كتاب عربي 21

سينما تنظيم الدولة الإسلامية وأفلام هوليوود الأمريكية

1300x600
عندما أصدرت مؤسسة الفرقان الإعلامية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية فيلمها الأخير تحت عنوان "شفاء الصدور" في 3 شباط/ فبراير 2015، والذي يتضمن عملية إعدام الأسير الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا بطريقة مشهدية مروعة، شهد العالم موجة عارمة من حملات الإدانة والاستنكار والاستغراب، إلا أن العالم تملكته في ذات الوقت مشاعر الدهشة والإعجاب والانبهار بالقدرات الفنية والخبرات الاحترافية التي بلغها التنظيم في إصدار منتجاته الفيلمية من حيث الشكل والمضمون. 

لا شك بأن تنظيم الدولة الإسلامية منظمة سياسية عسكرية ذات أيديولوجية شمولية تهدف إلى السيطرة والتوسع، وتقدم نفسها ممثلا لإسلام سني ممتهن يقاوم الإمبريالية والدكتاتورية، إلا أنها تستنسخ ذات الوسائل والأدوات لتحقيق أهدافها الكونية. وعلى الرغم من إصرارها على تصوير ذاتها كحركة سلفية تسعى إلى إعادة الدين كحاكم للمجتمع والدولة وتطهيره من كافة البدع والمحدثات التي لحقت به عبر الزمان، إلا أنها تتلبس بالحداثة التقنية الآلية وتستلهم الأطر الفاشية في تكوينها العسكري وجهازها البيروقراطي وبنائها الدعائي.

فقد تطور التنظيم من شبكة الزرقاوي إلى خلافة أبي بكر البغدادي مرورا بدولة أبي عمر البغدادي، من تنظيم سلفي جهادي إلى منظمة عسكرية بالغة التعقيد، تستند إلى بنى تقليدية وأخرى حداثية، وكسائر الأنظمة "التوتاليتارية" تعتمد على أجهزة أمنية لضبط أمن المناطق التي تقع تحت سيطرتها وحكمها، وجهاز بيروقراطي يسيّر شؤون ولاياتها، ومؤسسة عسكرية لتأمين حدودها وتوسيع نفوذها، وأجهزة دعاية تقوم بالترويج لأيديولوجيتها وتقوم بنشر دعاية ترسخ صورة أساسية للمنظمة تستند إلى إقناع الجمهور باستحالة هزيمتها، من خلال إنتاج أفلام سينما تعيد إنتاج الواقع وتقدم صورة لأبطال من العوالم الافتراضية، وكما هي صورة "البطل" الأمريكي في عوالم هوليوود الذي لا يهزم، يقدم تنظيم الدولة صورة لأبطاله "المجاهدين".

يتمتع الإعلام بأهمية فائقة داخل هيكلية تنظيم الدولة الإسلامية، وهو من أكثر التنظيمات الجهادية اهتماما بإنتاج الأفلام وبثها عبر شبكة الإنترنت، فقد أدرك التنظيم منذ فترة مبكرة الأهمية الاستثنائية للصورة وقدرتها على إيصال رسالته السياسية ونشر أيديولوجيته الجهادية، وإذا كان مفهوم "الجهاد الإلكتروني" ركنا أساسيا في تاريخ التنظيم منذ تأسيس جماعة "التوحيد والجهاد"، ثم القاعدة في بلاد الرافدين، وفي حقبة "دولة العراق الإسلامية" عام 2006، فقد باتت الصورة في عهد أبي بكر البغدادي تتفوق على الكلمات، وأصبحت المؤسسات الإعلامية لتنظيم الدولة الإسلامية اليوم هيئة موسعة بقيادة أبي الأثير عمرو العبسي، ومجموعة من العرب والأجانب ومن أهمهم أحمد أبو سمرة.

شهدت الهيئة الإعلامية لتنظيم الدولة تطورا كبيرا بالشكل والمحتوى، وتتمتع بدعم وإسناد كبير، وتعتبر مؤسسة "الفرقان" الإعلامية الأقدم والأهم، وقد ظهرت مؤخرا مؤسسات إعلامية عديدة تتبع التنظيم، مثل: مؤسسة "الاعتصام" ومركز "الحياة"، ومؤسسة أعماق، ومؤسسة البتار، ومؤسسة دابق الأعلامية، ومؤسسة الخلافة، ومؤسسة أجناد للإنتاج الإعلامي، ومؤسسة، والغرباء للإعلام، ومؤسسة الاسراء للإنتاج الاعلامي، ومؤسسة الصقيل، ومؤسسة الوفاء، ومجموعة من الوكالات التي تتبع الولايات والمناطق التي تسيطر عليها، كوكالة أنباء "البركة" و"الخير" وغيرها. كما أنه صدر عدد من المجلات بالعربية والإنجليزية أمثال: "دابق" و"الشامخة"، وأنشأت الهيئة إذاعات محلية، مثل إذاعة "البيان" في مدينة الموصل في العراق، وإذاعة أخرى في مدينة الرقة في سورية، وهو على وشك إطلاق قناة الخلافة التلفزيونية.

تؤكد الأفلام التي تصدرها المؤسسات الإعلامية التابعة للتنظيم كـ"الفرقان" و"الاعتصام"، و"الحياة" على التحول الكبير في بنيته وقدراته الفنية الاحترافية، ويسعى التنظيم إلى تثبيت صورة الجهادي الذي لايقهر، ويحرص على تصوير تكتيكاته القتالية العنيفة، وإظهار مهارات مقاتليه المرعبة، فقد أصدر سلسلة من الأفلام المتقنة، أطلق عليها "صليل الصوارم"، بدءا من صليل الصوارم (1) تموز/ يوليو 2012، وصليل الصوارم (2) آب/ أغسطس 2012، وصليل الصوارم (3) كانون ثاني/ يناير 2012، ثم صليل الصوارم (4) أيار/ مايو 2014. وبعد سيطرة التنظيم على الموصل في 10حزيران/ يونيو 2014، قام بنشر سلسلة من الأشرطة الترهيبية تختص بعمليات "قطع الرؤوس"، بدأها بشريط مصور بعنوان "رسالة إلى أمريكا"، يقوم فيه عضو ينتمي إلى التنظيم بقطع رأس رهينة أميركي يُدعى جيمس فولي، ثم قام التنظيم بعد أيام قليلة في 2 أيلول/ سبتمبر 2014، بنشر شريط آخر يحمل العنوان نفسه يتضمن قطع رأس رهينة أميركي ثانٍ يدعى ستيفن سوتلوف، وكلا الرهينتين صحافيين أميركيين، ثم بث التنظيم شريطا مصورا آخر بعنون "رسالة إلى حلفاء أمريكا" في 14 أيلول/ سبتمبر 2014، يقوم فيه أعضاؤه بقطع رأس رهينة بريطاني لدى التنظيم، يدعى ديفيد هينز، وفي 3 تشرين أول/ أكتوبر بث التنظيم شريطا يقوم فيه بقطع رأس رهينة بريطاني آخر يدعى ألن هينينغ، وفي 16تشرين الثاني/نوفمبر 2014 بث التنظيم شريطا يقوم فيه بقطع رأس رهينة أميركي يدعى بيتر كاسيغ، وفي 27 كانون ثاني/ يناير 2015بث التنظيم شريطا بصوت الرهينة الياباني كينجي غوتو يبين فيه تنفيذ عملية قطع رأس هارونا يوكاوا، ثم أتبعه بشريط يقوم فيه التنظيم بقطع رأس الرهينة الياباني كينجي غوتو في 30 كانون الثاني/ يناير 2015.

ومن أهم الأفلام التي ترسخ صورة التنظيم المرعبة سلسلة من الأفلام بعنوان: "رسائل من أرض الملاحم"؛ وهي سلسلة توثق انجازات وعمليات التنظيم تصدر تباعا بلغت حتى الآن (50) إصداراً، وكذلك سلسلة إصدارات بعنوان: "فشرد بهم من خلفهم"، ويغطي الجزء الأول معركة تحرير اللواء 93 في ولاية الرقة السورية بتاريخ 23 آب/ أغسطس 2014، والجزء الثاني يغطي معركة تحرير مطار الطبقة في ولاية الرقة السورية بتاريخ 7 أيلول/ سبتمبر 2014. وهنالك فيلم "على منهاج النبوة"، بتاريخ 28 تموز/ يوليو 2014. ويعتبر فلم "لهيب الحرب"، من أضخم الأفلام وأكثرها دقة ورعبا، ويتضمن تغطية لمعارك عديدة لتنظيم الدولة ورسالة موجهة لدول التحالف المشاركة في الحملة على التنظيم، وقد أصدره الجناح الإعلامي التابع للتنظيم الخاص باللغة الإنجليزية "مركز الحياة"، بتاريخ 17 أيلول/ سبتمير 2014. 

تهدف الأفلام التي يصدرها التنظيم إلى خلق صورة مرعبة تتجاوز قدرات التنظيم الحقيقية، وتحاكي الأفلام الأمريكية المنتجة في هوليوود، إذ يقوم التنظيم باستنساخ ذات الأهداف ولكن من خلال تصوير مشاهد حيّة لأبطاله على خلاف أفلام هوليوود المتخيلة، فالأفلام الأمريكية تقدم صورة للبطل الأمريكي الخارق كأسطورة البطل المخلص "رامبو" ومن هم على شاكلته من أبطال هوليوود، أمثال: طرزانات "جوني ويسملر" ورعاة البقر "جون واين" ورجال الشرطة "كلينت إيستوود" في سلسلة المفتش هاري، وملاكمون خارقون كسيلفستر ستالوني في دور روكي، ورجال عصابات همفري بوجارت، وقد دأبت السينما الأمريكية منذ نشأتها على ابتكار سلسلة من الأبطال من خلال صنع النجوم وذلك بهدف تمرير أفكارها وإيديولوجيتها وتصوراتها عن العالم من خلالهم، والعمل دوماً من خلال الأفلام السينمائية على خلق نوع من التماهي أو التطابق التام بين المتفرج من جهة والبطل من جهة أخرى، فالبطل يحقق أحلام المتفرج على الشاشة، ذلك الذي ينتقم لهزيمة الأمريكان في فيتنام ويسافر لكي يخلص أسراهم من الجنود في الحبس في الأدغال، وينتصر على الإرهابيين المفترضين في كل مكان. 

صناعة الأفلام لدى تنظيم الدولة تتشابه مع الحالة الأمريكية؛ فكلما تعرض التنظيم لانتكاسة أو هزيمة عمل على إنتاج صورة تعويضية، كما هو الحال في هوليوود كلما تعرضت أمريكا لأزمة، أو خرجت من حرب مهزومة، سارعت إلى صناعة "بطل" أمريكي جديد في مواجهة عدو داخلي أو خارجي، لكي ينتقم لجرحها ويخفف من ألمها، ويقضى على أعدائها، ويطهر العالم من شرورهم، فقد ابتكرت هوليوود طوال تاريخها جملة من أفلام الكاوبوي التي كانت في أغلبها تمجد أعمال الرواد الأمريكيين الأوائل، وكانت أمريكا ما زالت وقتها أرضاً عذراء تدعو إلى الفتح والغزو فتحكي عن بطولاتهم وفتوحاتهم وتبرر في ذات الوقت المذابح التي ارتكبوها بحق الهنود الحمر من سكان البلاد الأصليين في محاولة لإخفاء خطيئة أمريكا الأصلية، وخطيئة المجتمع الأمريكي الجديد الذي قام على أشلاء وأنقاض المجتمع الأصلي، وخطيئة سياسة التطهير العرقي الذي مارسته أمريكا بحق الهنود الحمر، الأمر الذي يتكرر مع سائر الشخصيات، فاختراع البطل "رامبو" عبر سلسلة من الأفلام الحربية كان سلاحاً في حرب البروبوغندا الباردة، حيث تنتقم من خلالها أمريكا الجريحة المهزومة، وتعيد الاعتبار إلى سمعتها وهيبتها. 

خلاصة الأمر أن الأفلام التي ينتجها تنظيم الدولة الإسلامية تقع في صلب الحرب النفسية الإعلامية، وهي ركن أساس في ترسيخ الإيديولوجية الجهادية، وهي تحاكي هوليوود في رسم صورة أمريكا وبناء أيديولوجيتها المتفوقة وأبطالها الخارقين، إلا أن الأفلام التي تنتجها الدولة الإسلامية على خلاف هوليوود الأمريكية الحقيقية، وهي تتمتع بحالة من العنف النقي في أشد صوره فجاجة، وإذا كان الأثر النفسي للأفلام الأمريكية على المشاهدين مؤقتا وممتعا، فإن الأثر النفسي لأفلام تنظيم الدولة دائم وصادم، وهي تحقق نسب مشاهدة عالية جدا رغم حظرها، وتجتذب فئة الشباب بصورة لافتة.