قضايا وآراء

متى نقول جهادا؟

1300x600
كتبت منذ خمسة أعوام مقالاً تساءلت فيه: متى نقول جهادا؟!

وللحق فقد كنت وقتها أخاطب الأنظمة والأمة والمؤسسات الإسلامية ظناً مني أن بعضاً منها يمكن أن يتحرك، فيقود الأمة إلى جهاد حقيقي.. وأعترف أني كنت واهماً.. 

كنت واهماً يوم أن ظننت أن هناك بقية من أمل في بعض الأنظمة الحاكمة، ويمكن لهذا البعض أن يستفيق فينهض، ولم أكن أدرك أننا بحق أمام وكلاء الاحتلال، وأعداء الأمة الذين لايملكون إعلان الجهاد إلا ضد شعوبهم.

كنت واهماً يوم أن ظننت أن الجيوش العربية يمكن أن تتحرك لإعلان الجهاد إذا طلبت الأمة منها ذلك، أو رأت اعتداء على أمن الأمة وهويتها.

ولم أكن أدرك عمق المصاب.. لم أكن أدرك أن قادة الجيوش تحولوا إلى تجار في سوق النخاسة يبيعون بلدهم لمن يدفع، وأرضهم لمن يدفع، وعرضهم لمن يدفع.

قد يعلنون الجهاد على الشعب إذا طالب بالحرية، ويقتلون الشباب إذا طالب بالعدالة الاجتماعية.

لم أدرك أن عدوهم ليس هو ذاك المحتل، الجاثم على المقدسات؛ المعتدي على الحرمات؛ المتربص بنهضة الأمة؛ المتآمر عليها، وإنما عدوهم هو ذلك الجيل المتطلع إلى نهضة الأمة، عدوهم هم هؤلاء العلماء الذين ينادون بتحرير الأقصى وفلسطين، عدوهم هو ذاك الشعب الذي يريد أن يحكم نفسه ويختار رئيسه ويقرر مصيره.

لم أكن أدرك أن أغلب التيارات الإسلامية قد فتحت ميادين خاصة للجهاد تتلهى بها عن جهاد العدو، ومدافعة الطغاة، ومقاومة المحتلين.

لم أكن أدرك أن أغلب التيارات الإسلامية تقاتل في معارك وهمية، وميادين وهمية، ولم أكن أدرك كذلك أن جزءاً من تلك التيارات والرموز والمؤسسات الإسلامية في حاجة إلى إعلان الجهاد عليه؛ حماية للأمة من التجهيل والتضليل.

لم أكن أدرك أن بعضهم قد يعلن الجهاد للبقاء في منصبه وليحافظ على مقامه ومكانته، أما أن يعلن الجهاد على العدو، أو يعد العدة لذلك، فليس هذا وارداً على ذهنه، ولم يخطر يوماً بباله.

لقد أدركت أن كل هؤلاء لن يعلنوا الجهاد، ولن يعدوا له، حتى ولو ضاعت كل المقدسات، وانتُهكت كل الأعراض، وسُفكت كل الدماء.

لقدأدركت أننا نحتاج إلى أمة واعية، وقيادة راشدة، وقوة ناجزة، قبل حاجتنا إلى إعلان الجهاد.

لقد أدركت أننا نحتاج إلى تحقيق مؤهلات الاستعمال، قبل تحقيق مؤهلات القتال، وأن الجهاد ليس مجرد شعار يُرفع، أو حتى قرار يُؤخذ، وإنما هو صدق مع الله يؤهل العبد للسير في هذا الطريق، فيفتح له آفاق الفهم، ويرزقه البذل والسعي والثبات.

لقد أدركت أن جيلاً في أمتنا يؤهله الله تعالى بإرادته، ويربيه سبحانه على عينه، بتلك الأحداث الجسام، ليكون مستحقاً لشرف الجهاد، ليس لتطهير البلاد فحسب، ولكن لتحرير الإنسان والبنيان، لتحرير الساجد والمساجد.. وإنها لأيام قلائل ليسفر الصبح عن وجه جديد ووجوه متلألئة.. وإذا أردتم العلامات فتتطلعوا إلى وعي في شبابنا ونضج في بعض شيوخنا، وثبات خلف قضبان عدونا، وذبول في كل مؤسسات ورموز الخيانة، واكتشاف كامل لساحة المعركة.. فتهيأوا لطوفان سيأخذ كل الزبد ليجعله جفاء، وسيدحر الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، وستزداد به كلمة الحق في الأرض ثباتا، وفي السماء علواً ورفعة..

ولكن من أين نبدأ؟ ومن المؤهل الآن ليرفع تلك الراية؟ ومتى؟ وكيف؟

هذا هو حديثنا القادم بإذن الله تعالى.

* أستاذ بجامعة الأزهر، أمين عام رابطة علماء أهل السنة.