كتاب عربي 21

لا أحد فوق القانون في تركيا

1300x600
انتظر الشارع التركي طويلا أن تطال يد العدل والقانون رؤساء بلديات ونوابا ينتمون إلى حزب الشعوب الديمقراطي، لمحاكمتهم ومعاقبتهم بسبب مساندتهم لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية من خلال توفير الدعم اللوجستي لهجماتها باستخدام أموال البلديات وشاحناتها وآلياتها والقيام بالدعاية لصالحها. وأخيرا جاءت الخطوات التي كان معظم الأتراك ينتظرونها منذ فترة، وتحركت السلطات التركية لجلب المتهمين إلى المحاكم ليحاسبوا على دعمهم للإرهاب.

الخطوة الأولى كانت رفع الحصانة البرلمانية عن 138 نائبا، 50 منهم ينتمون إلى حزب الشعوب الديمقراطي، وتم ذلك من خلال تعديل دستوري صوَّت لصالحه 367 نائبا من أصل 550 نائبا، في جلسة البرلمان التركي التي انعقدت في 20 مايو / أيار 2015 وصادق عليه رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.

نواب حزب الشعوب الديمقراطي أعلنوا آنذاك أنهم لن يذهبوا للإدلاء بإفاداتهم إن تمت دعوتهم من قبل النيابة العامة، في تحدٍ صارخ للقوانين، مع أن نوابا آخرين ممن رفعت الحصانة عنهم استجابوا لدعوة النيابة العامة، وأدلوا بإفاداتهم، كرئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي.

الخطوة الثانية كانت عزل رؤساء بلديات من مناصبهم واعتقالهم بتهمة تقديم المساعدات لأنشطة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، وتعيين أوصياء على تلك البلديات من قبل وزارة الداخلية. وتم تتويج هذه الخطوة باعتقال رئيسة بلدية ديار بكر غولتان  كيشاناك، والرئيس المشارك وعضو مجلس البلدية فرات آنلي، في إطار التحقيقات الجارية بتهمتي الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني والسعي لرفع سيادة الدولة عن بعض أجزاء الأراضي التركية.

لم تكن الاحتجاجات على اعتقال هؤلاء الرؤساء واسعة، ولم يلبِّ معظم سكان تلك المدن ذات الأغلبية الكردية نداء حزب الشعوب الديمقراطي الذي دعا الناس للنزول إلى الشوارع والساحات للتضامن مع رؤساء البلديات والاحتجاج على  إقالتهم من مناصبهم واعتقالهم، لأنهم لم يقدموا لتلك المدن وسكانها خدمات تذكر، بل كانوا يستغلون جميع إمكانيات البلديات والمخصصات المالية لها من خزانة الدولة لخدمة المنظمة الإرهابية، ولم يوظفوا أحدا في البلديات إن لم يكن أحد أقاربه إرهابيا يقاتل في صفوف حزب العمال الكردستاني ضد قوات الأمن أو يقبع في السجون بتهمة الانتماء للمنظمة الإرهابية، كما أن بعض هؤلاء الرؤساء تم فرضهم من قبل قادة حزب العمال الكردستاني مع أنهم لم يكونوا من سكان المدن التي تولوا رئاسات بلدياتها، كالرئيسة المقالة غولتان كيشاناك التي تنتمي إلى محافظة تونجلي ذات الأغلبية العلوية وليست إلى محافظة دياربكر ذات الأغلبية السنية.

الخطوة الثالثة المرتقبة جاءت بعد ساعات من لقاء جمع أردوغان وباهتشلي في المجمع الرئاسي بالعاصمة التركية، وشنت الشرطة التركية فجر يوم الجمعة الماضي حملة متزامنة في عدد من المحافظات لتوقيف 11 نائبا من نواب حزب الشعوب الديمقراطي، بينهم رئيس الحزب صلاح الدين دميرطاش، والرئيسة المشاركة وفيغان يوكسك داغ، ونائب رئيس الكتلة النيابية للحزب، إدريس بالوكان، بسبب امتناعهم عن الذهاب إلى النيابة العامة للإدلاء بإفاداتهم. وبعد أخذ إفاداتهم في النيابة العامة تمت إحالتهم إلى المحاكم وقضت المحاكم باعتقال 8 منهم وإطلاق سراح 3 آخرين، كما تم فيما بعد باعتقال نائبين آخرين من نواب حزب الشعوب الديمقراطي ليصل عدد النواب المعتقلين إلى 10 نواب. 

هؤلاء النواب بمن فيهم رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش كانوا يخططون منذ رفع الحصانة عنهم تحويل قضيتهم إلى الاستعراض أمام الكاميرات ومحاولة الاستقواء بالخارج، ولذلك رفضوا الذهاب إلى النيابة العامة للإدلاء بإفاداتهم لأنهم كانوا يعرفون جيدا أن الشرطة ستطرق أبوابهم، عاجلا أم آجلا، وفقا للقوانين.

هناك ارتياح وفرحة في الشارع التركي باعتقال هؤلاء الرؤساء والنواب الذين كانوا يتباهون بدعمهم لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية ويتحدَّوْن الدستور والقوانين. وحتى رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي يحاول أن يدافع عن النواب المعتقلين بحجة أنهم منتخبون يقر بأنه لا أحد فوق القانون وليس من حق أحد أن يرفض الذهاب إلى النيابة العامة حين يتم استدعاؤه للإدلاء بإفادته.

هذه الخطوات جاءت بعد تراجع شعبية حزب الشعوب الديمقراطي بشكل كبير جراء انحيازه إلى العنف وتأييد هجمات حزب العمال الكردستاني، بدلا من إدانة الإرهاب وبذل الجهود لاستكمال عملية السلام الداخلي. ويعلق الحزب آماله الآن على هجمات المنظمة الإرهابية انتقاما لاعتقال النواب، بالإضافة إلى مواقف الدول الغربية الداعمة للحزب، إلا أن الحكومة التركية تبدو عازمة على مكافحة إرهاب حزب العمال الكردستاني سواء في الأراضي التركية أو خارجها وعدم المبالاة بانتقادات الدول الغربية.

* كاتب تركي