كتاب عربي 21

بين الصحراء والقبايل.. حرب مغربية جزائرية مستمرة

1300x600
"أنا لا أرضى لكم هذا الوضع اللاإنساني. أما إذا رضيتم به، فلا تلوموا إلا أنفسكم، وأنتم تشاهدون المغرب، يقوم بتنمية أقاليمه الجنوبية وتوفير الكرامة والعيش الحر لسكانها".
 
لأول مرة يخاطب ملك المغرب ساكنة مخيمات تندوف، بشكل مباشر، منذ أربعين سنة عن المسيرة الخضراء التي استرجع بها المغرب الأقاليم الجنوبية من الاستعمار الإسباني. ليس الأمر بالهين، ففي خطاب الملك محمد السادس، الموجه من العيون بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة، دعوة مباشرة للثورة على قادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصارا باسم البوليساريو، وكذا على النظام الجزائري الذي يستضيف الصحراويين على أراضيه.

ولعل في الخطاب الملكي الذي اتسم بلغة حادة ابتعدت عن الديبلوماسية المعهودة في مثل هذه الخطابات المناسباتية، ما ينذر بأن الحرب الديبلوماسية المغربية الجزائرية قد تدخل منعطفا جديدا سمته الهجوم والهجوم المضاد. فالمغرب الذي تعود على صد الهجمات في إطار خطة دفاعية استمرت لعقود، جرب استبدال ذلك بالهجوم المباشر على الدول أو الشركات التي تتخذ مواقف سلبية من قضية الصحراء بدعمها للأطروحة الانفصالية. ولعل ما حدث قبل سنة تقريبا مع نظام عبد الفتاح السيسي الذي وصفه مذيع نشرة الأخبار بالتلفزيوني الرسمي المغربي بـ"النظام الانقلابي"، وما تلاه من أزمة قبل شهر مع مملكة السويد دليلان واضحان على الاستراتيجية الجديدة.

قبل أيام دعا المغرب من خلال عمر ربيع، المستشار بالبعثة المغربية أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، إلى "إدراج وحماية والنهوض بحقوق شعب القبايل في الجزائر وفقا لميثاق الأمم المتحدة والآليات والإعلانات الأممية ذات الصلة"، وهي دعوة تأتي بعد أخرى أطلقها نائب الممثل الدائم للبعثة المغربية أياما قبل ذلك خلال احتفالات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السبعين، حيث طالب بالنظر في "انتهاك حق شعب القبايل لحقه في تقرير المصير.. 

باعتبار أن الشعب القبايلي يعدّ الشعب الأصيل الوحيد بإفريقيا، الذي ما زال يعاني من التمييز الممنهج والعنف الشامل والحرمان من حقوقه الأساسية، خاصة المتعلقة بتقرير المصير والحكم الذاتي"، متحدثا عن "وجود اضطهاد لقادة هذا الشعب، وقمع عنيف للمتظاهرين في المسيرات السلمية، كما وقع إبّان إحياء الذكرى الـ34 للربيع الأمازيغي". هي دعوة لا سابق لها حيث نأى المغرب دوما عن التدخل، بشكل علني على الأقل، في أية توجه انفصالي في الدول البعيدة قبل دول الجوار. 

اصطفاف المغرب بجانب "الشعب القبائلي" يجعل من سياسة المعاملة بالمثل أساس التحركات الديبلوماسية المستقبلية. لكن الواضح أن المغرب الذي يعاني مثل الجزائر من إرهاصات أمازيغية انفصالية خصوصا بمنطقة الريف يكاد يلعب بالنار وهو يخرج هذه الورقة إلى العلن.

في خطابات سابقة كان العاهل المغربي واضحا في تصنيف الصحراويين إلى "وطنيين" و"غير وطنيين". لكن خطابه الأخير كان واضحا في القول بأن " الذين ينساقون وراء أطروحات الأعداء ويروجون لها، رغم قلتهم، فليس لهم مكان بيننا. ومن تاب ورجع إلى الصواب، فإن الوطن غفور رحيم". و"الوطن غفور رحيم" كانت مبادرة أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني منذ عقدين انتهت بالتحاق عدد من أطر ومسؤولي البوليساريو بالمغرب بما يدل على الالتزام بالاستمرارية في ظل تغيير الخطاب.

لا أحد ينكر أن من يسمون بانفصاليي الداخل تمتعوا في السنوات الأخيرة ب"هامش حرية" ليس أقله المشاركة في مؤتمرات جبهة البوليساريو والعودة إلى المناطق الصحراوية دون كثير صعاب. ولعل الورقة الحقوقية تبقى الورقة الأقوى التي يلعب عليها مساندو الاطروحة الانفصالية بما تمثله من زخم إعلامي ووسيلة ضغط جماهيرية للتعريف ب"القضية" وإحراج القوات العمومية المغربية بالخارج على الخصوص. وهو ما يجعل تطبيق المسعى المغربي أمرا في غاية الحساسية بالنظر إلى المنظمات الدولية المختلفة الداعمة للطرح الانفصالي ولنجاح أصحاب هذا الطرح في اختراق كثير من المواقع المؤثرة بأوروبا على الخصوص، في ظل ضعف وتراخ ديبلوماسي مغربي غير مفهوم.

ولأن الأمر كذلك فقد حمل خطاب العاهل المغربي حزمة إجراءات اقتصادية ينتظر، في حال إنجازها، أن تغير وجه الأقاليم الجنوبية للمملكة بالشكل الذي قد يمكن من تكريس "سيطرة" المغرب على الأرض وعلى الإنسان الصحراوي خصوصا في ظل السعي إلى ربط التنمية بالصحراء بالتوجه الإفريقي للمغرب، ما يخرج الصراع من زاوية التجاذب الثنائي المغربي الجزائري إلى فضاء أرحب باعتبارات اقتصادية وأمنية كبرى. 

يقول الملك في خطابه "المغرب سيتصدى للحملات العدائية، التي تستهدف المنتوجات الاقتصادية المغربية، بنفس روح التضحية والالتزام، التي يقدمها في المجالين السياسي والأمني، دفاعا عن وحدته ومقدساته. أما الذين يريدون مقاطعة هذه المنتوجات، فليفعلوا ذلك، رغم أنه تعامل مخالف للقانون الدولي. فعليهم أن يتحملوا مسؤولية قراراتهم. ومن حق المغرب أن يفتح الباب أمام شركائه، ودولا ومقاولات عالمية، للاستفادة من فرص الاستثمار، التي ستوفرها المنطقة، بفضل المشاريع الكبرى، التي سيتم إطلاقها".

لقد استطاع المغرب، على ما يبدو، في السنوات الأخيرة تكريس تواجده على الأرض بعد تقديمه لمقترح الحكم الذاتي وبعده تبنيه لمبدأ الجهوية الموسعة، بما يمثله ذلك من نقل لاختصاصات تدبيرية كبيرة لأبناء المنطقة المنتخبين. هذا الوضع المريح على الأرض وما تشهده الجارة الجزائر من "غموض" في أعلى هرم السلطة وصعوبات اقتصادية غير مسبوقة بعد تراجع أسعار النفط والغاز، شجع المغرب على المرور إلى السرعة القصوى في تحقيق ما كان ينادي به الحسن الثاني أن "اتركوا لي العلم والطابع البريدي والبقية كله قابل للتفاوض". السيادة المغربية على الصحراء لا نقاش فيها والبقية مجرد تفاصيل تتكفل بها صيرورة الزمن وتطور النظام السياسي والتدبيري المغربي.

يقول الملك محمد السادس مؤكدا: "وكما قلت في خطاب المسيرة الخضراء، للسنة الماضية، فإن هذه المبادرة (يعني مبادرة الحكم الذاتي) هي أقصى ما يمكن للمغرب أن يقدمه. كما أن تطبيقها يبقى رهينا، بالتوصل إلى حل سياسي نهائي، في إطار الأمم المتحدة. فمخطئ من ينتظر من المغرب، أن يقدم أي تنازل آخر. لأن المغرب أعطى كل شيء "فيما اعتبره بعض المحللين بداية خروج المغرب من مفاوضات الصحراء".

فهل هو إعلان عن إغلاق ملف دام أربعين سنة في أروقة الأمم المتحدة؟ جزء من الإجابة لن يكون إلا من الجارة الجزائر التي أعلن وزير خارجيتها رمطان لعمامرة أن" أن بلاده لا تمارس دبلوماسية الأبواق" وأن "التصريحات التي صدرت عن ملك المغرب، لها وقع المراهنة على الأسوأ"، وهو ما يفتح الحرب المغربية الجزائرية المستمرة على آفاق أوسع وأرحب..