كتاب عربي 21

دلالات فضيحة ميشال سماحة المدوية في لبنان

1300x600

. وحين أمضى الـ18 شهرا في السجن، وخرج؛ كانت بانتظاره احتفالات امتدت من السجن إلى ضيعته، كأنما كان مناضلا وليس عميلا، وسط صمت من حزب الله، وطبعا لأن عون هو الحليف الأقرب للحزب.

كان فايز كرم عميلا لسنوات طويلة، وفي عنقه ضحايا كثيرون بلا شك، لكن الانتهازية السياسية التي يمارسها حزب الله لم تجد حرجا في تجاوز الموقف إكراما للحليف الذي لم يشعر بدوره بأدنى خجل من التهم التي وُجهت لقائد ورمز كبير من رموزه، بل دافع عنه، في موقف يثير السخرية والازدراء بكل المعايير الأخلاقية.

الأربعاء الماضي كان لبنان على موعد مع فضيحة أخرى من العيار الثقيل، ولا تقل استفزازا عن قضية فايز كرم، بل ربما كانت أسوأ، إذ أن المتهم هنا لم يتردد في الاعتراف بنواياه الإجرامية بجلب مواد متفجرة من سوريا، من أجل القيام بحملة اغتيالات لرموز سياسية ودينية؛ إسلامية ومسيحية بهدف إحداث فوضى في لبنان.

الوزير السابق ميشال سماحة هو المعني كما يعرف الجميع، وقد حصل مقابل هذه التهم التي تكفي لإعدامه، وأقله الحكم بالمؤبد.. حصل على حكم بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف، ويبدو أنها بُرمجت بحيث تكفي لكي يبقى في السجن شهورا أخرى تقل عن سنة، لأن الحساب يبدأ من لحظة توقيفه، فيما تحسب السنة بتسعة أشهر. ولا تسأل بعد ذلك عن تجاهل المحكمة لدور أحد رجالات بشار (علي مملوك) في القضية باعتراف سماحة، وإقراره أيضا بمعرفة بشار شخصيا بفصول المؤامرة.

هل ثمة وقاحة أكثر من ذلك؟ وهل يمكن للقضاء الذي يلقي بشباب من السنّة في السجون لسنوات دون محاكمة، بينما يحكم على آخرين منهم بسنوات طويلة جدا رغم أن بعضهم لم يتورط بشيء فعلي، هل يمكن له أن يكون برسم الاحترام من قبل الشرفاء في لبنان أو خارج لبنان بعد هذا الحكم، لا سيما إثر تسريب الفيديو الذي يكشف نوايا سماحة الحقيقية ومؤامرته التي كان يمكن أن تقتل وتجرح المئات؟!

يحيلنا هذا إلى قضيتين اثنتين؛ أولاهما أن حزب الله، وبسطوة السلاح، يتعامل مع لبنان كساحة من ساحات نشاط الولي الفقيه، وهو يعلنه (أي الولي الفقيه)، وليا لأمر المسلمين، بحسب تعبير نصر الله، وهنا يحق لولي الأمر أن يستخدم الأتباع حيث يشاء، فيرسلهم إلى سوريا والعراق واليمن، فضلا عن انتدابهم للتحكم بلبنان أيضا، وما قصة الرئيس الذي يعلن الحزب بلسان الحال والمقال أنه إما أن يكون هو ميشال عون أو لن يكون.. ما هي سوى دليل على ذلك.

لا وجود للدولة اللبنانية عند حزب الله، فهي مجرد ساحة لخدمة مشروع التوسع الإيراني، ومع ذلك لن تعدم موتورين يرفعون شعارات يسارية، وأحيانا قومية عربية، للمفارقة يدافعون عن ذلك كله بدعوى المقاومة والممانعة، من دون أن يقولوا لنا ماذا بقي منها بعد حرب تموز 2006؟!

القضية الأخرى تتعلق بالسنّة الذين يتحاورون ويتواصلون مع حزب الله، والذين سمعنا صراخهم بعد الحكم على ميشال سماحة، وهؤلاء يستحقون الإدانة في واقع الحال؛ إن كانوا من تيار المستقبل، أم من بعض الفعاليات الأخرى التي لا ينبغي أن تقف مكتوفة الأيدي حيال هذا التغول من الحزب على الدولة، إلى جانب الاستخفاف بالسنّة؛ ليس في لبنان وحده، بل في العالم العربي والإسلامي أيضا، مهما حاول أن يتوسل من شعارات وحدوية لا تقنع حتى الأطفال، وحتى لو أقنع بعض الأقليات الأخرى بالتعاون معه عبر تحالف الأقليات، فإن الموقف لن يتغير، ولبنان لن يكون حالة تتمرد على محيطها العربي والإسلامي.

كل هذا الاستخفاف بلبنان، وبالمكون السنّي تحديدا لن يمضي بسلام، ومسلسل الردود العنيفة سيأتي، شئنا أم أبينا، ومن سمع كلام أحمد الأسير قبل أيام، سيجد فيه نبرة استنجاد بتنظيم الدولة الذي قد يلبي النداء بطريقته المعروفة، بصرف النظر عن مواقف الآخرين، فضلا عن جبهة النصرة، وقد يتطور الموقف نحو مبادرات فردية أيضا، فهذا الإذلال الذي يمارسه الحزب لا يمكن أن يمر بسلام.

جنون الحزب، هو جزء من جنون إيران في كل المنطقة، بل هو منتج من منتجاته. وهو جنون لن يفضي إلى نجاح مشروع التمدد، بل سيعزز مسيرة الاستنزاف، وحين يتقدم المشروع جزئيا هنا وهناك، فما ذلك سوى بشرى بإطالة النزيف، وليس بقدرته على الانتصار في النهاية.