كتاب عربي 21

سيناء.. ما يعرفه الجميع وينكره الجميع

1300x600
(هكذا قالوا)

"لا يوجد اليوم متر واحد داخل سيناء غير مسيطر عليه سيطرة كاملة من الدولة والقوات المسلحة. مناطق الشيخ زويد والمهدية وصلاح الدين كانت ملجأ وملاذا للهاربين من الأنفاق والإرهابيين والخارجين على القانون، وكانت لهم هيمنة فى فترة من الفترات على هذه المناطق جغرافياً، وهذه الهيمنة الآن انتهت تماماً، وأتحدى أي شخص يقول عكس ذلك".

(اللواء سامح سيف اليزل، المتحدث غير الرسمي باسم الدولة المصرية، في حوار مع "المصري اليوم" بتاريخ 8 يناير 2015)

(هكذا حدث)

8 أشخاص ينتمون لجماعة أنصار بيت المقدس ينصبون كمينا على الطريق الرئيس بمنطقة الشلاق جنوب رفح حاملين أسلحة الجرينوف والآر بي جي، ويخطفون النقيب أيمن الدسوقي الذي يعمل في معبر رفح البري من سيارته، قبل أن تعلن الأجهزة الأمنية العثور على جثته في اليوم التالي.

(خبر نشرته جميع الصحف المصرية بتاريخ 11 يناير 2015)

(تفكيك)

1- "الجبال لكم والأسفلت لنا"، اتفاق غير معلن أبرمته وزارة الداخلية مع البدو منذ تولي حبيب العادلي وزارة الداخلية، كانت الدولة تريد أن تبدو شبه جزيرة سيناء آمنة بما يشجع على ازدهار السياحة في شرم الشيخ وطابا وبقية المناطق السياحية، وهو ما تحقق بالفعل، فعاشت سيناء عِقدا من الهدوء لم تعكره التفجيرات المتفرقة التي شهدتها المنطقة في 2004 و2005، لكن هناك في الجبال كانت دولة أخرى تتشكل بسلاحها واقتصادها وقوانينها وتجارتها غير المشروعة.

في الأيام الأولى للثورة حاول تجار السلاح استغلال حالة الانفلات الأمني وتحركوا بشحنة أسلحة كبيرة على طريق رئيسي لكنهم فوجئوا بكمين كبير للشرطة، والجيش صادر الشحنة وقبض على قائد السيارة، حاول التجار استرداد الشحنة دون جدوى فاختطفوا سيارة شرطة كانت تُقل 3 ضباط وأمينًا، وساوموا الأمن لتسليمهم الشحنة مقابل إعادة الضباط، وبعد فترة طويلة من المفاوضات انتهت برفض المبادلة قتل الخاطفون الرهائن ورد الأمن بدك مناطق واسعة في شمال ووسط سيناء يُعتقد أن الخاطفين كانوا قد أخفوا الضباط فيها، ومن هنا بدأ الثأر بين الطرفين، أمن يضرب بشكل عشوائي في الغالب، وبدو يردون باستهداف رجال الشرطة والجيش، وكلما زاد الضحايا تراكم الثأر ودخلت فيه أطراف جديدة.

 هذه الرواية التي أكدتها لي مصادر بدوية ونفتها مصادر أمنية ولم يتسن التحقق منها من مصادر مستقلة، لكن أصحابها يؤكدونها بشكل قاطع، ويؤكدون أيضا أن الضباط المختطفين هم أنفسهم الضباط الذين أُعلن عن اختفائهم في سيناء عام 2011 ولم يعودوا إلى الآن، ويشددون كذلك على أن عدد المتطرفين قليل للغاية لكنهم مدعومون بأصحاب الثأر الذين فقدوا أقرباءهم بالقتل أو الاعتقال في الضربات الأمنية المتتالية.

2- كان اتفاق الدولة مع شيوخ قبائل البدو يعني اتفاقها مع البدو جميعًا، الآن اختلف الأمر.

 لم يعد شيوخ القبائل في سيناء يحظون بنفس الاحترام ويملكون نفس التأثير، أصبح الكثيرون منهم بين شقي رحى، شباب يرونهم متساهلين في الحقوق والدماء، ودولة تراهم يؤوون الهاربين والإرهابيين، لذلك صار الشباب لا يلتزمون باتفاقات شيوخ قبائلهم حتى لو لم يجاهروا بذلك، وصارت الدولة تقصف وتقتح معاقل القبائل دون استئذان الشيوخ.

 "يجب أن تتغير كثير من القوانين العرفية"، قالها مواطن بدوي لي شارحًا، أن القوانين العرفية عند البدو تمنع شيخ القبيلة من تسليم أحد أبناء قبيلته إلى السلطات ما دام قد لجأ إليه، وعليه صار هؤلاء يجلبون الأذى على قبائلهم كاملة، لكنه استدرك مانحا العذر للشيوخ بسبب اضطرارهم للحفاظ على قوانين وعادات ورثوها من السابقين ولا يريدون أن يُتهموا بتضييعها.

 تحاول الدولة إحياء دور شيوخ القبائل من جديد بعدما أدركت أن عودتهم إلى سابق هيبتهم وتأثيرهم تعني حل الكثير من الخيوط المتشابكة، فباتت تعقد معهم اجتماعات دورية بل إن محافظ جنوب سيناء قرر مؤخرا رفع راتب شيخ القبيلة إلى 4 آلاف جنيه.

 لكن ما لا تدركه الدولة أن الأوان قد فات، وأن العجلة لن تعود إلى الوراء، بعدما تحول ولاء كثير من الشباب بالفعل من شيخ القبيلة إلى أمير الجماعة وأمراء الانتقام والثأر، وأن أبناء القبائل الذين خطفتهم الجماعات المسلحة وقطعت رؤوسهم لم يكونوا ليصلوا إلى يديها دون مساعدة مخلصة من أبناء في نفس القبيلة يكفّرون من يتعامل مع الأمن ويهدرون دمه حتى لو كان ذا قربى.

3- في طريقنا إلى معبر رفح لتسليم بعض المعونات إلى أهالي غزة أثناء الضربة الإسرائيلية الأخيرة، توقفنا لعدة ساعات في كمين "بالوظة" بعدما رفضت قوات الجيش السماح لنا باستكمال الرحلة، وبينما كانت المناقشات ساخنة بين أفراد القافلة وقيادات الكمين تجولت في المنطقة لأدرك الواقع المخيف الذي تعيشه قوات الشرطة والجيش في سيناء.

 لا يختلف كمين بالوظة الواقع في منطقة ملتهبة في مدخل محافظة شمال سيناء عن أي كمين تقابله في سيرك على كورنيش النيل أو شوارع القاهرة والجيزة، فقط بعض الحواجز الحديدة ومدرعة تختفي خلف أجولة كثيرة من الرمال وعدد من الجنود والضباط لا يتجاوز أصابع اليدين.

 في الخلفية كان المشهد أكثر من مخيف، مساحة مفتوحة من الرمال والكثبان الرملية لا يوقفها إلا جبل على مرمى البصر في كل اتجاه، تتوقع أن يأتي الخطر من أي اتجاه وأن يصل أي إرهابي حتى باب الكمين دون مضايقة من أي نوع.

 بقدر ما كان غضبي من منع القافلة، بقدر ما كان تعاطفي معهم بعدما تركناهم، نظرت من زجاج السيارة الخلفي والكمين يبتعد شيئا فشيئا والشمس تستعد للرحيل، وهذا يعني بالنسبة لهم ليلة جديدة في صراعهم اليومي مع المجهول.

 سألت مصدرا أمنيا عن إمكانية رفع كفاءة الأكمنة في سيناء وكيفية تأمينها لتصبح مؤهلة للتعامل مع المخاطر المتراكمة كمان، سرد أكثر من 10 طرق كلها جاهزة للتطبيق وكفيلة بتقليل المخاطر بدءا من إقامة أسوار على مسافة مناسبة من الكمين مرورا بنشر كاميرات المراقبة الليلية وصولا إلى رفع كفاءة الأسلحة وتدريب المجندين على التعامل مع المواقف الطارئة.

 الأزمة تكمن في المخصصات المالية الكبيرة لشراء وإقامة وسائل التأمين، بينما لدى القيادات الأمنية ولدى الدولة أولويات أخرى للإنفاق.

4- صراع الأجهزة محتدم في سيناء ويضر فعليا بكل جهود مكافحة الإرهاب، وهناك حكايات كثيرة عن الأجهزة التي تحجب معلومات عن أجهزة أخرى لتُظهر فشلها وتثبت للسلطة أنها أهم من غيرها.

 هذه الحكايات تُعرَف ولا تُكتَب، لأن الدولة تعرفها جيدًا وتعجز عن وقفها، ولأن ضرر الخوض في تفاصيلها أكثر من نفعه.

5- الأمر في سيناء أكبر بكثير من القشور، دعك من قمة جبل الجليد التي تخدعك وانظر دوما لما هو أعمق وأخفى.

 ستُغلق الأنفاق الآن لكنك لن تُحاسب من سمح بوجودها سابقًا، ولا من أغلق معبرا شرعيا يمكن مراقبته ليجعل البديل أنفاقًا لا يمكن التحكم فيها، ولن ينفي ذلك أيضا أن الأسلحة باتت تملأ كل شبر في سيناء بالفعل.

 يقولون إن نظام مبارك هو من بدأ الأزمة في سيناء حين لجأ للحل الأمني فهمّش البدو وحاصرهم وأصدر بحق المئات منهم قرارات اعتقال بتهم ملفقة ففروا إلى الجبال ونزلوا منها يحملون السلاح ويعادون الدولة، ويتجاهلون أنهم يقعون في الفخ نفسه بإيقاع أسرع.

 يبحث الجميع عن حلول جديدة، لكن الحلول الجديدة لا تأتي من سلطة قديمة، سلطة تقول إنها جاءت لمنع تقسيم مصر، بينما تسير هي في هذا الطريق بكل حماس.