قضايا وآراء

المصريون والفقر

1300x600
لم تمض أيام قلائل على صدور تقرير من وزارة المالية المصرية عن مؤشرات التنمية البشرية للعام 2016، ونشره على موقع الوزارة الإلكتروني ، حتى تم حذفه من على الموقع بما يحتويه من بيانات عن تفشي الفقر في مصر وكأن الوقوف على الواقع المرير دنس يجب التخلص منه. ولا عجب من ذلك في ظل دولة يفتقد نظامها العام للشفافية والنزاهة والعدالة.

فقد كشف هذا التقرير أن خط الفقر المدقع الغذائي، والذي يمثل كلفة البقاء على قيد الحياة، يقدر بنحو 2570 جنيها في عام 2013/2012.  ويعتبر الشخص فقيرا فقرا مدقعا على المستوى الغذائي إذا قل إنفاقه عن ذلك الخط وخط الفقر المدقع "خط الفقر الغذائي" هو تكلفة سلة سلع غذائية تتوافق مع السلوك الاستهلاكي للفقراء وتوفر السعرات الحرارية والبروتينات اللازمة لقيام الفرد بالنشاط الطبيعي، وذلك وفقاً للمفاهيم العالمية لمنظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي، وتختلف تكلفة السلع الغذائية باختلاف المناطق الجغرافية.

كما أشار التقرير إلى أن خط الفقر القومي الذي يتكون من الإنفاق غير الغذائي للأسرة القادرة بالكاد على بلوغ احتياجاتها الغذائية ولكنها تختار ألا تفعل ذلك من أجل الحصول على ما هو أساسي من الحاجات غير الغذائية التي لا تستطيع الاستغناء عنها مثل الإنفاق على المسكن والمواصلات إضافة إلى خط الفقر الغذائي المدقع واللذين يكونا معًا خط الفقر الأدنى أو خط الفقر القومي، الذي يقدر على مستوى الجمهورية بنحو 3920 جنيهًا. ووفقا للتقرير فإن 21,7 مليون مواطن مصري غير قادرين علي الحصول علي احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية.

ورغم تسرع وزارة المالية في حذف هذا التقرير من على موقعها فإن هناك تقرير أحدث من حيث بياناته من هذا التقرير وهو القرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في شهر تموز/ يوليو 2015 والذي ذكر أن نسبة الفقر المدقع ارتفعت في العام 2015 لتصل إلى 5.3 في المئة من السكان. محددا قيمة خط الفقر المدقع للفرد بمبلغ 3861.4 جنيها في العام 2015 أي بمبلغ 322 جنيها للفرد في الشهر. وقيمة خط الفقر القومي للفرد بمبلغ 5787.9 جنيه في العام 2015 أي بمبلغ 482 جنيها للفرد في الشهر. وذكر التقرير أن الأسرة المكونة من خمس أفراد تحتاج إلى 2372 جنيها في الشهر حتى تستطيع الوفاء باحتياجاتها الأساسية. كما ذكر أن الفقراء وفقا لمقياس الفقر القومي يمثلون 27.8 في المئة من السكان في عام 2015 مقابل 26,2% عام 2012/2013 و 16.7% في عام 1999/2000 وهو ما يعني أن ما يزيد عن 25 مليون مصري يلتهمهم الفقر في العام 2015. كما ذكر التقرير أنه في العام 2015 أيضا لا يستطيع 57 في المئة من سكان ريف الوجه القبلي الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء مقابل 19.7 في المئة بريف الوجه البحري. وتقل تلك النسبة إلى أقل من الثلث في حضر الوجه القبلي (27.4 في المئة). كما أن 15 في المئة من سكان المحافظات الحضرية فقراء. والفقراء أكثر تمثيلا في ريف الوجه القبلي حيث يقع 51 في المئة من الفقراء في ريف الوجه القبلي بينما يعيش 36 في المئة من السكان بها. وتصل نسبة الفقراء إلى أعلى مستوياتها في محافظتي أسيوط وسوهاج حيث بلغت 66 في المئة وفي قنا بلغت النسبة 58 في المئة. كما أن 18 في المئة من السكان في محافظة القاهرة من الفقراء.

والواقع أن هذه النسب للفقر في مصر لا يمكن الوثوق بها في ظل معايير المؤسسات الدولية للفقر ، فضلا عن تقدير وزير التخطيط والمتابعة السابق الدكتور "أشرف العربي" -وقت وجوده في الوزارة- نسبة الفقر في مصر بما يزيد على 45% من السكان، وذلك خلال اجتماع اللجنة الخاصة المنوطة بمراجعة المحور السادس من بيان الحكومة في شهر أبريل الماضي.

وإذا كانت نسب الفقر التي أقرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قدرت بهذه الصورة في ظل متوسط دخل سنوي للأسرة المصرية بلغ 44193.8 ألف جنيه، ومتوسط دخل سنوي للفرد بلغ 10361.5 بما يعادل 863.5 جنيها شهريا للفرد وفقا لبيانات الجهاز تفسه، فإن هذا الدخل لم يشهد زيادة تذكر بعد العام 2015 بل إن الدخل الحقيقي للأفراد انخفض انخفاضا كبيرا بفعل ما اتخذته الحكومة من إجراءات صادمة ومميتة للفقراء من تخفيض قيمة الجنيه بنحو 105 في المائة في أيام معدودات ورفع الدعم المتواصل على المحروقات وإقرار ضريبة القيمة المضافة  فضلا عن الإفراط الضريبي بصفة عامة وإقرار قانون الخدمة المدنية ورفع الفائدة. وكل هذا يعني أن الشعب المصري سيتحول إلى لاجيء داخل بلده من خلال افتراس الفقر له، وازدياد عدد الفقراء بصورة متسارعة حتى أنه يمكن القول أنه لن تقل نسبة الفقراء في وقتنا الحالي عن 70 في المئة من السكان.

إن من العجب العجاب  في ظل هذه الإجراءات التي أثبتت فيها الحكومة أن هدفها طحن الفقير طحنا وتركه يواجه الموت إما بالدبابة أو بالسجن أو بالانتجار أو بالجوع، أننا ما زلنا نرى تكدسا للثروات لقلة سيطر عليها الجشع وغرقت في بحر من الفساد.. قلة لا تتعدي نسبتها 2 في المئة من المصريين جلهم من العسكر وتوابعهم من رجال الأعمال المستفيدين، حتى بات شعارهم اطحن فقيرا .. وهل من مزيد؟

إن الواقع الحالي ينذر لا محالة بانفجار في ظل تزايد عدد الفقراء واتجاه الناس إلى الانتحار والعياذ بالله هروبا من ضيق العيش وقصر اليد، ولن يوقف هذا الانفجار لقيمات يقدمها العسكر لهم لكي يأخذ بها لقطة فوتوفرافية أو تلفزيونية معهم، وهو يفتك بهم ليل نهار حتى حذف الحماية الاجتماعية من قاموسه وأصبح خضوعه لشروط للمؤسسات الدولية التي تبتغي ذلك منهجا وسلوكا.