بورتريه

بورتريه: عمرو خالد.. نجم تلفزيوني يأفل

نجاحه في الدعوة عبر الفضائيات، قابله فشل في المجالات الأخرى
نجح في توظيف الروايات التاريخية  بأسلوب قصصي مشوق مستخدما اللغة العامية الدارجة.

 وجه رسالته للشباب محاولا إيجاد جمهور جديد للدعوة التي يقودها رجل غير ملتحٍ، ويرتدي الملابس الغربية على غير عادة رجال الدعوة.

نجاحه في الدعوة عبر الفضائيات، قابله فشل في المجالات الأخرى.

 مواقفه بعد ثورة 25 يناير عام 2012 في مصر، والانقلاب العسكري 3 يوليو عام 2014 كانت صادمة لجمهوره، فالداعية الذي عرف عنه تجنبه الحديث في السياسية وابتعاده عن الخوض في شؤونها، لم يلتزم الصمت كما جرت العادة، فكانت بداية خوضه في السياسة عبر مواقفه الرافض لتأييد الرئيس المنتخب محمد مرسي وذهب إلى وصف الانتخابات بين مرسي وبين أحمد شفيق بـ"الفتنة".

 وقال: "سأعتزل الفتنة كما فعل بعض الصحابة"، لكنه عاد وانتخب شفيق على حساب مرسي، في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية وأمعن في تأييد مرشحي "الحزب الوطني"، ثم عندما جاءت "الفتنة الثانية" وقف مع الحكم العسكري، وظهر داعما له مرتين، كانت الأولى في مقطع فيديو مسجل بثه الجيش، حيث قام  بالتحريض على قتل المتظاهرين وإباحة دمهم، وكانت الثانية عندما صوره التلفزيون المصري وهو يشارك في استفتاء على الدستور الجديد الذي نظمه العسكر.

كان من أبرز معارضي مرسي خلال فترة حكمه، واتخذ مواقف صريحة ضد الدستور المصري الذي أقر في عهد مرسي، وقام بتأسيس حزب سياسي أطلق عليه اسم "مصر"، واستقال من رئاسته بعد الانقلاب مباشرة، ولم يفهم أحد حتى الآن أهداف هذا الحزب وما هو الهدف من تأسيسه، ولماذا استقال منه، ويقول بعض المقربين منه ربما لأنه لا يريد أن يدفع ثمن أي موقف سياسي قد يتخذه حزبه في ظل الحكم الجديد، بينما يقول هو أنه استقال لرغبته في التفرغ إلى الدعوة.

وقد وصفه صفوت حجازي في خطبته الشهيرة في ميدان رابعة العدوية بـ"الشيطان الأخرس".

ربما شكلت مواقف عمرو خالد، المولود في الإسكندرية عام 1967، صدمة لمن كان يرى الداعية الإسلامي خلف شاشات الفضائيات يتحدث عن الأخوة والتعايش والمحبة، ثم يفاجأ به يؤيّد انقلابا عنيفا، لكن المقربين منه لم يفاجأوا كثيراً بمواقفه المتقلبة، وهو الذي سبق له أن كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، كما أنه أصر على الذهاب إلى الدنمارك أثناء أزمة الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول الكريم، ورفض الاستماع لنصائح علماء من بينهم الشيخ يوسف القرضاوي.

يصنف كداعية إسلامي ومفكر مهتم بالإصلاح الاجتماعي، لكن كثيرا من رجال الدعوة والعلماء يرفضون هذا التوصيف، حصل على بكالوريوس تجارة من جامعة القاهرة عام 1988، و دبلوم معهد الدراسات الإسلامية عام 2001، والدكتوراه  في الشريعة الإسلامية تحت عنوان "الإسلام والتعايش مع الغرب" من جامعة ويلز ببريطانيا عام  2010.

 عمل بأحد مكاتب المحاسبة لمدة سبع سنوات، ثم افتتح مكتب محاسبة خاصا به في القاهرة.

 بدأ بإلقاء الدروس في نادي الصيد في حي الدقي في القاهرة، ثم انتقل إلى مسجد الحصري بالعجوزة، ثم إلى مسجد المغفرة في حي العجوزة حتى ازدحم المسجد، ولم يستوعب الجمهور الذي كان يزداد بشكل كبير فانتقل منه إلى مسجد الحصري في مدينة 6 أكتوبر، حيث ذاعت شهرته بقوة، وبدأ الشباب يحضر دروسه قادمين من أماكن بعيدة، هذا النجاح دفع الفضائيات العربية إلى استقطابه فصعد نجمه وانطلق من خلال قناة "اقرأ" الفضائية.

واخذ في إلقاء المحاضرات لمدة عامين منذ عام 2000 وحتى عام 2002، ووصلت أعداد الحاضرين إلى ما يقارب 35 ألف شخص.

غادر مصر إلى بيروت عام 2002 بعد أن خيرته السلطات المصرية بين التوقف عن الدعوة وبين مغادرة مصر، بقي في بيروت لغاية مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في شباط / فبراير 2005 ومنها غادر إلى بريطانيا.

قدم عددا من البرامج الناجحة على الفضائيات من بينها "صناع الحياة" داعياً فيه الشباب العربي والمسلم إلى العمل والمشاركة في مشروعات تنهض بالبلاد العربية نحو التقدم، مقدماً العديد من الاقتراحات والمشروعات التي يمكن للشباب المشاركة فيها، ثم قدم برنامج "ونلقى الأحبة" وهو برنامج تلفزيوني كان يتناول فيه حياة الصحابة.

في ذروة  نجاحه تلك قرر العودة إلى القاهرة في تحرك فسره البعض على أنه صفقة بينه وبين الحكومة المصرية من أجل تحسين صورتها أمام العالم أثناء الانتخابات المصرية، رغم أنه نفى كل ذلك. 

وفي أيار/ مايو عام 2009 أصدر نظام مبارك قرارا بمنعه من بث برامجه من مصر وعدم عرضها على القنوات الفضائية المصرية كقناة "المحور" و"الحياة". وفي الشهر التالي تم إبعاده عن مصر للمرة الثانية، وتضاربت الأنباء بشأن ما قيل عن قرار مصري غير معلن أجبره على الرحيل، ومنعه من تصوير برامجه داخل البلاد، وأشارت تقارير صحفية وقتها إلى أنه رحل إلى لندن في رحلة طويلة.

 نقل عنه تأكيده عدم تلقيه أي تعليمات أو استدعاء رسمي من جهات أمنية لإجباره على مغادرة مصر إلى لندن، لكن الوقائع تشير إلى عكس ذلك، ولفهم لماذا غادر عمرو خالد مصر مكرها؟ من المهم أن نعود بالذاكرة إلى الوراء قليلا.

إذ ترجع بدايات المشكلة بينه وبين النظام بعد إعلانه عن مشروع "إنسان" الذي طلب فيه 35 ألف متطوع لمساعدة  7 ألاف أسرة فقيرة داخل مصر، وامتد المشروع إلى عدة دول عربية مثل اليمن والأردن والسودان، وهو ما اصطدم بمشروع الحزب الوطني الحاكم، وأعلن في بيان مفاجئ توقف المشروع في مصر فقط، كما تفاقم الخلاف بسبب نيته عرض قصة موسى في الجزء الثاني من برنامجه قصص القران الذي يشير فيه إلى تحدي النبي موسى للفرعون، وطرحه موضوع القصة للنقاش حول الفكرة في منتدى موقعه الإلكتروني جاءت معظم التعليقات في سياق ربط قصة موسى بالواقع المصري تحت حكم نظام مبارك.

  تعرض لانتقادات بسبب حصوله على أموال مقابل قيامه بالدعوة، إلا أن عمرو خالد قال إنه لا يتقاضى أموالا عن البرامج الدينية التي يقدمها، ولكن يتقاضى أموالاً من قناة "اقرأ" عن وظيفة إدارية يقوم بها في القناة ولا يتقاضى أي مبالغ عن المحاضرات التي يقيمها في الساحة أو المشاركات في المؤتمرات أو الندوات الدينية. 

وقد ذكرت مجلة "فوربز العربية" أن صافي دخل عمرو خالد في عام 2007 بلغ مليونين ونصف مليون دولار، وهو ما نفاه عمرو خالد قائلاً: "إن هذا الرقم هو رقم الإعلانات التي تعرض داخل برنامجه ولا يجني منها شيئا" وهو "تحريف من المجلة" حسب قوله.

 تعرض لانتقادات من قبل علماء دين ودعاة نتيجة لما يعتبرونه أخطاء جسيمة في المعلومات في محاضراته، وقد تم نشر هذه الانتقادات في كتب ومقالات وتسجيلات صوتية وتصريحات صحافية، ووافق خالد على تشكيل لجنة من العلماء لمراجعة الإصدارات السابقة له وتنقيحها.

بل إن النظام الجديد أمعن في إقصائه فقد استبعد التشكيل الجديد لمجلس أمناء جمعية "صناع الحياة"  عمرو خالد مؤسس الجمعية، وصاحب فكرتها، في مقابل إسناد مقعده إلى اللواء محمد عبد السلام المحجوب وكيل جهاز المخابرات المصري، ووزير التنمية المحلية، ومحافظ الإسكندرية الأسبق.

ويبدو خالد منفصلا عن الواقع، ولم يتبق سوى إطلاق رصاصة الرحمة على مسيرته السابقة بالكامل، وهو يعيش ما يشبه الموت البطيء فالإعلام في عهد النظام الجديد لا يثق فيه ويقولون إنه جاسوس لصالح "الإخوان".

وكما شهدت السنوات التي سبقت ثورة 25 يناير بزوغ نجمه، فقد كانت الفترة التي تلت الثورة وسقوط نظام مبارك على عكسها تماما، فقد بدأ نجمه بأفول، وتراجعت شعبيته إلى أرقام قياسية على خلفية صمته عن قتل المئات من الذين سقطوا في رابعة العدوية وميدان النهضة وعربات الترحيل، وتأييده لإباحة دماء بعض المصريين، وكانت الصدمة عنده أن الطرف الآخر لم يعامله كما اشتهى.