كتاب عربي 21

براغماتية الخارجية التونسية وغضب حكومة طبرق

1300x600
أثارت تصريحات وزير الخارجية التونسي، الطيب البكوش، التي مضمونها الوقوف على مسافة واحدة من طرفي الصراع في ليبيا، جدلاً في الأوساط التونسية، وردة فعل تلبست ببعض الحدة من الحكومة المؤقتة التابعة لبرلمان طبرق.

الوزير التونسي تحدث عن فتح "مندوبيات"، بما يفهم أنه تمثيل سياسي او دبلوماسي، في كل من طرابلس والبيضاء و طبرق، الأمر الذي اعتبره برلمان طبرق وحكومته اعترافاً بحكومة الإنقاذ. 

ردود الفعل اتسمت بالحدة، ونُسب لوزير الإعلام في الحكومة المؤقتة بالبيضاء ما يشير إلى المعاملة بالمثل فيما يتعلق بالصراعات الداخلية في تونس، أو المواجهات التي تحدث هنا وهناك وآخرها أحداث "الشعانبي" في ولاية القصرين.

الخارجية التونسية، وكمسعى للتخفيف من حدة الأزمة، أوضحت على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة الشؤون الخارجية التونسية، مختار الشواشي، أن وزير الخارجية لم يذكر في أي تصريح له، كلاماً حول "الاعتراف" بحكومتين في ليبيا، ولم يستعمل البتة عبارة "اعتراف". وبرر الناطق باسم الخارجية حديث الوزير بالقول إنه لتأمين مصالح الجالية التونسية في ليبيا ومن أجل تعزيز علاقات الأخوة بين الشعبين الشقيقين، وأن التمثيل في طرابلس لن يتعدى المستوى القنصلي، وبالتالي فهو ليس تمثيلاً سياسياً. 

مما لا شك فيه أن تفسير تصريحات البكوش من الناطق باسم الخارجية، إنما هو للتهدئة وللخروج من الأزمة التي لاحت بوادرها بردة فعل الحكومة المؤقتة في البيضاء، وإلا فإن هناك ما يبرر موقف الخارجية التونسية في التعاطي مع حكومة عمر الحاسي، واعتبارها نداً لحكومة عبدالله الثني لأسباب عدة من أهمها:

أن حكم المحكمة العليا ودائرتها الدستورية هو حكم صادر من أعلى هيئة قضائية، والمنطق القانوني وما يتبعه من سياسات يفسح المجال لمن يشاء من الأطراف الإقليمية والدولية لقبوله، أو على الأقل عدم رفضه مما يعني أن الحكم أضعف شرعية البرلمان وحكومته.

عودة المؤتمر الوطني العام للمشهد جاء بدعوة من قيادة عملية فجر ليبيا، وهي القوات التي فرضت سيطرتها على العاصمة ونجحت بنسبة مقبولة في فرض الأمن في طرابلس وضواحيها، الأمر الذي لم تنجح فيه عملية الكرامة في بنغازي، فصار النفوذ السياسي والعسكري للبرلمان وحكومته محدوداً وفي نطاق ضيق، بينما نفوذ المؤتمر الوطني وحكومته أوسع بشكل كبير.

أن العديد من الأطراف الإقليمية وحتى الدولية تعاملت بدرجة من الاعتراف غير المعلن مع المؤتمر الوطني وحكومته، فالجزائر والسودان وتركيا وقطر وإيكاليا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة استقبلت وفوداً من المؤتمر الوطني والحكومة وحتى قيادة فجر ليبيا، وهناك تنسيق وتعاون على مستويات عدة، ويقع هذا لإداراك هذه الأطراف أن المؤتمر الوطني وحكومته والقوات التابعة لهما يفرضون أمر واقع على رقعة كبيرة من البلاد وهم من يشرفون على الشؤون العامة وفي مقدمتها الإدارة المالية.

هناك خصوصية لتونس ربما تبرر تطوير علاقاتها مع المؤتمر الوطني وحكومته وهي المتعلقة بالجوار والشراكة الحدودية، وحركة التجارة وانتقال العمالة والسياحة بأنواعها وفي مقدمتها العلاجية للقادمين من المنطقة الغربية، ثم هناك التهديدات الأمنية وتهريب السلاح وحركة ونشاط المجموعات الإسلامية المتشددة وعصابات التهريب. هذه الملفات هي من الأهمية بمكان ما يستدعي تنسيقاً مع القوة الحقيقة على الأرض سياسياً وهي حكومة الانقاذ، وعسكرياً وهي قوات فجر ليبيا.

هناك أيضاً دور الجزائر في الأزمة الليبية، حيث تلعب الجزائر دوراً كبيراً في احتواء الأزمة الليبية وتخلق توازناً مهماً إقليمياً، في مقابل دور يعتبره كثيرون في الداخل الليبي وفي الخارج سلبياً، وهو الدور المصري تجاه الصراع في ليبيا، ولأن تونس تنسق بشكل ملحوظ في سياستها الخارجية تجاه ليبيا مع الجزائر، فسيكون من المنطقي أن تقترب تونس خطوات لأجل إيجاد درجة من التوازن في تعاطيها مع الأطراف الليبية المتنازعة.