كتاب عربي 21

"قواعد الاشتباك" ليست في معان الأردنية

1300x600
لا أتوقع أن يتفاعل المسؤولون مع الملف الذي نشرته "الغد"، أول من أمس، عن معان. ومصيره على الأرجح أن يكون مثل مصير تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية قبل عقد من الزمان؛ يؤرشف مرجعا للباحثين والصحفيين عندما تتجدد الأحداث. وما يكشفه الملف أن شيئا لم يتغير منذ العام 1989؛ تعامل أمني سطحي مع ملف معقد، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، وقدرة لانهائية على إنكار الوقائع والحقائق، واجترار للمواقف المعلبة، فيما تتواصل معاناة مواطنين يقطنون في تلك المنطقة التي تزداد بؤسا.

ارتفاع درجة الحرارة لا يعالج بالكمّادات دائما. المسؤولون يتعاملون مع كل الأحداث في معان بالكمّادات التي تبرد الحرارة مؤقتا، من دون أن يفكروا في معالجة الأسباب التي قد تهلك الجسم. تستطيع الدولة، أي دولة، الانتصار على أي مدينة أو مجموعة، وهذا هزيمة للدولة التي سبب وجودها انتصارها للشعب في مواجهة أعدائه، لا الانتصار عليه. ونقل "الاحتجاج"، مهما كان عنيفا وخارجا على القانون وفوضويا، إلى "انشقاق" يتطلب حسم الدولة أمنيا وعسكريا، هو وصفة للدمار والخراب.

أول من أمس، وتوكيدا على عدم الرغبة في الحوار والنقاش، مُنعت ندوة في نقابة المهندسين عن معان، لنخبة حقيقية من المدينة، كان من المفروض أن يستمع لها أرفع مسؤولي الدولة لفهم المشكلة، ووضع الحلول. وينسى من منع الحوار في مكان، أنه ينعقد في مكان آخر؛ وأن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تحفل بأصوات غاضبة، يبدو منتدو النقابات صامتين أمامها. اليوم، وعلى مواقع التواصل، يتناقش أبناء معان أيهما أفضل؛ "النصرة" أم "داعش"؟ والدولة عندنا تمنع النقاش في النقابات.

على طريقة "قل كلمتك وامش"، ومن باب إبراء الذمة، أواصل الكتابة عن معان.

كارثة معان في عقلية "قواعد الاشتباك" التي تطبق منذ العام 1989. وابتداء، وعلى فرض صحة النظرية، فإن ما قدمه مسؤول لـ"الغد" مبني على تعميم غير صحيح، ومن حوادث أعرفها شخصيا. وهو يرد عليه بتعميم غير صحيح بأن الدولة تمارس القتل الميداني. وبدلا من الكلام العام المرسل، نريد من الأجهزة الأمنية التي يفترض أنها مهنية ودقيقة في عملها، الإجابة عن الأسئلة التالية من خلال تحقيقاتها أو قرارت محكمة الشرطة:

1 - كم عدد من قتلوا في معان على يد رجال الأمن منذ العام 1989، مقارنة بمحافظات المملكة، وقياسا بعدد السكان؟

2 - ما هي أعمار من قتلوا، وما هي خلفياتهم؛ عمرا وعملا وتحصيلا علميا، وما هي قيودهم الأمنية إن وجدت؟

3 - ما هي نتائج التحقيقات؟ وهل دين أحد من رجال الأمن، سواء بالتنبيه أو النقل أو المحاكمة؟
هذه هي الأسئلة الأساسية. والإجابة عنها ستكشف أن عقودا من عقلية "قواعد الاشتباك" كرست واقعا متمردا، يخبو ويثور بفعل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية.

والإجابة عن الأسئلة السابقة حق ليس لذوي الضحايا، بل لكل مواطن أردني. والأرجح أن لا يجاب عنها، ونبقى نجتر حديث "قواعد الاشتباك".