ملفات وتقارير

زواج فلسطيني مرهون برفع الحصار عن قطاع غزة

غزة تحت الحصار والقصف - (وكالات محلية)
في قرية بيتا قرب نابلس شمال الضفة الغربية، يتابع الشاب أكرم حمايل المفاوضات غير المباشرة الجارية في القاهرة بين الوفد الفلسطيني الموحد والإسرائيلي، وكله أمل بأن يرفع الحصار عن قطاع غزة، فلغزة مكان مختلف في قلبه، فهي ليست جزءاً نازفاً من الوطن فحسب، وإنما غزة هي أيضا من جعلت قلبه ينبض بعد أن قرر الزواج من إحدى فتياتها، رغم بعد المسافة التي صنعها الاحتلال.

"أكرم"، الذي يطل على العقد الثالث من عمره، يعيش فترة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة رهين القلق على خطيبته التي يجد صعوبة في التواصل معها، يقول لـ"عربي21": "خطبت منذ شهرين، طوال الحرب على القطاع. لم أتمكن من التواصل مع خطيبتي والاطمئنان عليها وعلى أهلها إلا مؤخراً، ظروف الحرب صعّبت ذلك؛ فبيتها على الحدود - في مخيم المغازي قرب الشجاعية".

ولاء أبو مسامحة، خطيبة أكرم، لجأت من نيران الحرب مع أهلها إلى بيت لاهيا شمال القطاع.

وبحسب إحصائية المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فقد نزح 475 ألف مواطن، خلال شهر من العدوان الإسرائيلي.

تقول "ولاء" بصوت مجهد: "أوضاعنا في غزة صعبة جداً، كثير من العائلات تركت منازلها نتيجة القصف الاسرائيلي وذهبوا الى المدارس، فالطيران يستهدف البيوت وكل شيء بتحرك في الشارع، كانت الشظايا تتطاير نحونا، كان القصف يأتينا من كل مكان، وانقطع التيار الكهريائي ونفد الماء، فما كان منا الا أن ذهبنا إلى عند أخوالي في بيت لاهيا".

وفي بيت أخوالها لاحقتهم الصواريخ، تقول لـ"عربي21": "كانوا يستهدفون البيوت عن طريق ضرب ما يسمونه بالصاروخ التحذيري، وبعدها صاروخ من طائرة أف 16".

ضربت طائرة إسرائيلية "صاروخا تحذيريا، وخرجت "ولاء" مسرعة مع أهلها وأقاربها إلى الشارع بدون أن يأخذ أحد شيئا معه، كان بين الصاروخين دقيقة واحدة أو دقيقتين على أكثر تقدير، هذا ما قالته "ولاء"، "دقيقة بينك وبين النجاة بحياتك وأحلامك".

الموت بقي يلاحق "ولاء" ومن حولها، قذائف المدفعية أخذت تضرب المنطقة، وحوصروا في غرفة واحدة، وقلوبهم تتهجد بالدعاء، فالقصف عشوائي ويصم الآذان، ساعت رعب عاشوها حتى مطلع الفجر، مر في مخيلتها شريط حياتها، بفرحها وحزنها، وشعرت بأن أحلامها ببيت يجمعها مع  زوجها تكاد تتلاشى.
 
في ظل هذه الأجواء انقطعت الاتصالات، وكحال كل الغزيين كانت "ولاء" تبحث عن طرق للاتصال ومعرفة أخبار أقاربها وتطمئن خطيبها، "مع انقطاع الاتصالات كنا قلقين، ونريد الحديث مع أقاربنا في المناطق الأخرى، والحديث مع خطيبي في الضفة لأطمئنه علينا، فلجأنا لكهرباء المساجد التي فيها مواتير كهرباء، وشحنا جوالاتنا، حيث كنا نشغلها دقيقتين باليوم نطمئن أقاربنا ونعود لنطفئ الجوال لتوفير الكهرباء".

عادت "ولاء" بعد ثلاثين يوما الى بيتها في المغازي، "اليوم الواحد مر علينا كأنه ألف سنة مما تعدون"، كما وصفته "ولاء"، الدقائق فيه كانت تُحسب بأزيز الرصاص وانفجار القذائف، عادت إلى بيتها وليس بعيدا عنه انتشرت رائحة الموت هناك في الشجاعية، وكما هو الحال في شرق رفح وبيت لاهيا وبيت حانون، لتجد بيتها وقد حل به خراب كبير.

"هنا قصف وهناك قصف"، تقول "ولاء"، "قررنا العودة الى بيتنا رغم المخاطر".

ودمّر الاحتلال 10604 منازل، اضافة الى مؤسسات وجمعيات ودور عبادة، وحتى المقابر.

في ظل هذه الظروف، كان "أكرم" مشدود الأعصاب: "كنت أحاول الاتصال على جوالها، على جوال والدها، لا أحد يستجيب، كنت أدرك أن الظروف أصعب مما أتخيل، آلة الحرب الإسرائيلية لا تفرق بين كبير وصغير، كنت أشاهد عبر التلفاز جثامين الشهداء والجرحى، وكان خوفي عليها يتصاعد مع تصاعد عدد الشهداء".

وبلغ عدد الشهداء بحسب إحصائية المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، 1875 من بينهم 426 طفلًا و255 امرأة، فيما بلغ عدد الجرحى 9563 جريحًا منهم 2877 طفلًا و1927 امرأة، خلال 30 يوما من العدوان الإسرائيلي.

"أكرم" الذي يعمل في البناء، رغم حصوله على شهادة في التمريض قبل سنوات، بسبب أوضاع الضفة الاقتصادية، يقول بصوت يُمازجه التفاؤل والحزن: "كان موعد عرسنا بعد عيد الأضحى، لكن في ظل الظروف الراهنة الله أعلم متى يكون ذلك، زواجنا حاليا مرتبط بالوضع السياسي والمعابر والحرب".

وأضاف: "الفلسطيني إنسان عنده مشاعر وأحاسيس، فرغم أجواء الحرب يجب أن تستمر الحياة، وأن يكون هناك أمل لا ينقطع، أمنيتي أن ألتقي بخطيبتي، ونكون أسرة رغم صعوبة الظروف".

"أكرم وولاء" هما نموذج للواقع الذي يحياه الفلسطينيون، وتحديدا في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات، ووجه آخر لآثار العدوان الإسرائيلي على القطاع.

وبدأت أمس الاثنين، في مقر المخابرات المصرية بالعاصمة المصرية القاهرة المحادثات غير المباشرة بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي برئاسة الوزير محمد فريد التهامي من أجل العمل للتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل ودائم في قطاع غزة.

وذلك بعد سريان تهدئة جديدة استجاب لها الفلسطينيون والاحتلال الإسرائيلي لمدة 72 ساعة، على أمل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار عبر مفاوضات غير مباشرة في القاهرة.

وسبق أن انتهى اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار صباح الجمعة الماضية بعد سريانه لمدة 72 ساعة بسبب عدم تقديم الوفد الإسرائيلي أي إجابات رسمية بشأن المطالب الفلسطينية برفع حصار غزة وإقامة ميناء بحري.