مقالات مختارة

«صحوجي» لا تصير ومن «الدولة الإسلامية» لا تخاف… والموصل ترحب بكم!

1300x600
الاتصال بالموصل ليس يسيرا، ساعة او اثنتين يتوفر فيها الانترنت كل بضعة أيام، البارحة حدثني صديق من الموصل، هو مهندس وكان زميلا من أيام الجامعة بدأ صديقنا بالعتب على وسائل الإعلام وأنها تنشر «اكاذيب» عن تنظيم الدولة في محاولة لشيطنته لاسباب سياسية. قلت له صحيح ان هناك اخبارا كثيرة ملفقة، لكن من يقتل 20 مدنيا مصريا بطريقة وحشية لانهم اقباط فهذا عليه ان يتوقع ان عوام الناس ستصدق اي شيء غريب يروج عنه لاحقا، لانه ينطبق عليه في هذه الحالة مقولة «الجسم اللبيس»، حتى لو كان خصومه من الميليشيات والشبيحة اكثر وحشية منه بدرجات وبالارقام .. لان صورة قتل انسان واحد بريء تترك تأثيرا بالغا عند عوام الناس البسطاء، أكثر من الرقم حتى لو كان خمسين انسانا مدنيا واطفالا مزقوا اشلاء ببرميل في حلب او صاروخ طائرة في الموصل، ولم يتم تصويرهم.. هذا لو افترضنا مشاهدا محايدا.

قال صديقنا انه يتحدث عما يحصل هنا في الموصل ويراه بعينه.. ويتم نقله بطريقة مجتزأة او مزيفة.. فقلت له هات ما عندك، ولكن لا تحدثني عن أمور نعرفها مثل ان الناس بالموصل فضلت التنظيم المتشدد على الميليشيات الطائفية، فهذه أقر بها حتى محافظ الموصل النجيفي.

طلبت منه ان يحدثني عن تفاصيل جديدة في طريقة ادارة التنظيم لشؤون الناس، مفترضا ان شهادته قد لا تكون محايدة، لكنني قلت له.. سمعنا الكثير من خصوم التنظيم، دعونا نسمع من المقربين منهم إن كان هو منهم. 

يصر صديقنا على أنه محايد وعلمي في طرحه.. ويذكرني بأنه كان ايام الدراسة مهندسا نجيبا، على عكسي تماما.. يتقطع الانترنت لدقائق.. ثم يعود صديقنا ليقول لقد قطعت الكهرباء من المولـــدة الكهربائية الرئيسية، والآن جاء وقت المولدة الصغيرة المنزلية، وبعدها بطارية السيارة. 

يسارع بالبدء بحديثه قائلا: «شوف .. هناك في الموصل ثلاثة اصناف ممن يكرهون تنظيم الدولة.. الاول هم ممن ينتمون لعائلات مرتبطة بالاحزاب الموالية للحكومة، او احزاب سنية منافسة كالحزب الاسلامي الاخوان المسلمين، ومنتمي التيار الصوفي الذين يعادون السلفيين منذ قرون، وهذا الصنف عنده عداء اصيل مع التنظيم لذلك معظمهم غادر المدينة، اما الصنفان الاخران فمعظمهم بقي في المدينة وهما من الذين خسروا ماليا، كالتجار الذين تضرروا، أو الموظفين الذين انقطعت رواتبهم، او هم من طبقات غير محافظة دينيا، وهم يعترضون على نمط الحياة المتشدد كالنقاب ومنع التدخين وتطبيق الحدود، لكن رغم ذلك فهؤلاء يقرون بان مجرد حفظ كرامتهم وامنهم وحياتهم من عبث السلطة الحكومية هو اهم». أقاطعه بالقول «يعني اللايف اهم من الستايل لايف».. يحيبني تماما.. ويكمل «حتى هؤلاء من الصنفين الاخيرين المتضررين من نمط الحياة المتشدد لا يخفون اعجابهم بحالة الامن المجتمعي، فلا حوادث قتل او تفجيرات او اغتيال كما كان يحدث يوميا، ولا حواحز كونكريتية ضخمة تفصل بين الاحياء وتقسم المدينة لكانتونات بحيث الدخول والخروج منها يتطلب ساعات عند نقاط تفتتيش لقوات طائفية  تتحرش بنسائهم عند نقاط التفتيش، كما ان نظام القضاء والمحاكم هنا في الموصل بات مطمئنا لمعظم الناس على عكس ايام سيطرة حكومة بغداد التي دأبت على نشر اشاعات مضحكة  لتخــويف الناس هنا في الموصل من تنظيم الدولة».   

يضيف صديقنا منهيا حديثه عن هذا الجانب بالقول «باختصار، يقولون هنا بالموصل.. صحوجي لا تصير ومن الدولة لاسلامية لا تخاف»، في اشارة الى قوات الصحوات المرتبطة بالحكومة التي تقاتل تنظيم الدولة.

يختفي الصديق فجأة ثم يعود بعد دقائق ليقول ان الانترنت هذه المرة قطع وليست الكهرباء.. لانهم يحصلون على الانترنت من موصلات تأتي من كركوك.. ويعود ليواصل حديثه «عدد الفقراء كبير في الموصل، لكن الدولة الاسلامية هنا تصرف عشرات الملايين شهريا للفقراء من «ديوان الزكاة».. يعطون لكل عائلة فقيرة خمسين الف دينار شهريا، رغم انها دولة حرب.. كما ان هناك فقرة مهمة، وهم اللاجئون من المحافظات السنية، فلا توجد عائلة نازحة تسكن في خيمة في الموصل ولا في سنجار وتلعفر ولا القيارة، كل النازحين يسكنون في بيوت خصصها التنظيم لهم، في مساكن إيجار.. أو مساكن اخذت من الشيعة كما في قرى بالجزيرة… أو أملاك من اتهموا بالعمالة للحكومة… حتى في إحدى باحات مركز شرطة هناك مهجرون…لكن لا توجد خيم» .

اسأل صديقنا عن أسعار السلع الاساسية فيجيب «الدولة الاسلامية توزع مشتقات الوقود والغاز على الفقراء، خاصة في الجانب الأيمن من المدينة بسعر مناسب، يعني مثلاً بـ5000 دينار قنينة الغاز، مقارنة بسعرها في السوق 45 الف دينار.. اما الجانب الايسر من الموصل فأغلبه ميسورو الحال وموظفون… أما بالنسبة للمواد الغذائية فالموصل اكتفت بزراعتها… أصبحت الخضراوات والفواكه أرخص، بسبب عدم تصديرها للجنوب.. اضافة لزراعة الحنطة والشعير. المدينة مكتفية من مادة «الطحين»، لكن اكبر مشكلة في المدينة الان هي «الكهرباء» حكومة بغداد والاكراد قطعوا الكهرباء عن المدن السنية بعد سيطرة التنظيم على الموصل… تم قطع الكهرباء عن الموصل المزود أغلبه من محطة تازة ومن سد الموصل، لذا تم الاعتماد على تشغيل مشاريع المياه والمستشفيات وشوارع المدينة في الليل وبعض الدوائر الخدمية… اما الكهرباء للبيوت فمن المولدات الاهلية»….

وقبل ان تقطع مولدته الكهربائية قلت لصديقي يبدو انك تحبهم لدرجة انك قد تكون بايعت التنظيم.. فرد علي «انت تعرف انني من عائلة ناصرية قومية ولسنا اسلاميين، لقد تغيرنا الان صحيح، واصبح احد اخوتي متدينا، لكن ما اقوله هو معلومات عن الخدمات والاسعار يعرفها كل اهالي الموصل، وليست آراء، فكل اهالي الموصل لا يختلفون مثلا على سعر قنينة الغاز، ويرون عمال التنظيف في شوارع الموصل لانني علمت ان بلدية الموصل تعاقدت مع مقاول. وطبعا حسبما هو معروف فقد ابقى تنظيم الدولة على معظم الموظفين السابقين في المؤسسات». 

لكن ماذا عن التعليم، سمعنا انهم الغوا مناهج الكيمياء ومنعوا البنات من الذهاب للجامعة، طبعا اعرف ان هذا الكلام كان من ضمن حملة الاخبار الملفقة، لكني اردت الايضاح من صديقنا بالموصل.. فأجابني: «المدارس ما زالت تعمل… الامتحانات بدأت قبل أيام… المواد التي ألغيت هي المنافية للشريعة الاسلامية بنظر تنظيم الدولة، وهي التي تمجد الشرطة والجيش كمادة الوطنية… وفي الجامعات فان مواد الانكليزية والكيمياء والفيزياء والرياضيات والعلوم والاحياء وكل المواد العلمية لم تلغ اطلاقا، هذه كانت من الاخبار التي اضحكتنا هنا بالموصل، هذه المواد ما زالت تدرس في الجامعات… لكن تم الغاء تخصص الهندسة للطالبات.. وتقرر تحويل كل طالبات الهندسة الى كلية «الطب»، وكما تم الغاء تخصص المعهد التقني والكهربائي للطالبات وتحويلهن الى المعهد الطبي… بالنسبة لتنظيم الدولة دراسة الطب اهم شيء الان… كما تم الابقاء على كليات تدريب المعلمات والمدرسات.. كتربية البنات ومعاهد المعلمات.. لكن هذه السنة قد لا يكون هناك مواصلة لدوام الجامعات لعدم اكتمال التحضيرات.. لكن امتحانات الادوار الثانية والثالثة استمرت كذلك القبولات، المعاهد الشرعية انتشرت بكثافة في المدينة والشيوخ الذين يعلمون فيها هم أئمة السلفية في المدينة، خاصة ان الحسبة وديوان المساجد اصبحت تدار من قبل شيوخ المدينة، شيوخ الموصل وليس بالضرورة تنظيم الدولة، هناك اقبال واضح على المعاهد الشرعية.. جيل جديد كامل بدأ يخرج من هذه المعاهد».

وماذا عن التجارة.. يكمل الحديث وما زلت اترقب انقطاع الكهرباء او انقطاع اتصالي به بسبب الانترنت «بالنسبة للتجارة… حرية التجارة موجودة في المدينة…مع وجود رقابة شديدة على التجار، اكثر المنزعجين من حكم الدولة الاسلامية هم تجار الذهب والصاغة، بسبب الرقابة الشديدة عليهم، فقد اصدرت قرارات ضد من يغش الناس منهم… مثلاً أن كل من يبيع ذهب على أنه عيار «21 مثلاً ويظهر أنه ليس كذلك تتم مصادرة كل الذهب في محله».

وهنا في الموصل بعض الصاغة ومنذ زمن طويل اعتادوا على بيع الذهب بمواصفات غير حقيقية.. وبعض تجار الذهب يقولون إن هذا شيء عادي ودارج.

اما اغلب التجار فقد اتجه الى تجارة النفط… عمل مصافي صغيرة او «حراقات» لتصفية الخام الى بنزين و«نفط ابيض» وشوارع المدينة امتلأت بمحطات التعبئة… مع ذلك ما زال سعر المشتقات مرتفعا، وقد تأثرت المدينة كثيراً بقطع الكهرباء خاصة في البداية.. وغلاء المشتقات النفطية.. مع مرور الوقت تعودنا.. ومعروف عن اهل الموصل تدبير أنفسهم والتعود على الظروف. 

هنا يخبرني صديقنا « المصلاوي» بان عليه الذهاب لإبدال المولدة الكهربائية لبيته، يرسل لي كلمات اخيرة «اليوم كان الهجوم على قوات البيشمركة باطراف الموصل قاسيا، والان بدأت الطائرات تحوم فوق الموصل، بس لولا القصف كان حياتنا غير، ومع ذلك فإن المصلاويين هم اهل التدبير، وقريبا سنعود آمنين لنقول للعرب جميعا.. الموصل أم الربيعين ترحب بكم».



(نقلا عن صحيفة القدس العربي)