مقالات مختارة

تفكّك ناعم أم عنيف للعراق؟

1300x600
كتب علي بردى: لا تزال أمام العراق فرصة للبقاء دولة موحدة تعترف بحقوق كل أطيافها. ليس الآن وقت إلقاء التبعات في أسباب الشروخ العميقة التي أصابت المجتمع العراقي. يقتضي الأمر مزيداً من التضحية في اتخاذ قرارات سياسية حاسمة تمنح كل المكونات فرصة المشاركة في الحكم وتقاسم الثروة، لئلا يتكرس التشقق الناعم أو العنيف في العراق.

يتعدى المأزق الراهن ما يقال عن شخص رئيس الوزراء نوري المالكي الى ما يتصل بالنهج الذي صار هو عنواناً له. يحتاج الأمر الى تبصر في مقتضيات الحرب الدولية على الإرهاب، وفي احتواء ما يمكن أن تؤدي اليه في الشرق الأوسط. هنا يكمن مصدر التهديد الرئيسي الذي أصاب صميم الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001 وغيرها من دول العالم في تواريخ مختلفة من زمن الشؤم. هنا أيضاً تتربص أطماع اسرائيل بالسيطرة والتحكم والتوسع في ظل غض نظر عن ارتكاباتها الخطرة. هنا أيضاً وأيضاً تستحكم الطموحات الهائلة لايران التي سعت طويلاً الى تصدير ثورتها الإسلامية، فأخفقت إلا عندما فتح لها الأميركيون - ليس حباً (أو محاباة) بما يمثله نظام الملالي في قم وطهران - أبواب العراق. عندما جرّت الدبابة الأميركية صنم صدام حسين في ساحة الفردوس البغدادية، سقط ليس نظام البعث العراقي الكريه فحسب، بل أنهار معه أيضاً أحد الأعمدة الرئيسية التي قام عليه النظام العربي البغيض.

التقت مصالح المناقضين على دعم الأشكال المختلفة لما سماه البعض "مقاومة" للإحتلال الأميركي وما اعتبره البعض الآخر "إرهاباً" أصاب أكثر ما أصاب العراقيين أنفسهم فضلا عن الغزاة. تساءل كثيرون عن الورود التي نثرت على الأرتال الأميركية. ساهمت دول المنطقة - من السعودية وايران وسوريا - بشكل أو بآخر في إسقاط أوهام الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. غير أن الولايات المتحدة لجمت الموجة الأولى من الحرب الأهلية بين السنة والشيعة، بينما اغتنم الأكراد كل الفرص لتعزيز الإستقرار في كردستان العراق ولجذب الإستثمارات اليها. أدى نزف العراق الى تهجير الغالبية من المسيحيين وأبناء الأقليات والطوائف الأخرى.

كان يفترض في الإنتخابات العراقية أن تمثل مصدراً رئيسياً للقوة الناعمة التي تقود التغيير المنشود وتتحكم بآليات الحكم في بغداد. غير أن الصراعات المستورة والمكشوفة على النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية التي تلعب على التنافر الدفين بين المكونات العراقية، عطّلت الى حد بعيد الوظيفة المرتجاة من الإنتخابات العراقية. لماذا لم يتمكن المالكي - أو سواه - من بناء ائتلاف جديد تتشكل على أساسه حكومة عراقية تتفرغ أولاً للإعتناء بأمسّ ما يحتاج اليه العراقيون في الشمال والجنوب والوسط، وتخوض إذذاك حرباً لا بد منها على الإرهاب الذي تتولى صدارته الآن "الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش"؟

البديل الداهم من هذه الفرصة الآن تفكك للعراق. تجلياته العنيفة في المحافظات السنية، وطلائعه الناعمة في كردستان.

(النهار اللبنانية)