كتاب عربي 21

قائد الجيش الإيراني إذ يهدد السعودية

1300x600

بعد أسابيع طويلة من الهجمات المتكررة من أركان التحالف الإيراني على المملكة العربية السعودية، والتي تصاعدت منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على الموصل، يبدو أننا إزاء تطور مهم آخر في العلاقة بين إيران وتحالفها وبين السعودية، إذ نقل عن رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية تصريحا يتعلق بالحكم بالإعدام على رجل دين شيعي في السعودية هو الشيخ باقر النمر.

فقد قال اللواء حسن فيروز أبادي ما نصه: "تصلنا أنباء مقلقة للغاية من السعودية"، مضيفا "يبدو بعيدا للغاية بالنسبة لبلد كالسعودية التي تحظى بحكام ذوي نظرة بعيدة، أن يتم إصدار حكم إعدام بحق العالم الشيعي البارز، سماحة الشيخ النمر".

وأكد بحسب "وكالة فارس" أن "هذه الدماء ستفور في قلوب عشرات ملايين الشيعة، وبين مسلمي العالم، وسيكون ثمنها باهظا للغاية على السعودية"، معربا "عن أمله بأن تعيد المحكمة النظر بشكل جذري في هذا الحكم غير العادل والمثير للفرقة".

من الصعب تجاوز مثل هذا التصريح ببساطة، فهو أولا من القائد العسكري الأهم في إيران، وهو يأتي ثانيا بعد اتهامات لا تحصى من قبل إيران للسعودية بالوقوف وراء تنظيم الدولة، ودعم ما جرى في العراق.

لولا أن رسالة مهمة قد أريد توصيلها للسعودية من خلال هذا التصريح، لما تكفل به قائد الجيش، ولترك الأمر لخطيب جمعة طهران مثلا، أو سياسي من الدرجة الثانية، أو لمرجع ديني، لكن الأمر هنا مختلف إلى حد كبير. ولا يغير في حقيقة التهديد ما ذكر في طياته عن حكام المملكة ذوي النظرة البعيدة.

يشير التصريح إياه، ومجمل الاتهامات التي ترددت خلال الشهور الأخيرة إلى حجم التصعيد بين البلدين من جهة، لكنه يشير من زاوية أخرى أكثر أهمية إلى حجم النزق الإيراني الناجم عن المأزق الذي يعيشه قادتها في سوريا والعراق، وصولا إلى لبنان وعموم المنطقة، ذلك أن من العبث القول إن المملكة هي من تدعم تنظيم الدولة الذي يشهر في وجه نظامها العداء. صحيح أن الرياض تقدم دعما لثوار سوريا، لكن ذلك ينحصر غالبا في التنظيمات التي تسمى "معتدلة"، ولا يذهب نحو الأخرى، فضلا عن تنظيم الدولة، كما أنها جزء من منظومة عربية كاملة كانت منشغلة بمطاردة ربيع العرب  والإسلاميين أكثر من انشغالها بمواجهة إيران.

وتزداد أهمية تصريح القائد الإيراني من زاوية أنه يتعلق بشأن داخلي سعودي، في حين يعلم الجميع أن إيران تنفذ بلا توقف إعدامات ضد رموز من المشايخ السنّة في إيران، وناشطين من عرب الأحواز، لكن السعودية لا تشير إلى ذلك ولا تصدر تصريحا بشأنه، فلماذا يكون من حق إيران أن تتدخل في شأن داخلي سعودي، بصرف النظر عن رفضنا للظلم الواقع على أية أقلية في العالم العربي والإسلامي، وأمنيتنا لو أن هناك من يساند المظلومين في أي مكان.

لقد بات واضحا أن إيران قد أدركت عزلتها الكاملة عن الغالبية السنيّة في العالم العربي والإسلامي، وهي إذ حرصت طوال الوقت على تقديم خطاب وحدوي يغطي على سلوكها الطائفي في سوريا والعراق ولبنان، فإنها بعد التطورات الأخيرة في العراق ما لبثت أن كشفت القناع، وصار رموزها والمتحدثون باسمها يتحدثون خطابا طائفيا واضحا، بل ومستفزا في كثير من الأحيان.

يؤكد ذلك ما سبق أن تحدثنا عنه قبل شهور من أن إيران تتحول تدريجيا، وسيتضح ذلك أكثر بعد اتفاق النووي؛ تتحول من خطاب المقاومة والممانعة في تسويق نفسها إلى خطاب دولة المذهب التي ترعى شؤون أبنائه في كل مكان من العالم العربي والإسلامي، وهو ما يبدو أنه يحدث حاليا، بل يلقى قبولا من الأقليات الشيعية في العالم العربي والإسلامي (خلا شيعة الأحواز العرب). وحين يصل الحال بزعيم أقلية هامشية (تشيّعت) في موريتانيا إلى إعلان تلبية نداء المراجع "بالتصدي لداعش" في العراق، فهذا يؤكد أننا إزاء دولة تعلن أنها المسؤولة عن الشيعة في كل أنحاء العالم، فيما يعلنون هم تبعيتهم لها، الأمر الذي لا يغير في حقيقته وجود نسبة محدودة من الشيعة الذين يرفضون ذلك، ولا ينبغي تجاهلهم بكل تأكيد.

وما دام الأمر كذلك، فسيكون من حق الآخرين أن يتدخلوا في شؤون الأقليات التي تعنيهم داخل إيران، من سنّة وعرب، فيما يعلم الجميع أن في إيران من التناقضات العرقية والمذهبية ما يتفوق على أية دولة أخرى، وحين تلعب هي في أحشاء الآخرين، فلن يترددوا بدورهم في اللعب بأحشائها، وما المؤتمر الذي عقد مؤخرا لعرب الأحواز في لاهاي سوى إشارة لما يمكن أن يحدث لاحقا.

في أي حال، فقد أدخلت إيران نفسها في مزاج استنزاف شامل في سوريا والعراق، وهي أدخلت نفسها أيضا في مزاج عداء مع غالبية الأمة، وأدخلت معها الشيعة العرب أيضا، وهذا من دون شك تطور خطير ستدفع ثمنه باهظا بمرور الوقت، لكن الثمن على عموم المنطقة سيكون باهظا أيضا، ولن يتوقف قبل أن تقتنع إيران بأنها لن تعلن حربا على غالبية الأمة وتربحها، وأنه لا مجال أمامها غير القبول بحجمها الطبيعي، والجلوس على طاولة التفاهم مع القوى المهمة في الإقليم، أعني العرب وتركيا.