تقارير

محور الشهداء.. "نتساريم" يسكن ذاكرة وهوية الفلسطينيين في غزة.. لماذا؟

محور الشهداء "نتساريم" هو المحور الأهم في قطاع غزة حيث إنه يقسم القطاع إلى منطقتين: جنوب قطاع غزة وشمال القطاع، وإن السيطرة عليه تعني السيطرة على مفاصل الأمور في ضبط التحركات بغزة..
أدركت الدولة العبرية منذ زمن بعيد الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لما يعرف باسم "محور الشهداء ـ نتساريم" الواقع جنوب مدينة غزة على شارع صلاح الدين الرئيس، وأثره في الهوية والذاكرة الفلسطينية، لذلك فإنها كانت دائما تحرص على السيطرة عليه سواء في أوقات الحرب أو السلم.

ارتبط اسم هذا المحور الاستراتيجي والتاريخي (الشهداء ـ نتساريم) بذاكرة الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة، فهو امتداد لواحدة من أهم المعارك التاريخية للمسلمين (معركة داثن) قبل أكثر من 1400 سنة كانت والتي كانت سببا في فتح بلاد الشام، وكذلك العمليات الفدائية في عهد الإدارة المصرية في ستينيات القرن الماضي، حيث كان يعرف باسم "البوليس الحربي"، كما أنه شهد تفجير أول دبابة إسرائيلية من نوع مركافا مطلع عام 2001 عقب اندلاع انتفاضة الأقصى.

وعلى مدى أجيال كثيرة كان لهذا المحور أثر كبير في هوية وذاكرة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فلا تزال صرخات والد الشهيد محمد الدرة أيقونة شهداء انتفاضة الأقصى ترن منذ قرابة ربع قرن في أذن كل فلسطيني وعربي وحر من أحرار العالم وهو يصرخ بأعلى صوته (مات الولد.. مات الولد) لحث جنود الاحتلال على وقف إطلاق النار عليهم في ذلك المحور الذي قضى عليه الدرة ومئات الشهداء ليطلق عليه اسم محور الشهداء.

كلمات الدرة والتي أصبح عمرها بعمر شبان المقاومة الذين امتشقوا السلاح لاحقا لتلبية نداء والد الدرة وتحديدا قبل 24 عاما في العاشر من أيلول/ سبتمبر 2000 لتزيدهم هذه الصرخة إصرارا لدفع كل غال ونفيس لتحرير الأوطان.



وشدد المؤرخ الفلسطيني الدكتور غسان وشاح رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة على الأهمية التاريخية والاستراتيجية لهذا المحور الحيوي (الشهداء ـ نتساريم) والذي كان ممرا للغزاة لغزة عبر التاريخ، وتحول لاحقا إلى ما يعرف باسم طريق الموت بعد أن فقد فيه عددا كبيرا من جنوده وضباطه بفعل ضربات المقاومة.

وقال وشاح لـ "عربي21": "محور (الشهداء ـ نتساريم) الواقع جنوب مدينة غزة على طريق صلاح الدين هو امتداد لمنطقة استراتيجية تاريخية في قطاع غزة وهي منطقة الدثة التاريخية التي خاض المسلمون عليها قبل أكثر من 1400 سنة (معركة داثن) التاريخية والتي انتصر فيها المسلمون على الرومان وكانت باكورة الفتوحات الاسلامية لبلاد الشام".

وأضاف: "لذلك يسعى الاحتلال سواء في أوقات الحرب أو السلم للسيطرة على هذا المحور بأي ثمن، حيث تقدمت الدبابات الإسرائيلية في مطلع شهر نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي في توغلها البري لغزة من خلاله وسيطرت عليه وقطعت شارع صلاح الدين الرئيس الذي يقع عليه".


                          غسان وشاح.. رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة

وشدد وشاح على أن معركة داثن وقعت إلى الشرق من هذا المحور بقليل في منطقة تعتبر عمقا وامتدادا لمحور (الشهداء ـ نتساريم) وتحديدا في منطقة تسمى داثنة.

وقال المؤرخ الفلسطيني: "يعتقد سكان المنطقة أنها منطقة مباركة ويعتقدون أيضًا أن فيها مدافن عدد من الأولياء الصالحين، والحقيقة أن هذه المنطقة رويت بدماء الصحابة العظام وشهدت المعركة التي تعتبر أولى وباكورة الفتوحات الإسلامية لفلسطين وبلاد الشام، إنها معركة داثن".

وأضاف: "بعد معركة داثن فتحت غزة وتحررت ودخل أهل غزة الإسلام، لتنال غزة شرف بأن تكون أول مدينة بكل فلسطين وبلاد الشام يدخل أهلها للإسلام، وأنها أول مدينة تحررت من الاحتلال الروماني".

وأوضح المؤرخ الفلسطيني أن هذا المحور شهد في التاريخ الحديث أحداثا تاريخية مهمة تدلل على مدى ارتباط هذا المحور بهوية وذاكرة الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن هذا المحور كان يطلق عليه في ستينيات القرن الماضي اسم البوليس الحربي نظرا لوجود نقطة للبوليس الحربي المصري وإنه نفذت عبر عدة عمليات فدائية للجيش المصري ضد قوات الاحتلال.

وأشار إلى أنه وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى شهد هذا المحور إعدام الطفل محمد الدرة وهو في حضن والده وهو يصرخ عبر الهواء مباشرة مات الولد.

وقال: "نفذت على هذا الطريق أول عملية فدائية كبرى في الانتفاضة الأولى عام 1992 وما عرف باسم عملية الشجاعية التي قتل فيها 3 جنود إسرائيليين، ثم شهد تفجير أول دبابة مركافاة عام 2001، حيث فجر فيه 4 دبابات، ليتحول إلى طريق الموت بالنسبة للاحتلال".

وأضاف: "عشرات الشهداء ومئات الجرحى قضوا في هذا المحور مع اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول/ سبتمبر 2000م لذلك أطلق عليه اسم محور الشهداء".

ومن جهته شدد الدكتور إبراهيم حبيب الخبير الأمني والاستراتيجي على أن محور (الشهداء ـ نتساريم) هو المحور الأهم في قطاع غزة حيث يقسم القطاع إلى منطقتين: جنوب قطاع غزة وشمال القطاع، وأن السيطرة عليه يعني السيطرة على مفاصل الأمور في ضبط التحركات بغزة.


                                            إبراهيم حبيب.. خبير أمني واستراتيجي فلسطيني

وقال حبيب لـ "عربي21": "يمتد هذا المحور من السياج الفاصل شرقا وحتى شاطئ بحر غزة غربا بطول 7 كم".

وأضاف: "هذه المنطقة هي خاصرة رخوة لغزة حيث كان بها مستوطنة نتساريم التي انسحبت منها قوات الاحتلال عام 2005م بفعل ضربات المقاومة".

وأوضح أنه بعد الانسحاب من هذه المستوطنة تم شق شارع كبير بعرض 52 مترا وهو شارع الحرية، وتم بناء مجمعات حكومية وجامعات مثل قصر العدل، وكذلك بنيت المدينة المصرية في محاولة لتعميره لإدراك الحكومة الفلسطينية أهميته.

وقال حبيب: "استحدث الاحتلال فيه مجددا ممر يقسم قطاع غزة إلى قسمين، وفي كل الحروب كانت تستخدمه إسرائيل لفصل جنوب القطاع عن شماله، وهو الآن امتداد لخط نقل البضائع من الميناء الذي تقيمه الولايات المتحدة على نهايته من الناحية الغربية".

وأضاف: "تم إقامة منطقة عازلة بعرض 7 كم لحماية هذا المحور تم تدمير مناطق واسعة من حي الزيتون، ومدينة الزهراء، وبلدة المغراقة، والمخيم الغربي في البريح، وبلدة وجحر الديك بالكامل كي تكون عمقا لهذا الخط".

وشدد حبيب على أنه في ظل الوقائع الميدانية الموجودة فإن البقاء في هذا المحور صعب لقوات الاحتلال رغم التجهيزات العسكرية التي تمت فيه من أجل حمايته نظرا لوقوعه بين فكي كماشة من الشمال والجنوب بالنسبة للمقاومة.

وقال: "من السهل على رجال المقاومة الفلسطينية رصد ومتابعة كل تحرك لجيش الاحتلال على هذا المحور استهدافه".

واستبعد أن يبقى الاحتلال في هذا المحور لفترة طويلة مؤكدا أنه قريبا سيرحل عنه لأنه سيكون استنزافه ويكلفه خسائر بشرية كبيرة.

وأكد الكاتب والباحث ناهض زقوت على أن عودة قوات الاحتلال لمحور الشهداء ـ نتساريم بعد عشرين سنة من انسحابها منه وتركها مستوطنة نتساريم هو لإدراكها الأهمية الاستراتيجية لهذا المحور والسيطرة عليه.


                                               ناهض زقوت.. كاتب وباحث فلسطيني

وقال زقوت لـ "عربي21": "إن قوات الاحتلال قامت بتجريف 400 دونم في محيط هذا المحور للسيطرة عليه وبناء قواعد عسكرية عليه".

وأضاف: "قام جيش الاحتلال لشق هذا المحور بتجريف معظم القرى والمدن المحيطة به وهي: مدينة الزهراء، بلدة المغراقة، بلدة جحر الديك، ومساحات من احياء غزة الجنوبية الغربي مثل: الزيتون، تل الهوا، والشيخ عجلين، وذلك بتوسيع ممر الشهداء- نتساريم الواصل من معبر المنطار ـ كارني شرقا وحتى شارع الرشيد غربا، مرورا بمستوطنة نتساريم سابقا وصولا إلى الميناء الأمريكي الذي يجري إقامته قبالة شواطئ جنوب مدينة غزة".

 وتابع: "هذا يدلل على وجود أهداف غير معلنة للحرب على غزة بخلاف المعلنة من القضاء على المقاومة والإفراج عن الأسرى، وهي إعادة احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه وإنهاء القضية الفلسطينية".

ودلل زقوت على ذلك إقامة جيش الاحتلال الأعياد اليهودية في تلك المنطقة التي سيطر عليها بالقوة.