترى دولة تتفوق عليها في أي شأن من الشؤون الكبرى، وعلى رأسها الاقتصاد، بما يجعلها تنظر إلى الصين على أنها عدو تجب هزيمته، ومنعه من مزيد من التفوق الاقتصادي والعسكري الصاعد بقوة، بما يهدد الحضور الأمريكي في المشهد الاقتصادي والعسكري العام..

الولايات المتحدة لا تريد أن يعم السلام العالم، لأنها تعيش على الحروب، وهي نادرا ما تسعى للسلام الحقيقي بين الدول والكيانات، بل تعمل على تأجيج العداوات والصراعات بينها، لتظل مصانع الأسلحة تعمل بكل طاقتها، وإلا أين سيذهب مليون فني وعامل يعملون في هذه المصانع؟ وقد أشار الكاتب الصيني "تشوا تشين" إلى ذلك في مقالة له بعنوان: "من يرد هزيمة أمريكا، فليقطع عنها هواء الحرب"، وأقتطف من مقالته ما يأتي:

- أكبر تهديد للولايات المتحدة الأمريكية ليس الصين، بل السلام.

- سيضع السلام في العالم نهاية للإمبراطورية الأمريكية الدولارية التي بُنيت بناء على الحرب واقتصاد الحرب وتجارة الحروب.

- في حال حل السلام؛ ستكون جميع القواعد العسكرية الأمريكية في العالم زائدة عن الحاجة، وكذلك جميع حاملات الطائرات، والطائرات العسكرية، والصواريخ البالستية العابرة للقارات، وأسلحة الدمار الشامل، وجميع الصناعات الحربية المساندة.

- كل الأخبار المزيفة عن التهديدات والأعداء ستصبح طرائف.

- عندما يكون هناك سلام في العالم، سيتعين على الأمريكيين صناعة فرص عمل لأنفسهم، ليجعلوا أنفسهم مفيدين مرة أخرى كأشخاص مسؤولين، وليس دعاة حرب وقتلة وتجار حرب.

- لن يكون هناك من يشتري آلة الحرب باهظة الثمن، ولا حاجة لعصابات عسكرية تُعرف باسم الحلفاء.

لقد أصبح أجلى من عين الشمس بأن الولايات المتحدة هي العدو الحقيقي والرئيس للشعوب المغلوبة على أمرها، وبأنها تشكل أسوأ نظام سياسي في العالم، فهي أكثر الدول تناقضا بين ما تعلن وما كانت تخفي، بعد أن لم يعد ما يخفى على الحصيف والغبي في آن معا.

على الشعوب العربية أن تدرك الخطر المحدق بها من قبل الغرب، وأن تستعد لكل الاحتمالات؛ فالقادم مروع، والله وحده يعلم ماذا سيكون من بعد.. نحن في معركة وعي، وعلى أصحاب القلم أن يكرسوا أقلامهم للكشف والتنوير؛ لتفهم الشعوب إلى أين تذهب بها سياسات الولايات المتحدة وحلفائها..