كتاب عربي 21

ماذا يعني تدمير إيران لإسرائيل في 7 دقائق و30 ثانية؟

1300x600
نقلت وكالة فارس للأنباء عن المستشار العسكري لقائد فيلق الـ "قدس" التابع للحرس الثوري العميد أحمد كريم بور، تأكيده بأنّ إيران حددت جميع المراكز المهمّة في الكيان الصهيوني، وأنّها قادرة على تدميرها بصواريخ بعيدة المدى في غضون 7 دقائق و30 ثانية...... "في حال تعرضت ايران لأي اعتداء".

هذا التصريح، تمّ تكراراه "حرفيا" على لسان مسؤولين مختلفين في النظام الإيراني لسنوات طويلة. ففي العام 2015 على سبيل المثال لا الحصر، نُقل عن مجتبي زلنور، مساعد ممثل المرشد الأعلى لدى الحرس الثوري الإيراني، قوله إنّ إيران قادرة على تدمير تل أبيب في غضون 6 إلى 7 دقائق، مكرراً المقطع السحري نفسه..... "في حال تعرضت إيران لاعتداء من إسرائيل".

وإذا ما غضّينا النظر عن الطرافة المتعلّقة بالفترة الزمنية، وعن حقيقة أنّ إسرائيل تمتلك نظام الدفاع الصاروخي الأكثر تطورا في العالم، فما يمكن لأي قارئ بسيط أن يفهمه من هذا التصريح هو أنّ نظام خامنئي يمتلك القدرات العسكرية اللازمة لهزيمة وتدمير إسرائيل في 7 دقائق و30 ثانية، ولكنّه لا يرغب في فعل ذلك. هو لا يكتفي بهذا الأمر، بل يقدم ضمانات لإسرائيل عندما يقول بأنّه لن يستخدم هذه القوّة تجاه تل أبيب أبداً إلا إذا تعرّضت إيران لعدوان. هذا يعني أنّ نظام الخامنئي يعمل بالتفاهم مع الكيان الصهيوني، أو أنّه مستفيد من تواجده، وبالنسبة لي لا أجد فرقاً، فإيران سبق لها أن فعلت كلا الأمرين وستظل قادرة على فعلهما مستقبلاً.

المثير للسخرية أنّ هذا التصريح يأتي في وقت يتم فيه الترويج لما تسميه إيران "تحالف" إسرائيلي- سعودي موجّه ضدها، ومن المؤسف أن نصل إلى مرحلة تكون فيها تصريحات وزير صهيوني أكثر مصداقية من نظرائه الإيرانيين. ففي مؤتمر ميونخ الأمني الذي عُقد الشهر الماضي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بأنّ الهدف الأساسي لإيران هو تقويض الخليج والسعودية تحديداً، وهذا تصريح دقيق تاريخيا وبكل المقاييس.

خلال حوالي ثلاثة عقود ونصف، لم يتوقف النظام الإيراني عن الدعوة لمسح إسرائيل عن الخارطة، لكن في الوقت الذي كان يصدّع فيه رؤوسنا بمعزوفة تدمير إسرائيل، كان يعمل بشكل حثيث ودون كلل أو ملل على تدمير الدول العربية، ولذلك فمن الطبيعي أن تكون النتيجة اليوم احتلال إيران لأربع دول عربية بدلاً من تحريرها لأربع قرى فلسطينية على سبيل المثال!

هذه الحقائق لا يمكن لعاقل أن يناقشها، فهي مثبتة ثبوت الشمس في وسط النهار، لكن المشكلة التي تنتظرنا هي أنّ هذا الكلام -كما سبق وأشرنا في مقالاتنا السابقة ("الحرب المقبلة في لبنان" و"لماذا على حماس الابتعاد عن إيران اليوم وليس غدا") - هو بمثابة تحضير الأرضية اللازمة لاعتداء إسرائيلي جديد على العرب لاسيما في فلسطين ولبنان.

لقد سبق لإيران وأن استجلبت عددا من الاعتداءات الإسرائيلية الكبرى على الفلسطينيين واللبنانيين بحجّة معاداتها للكيان الصهيوني والعمل على دعم القضية الفلسطينية. وبالرغم من الصخب الإعلامي الذي روجت له هي وأذرعها في العالم العربي عن انتصارات وهميّة لم تؤدّ إلى تحرير شبر واحد من الأراضي، فإن تداعيات هذه الحروب كانت كارثية على كل المستويات البشرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكذلك على البنية التحتيّة، ليس بالنسبة لإيران طبعا، وإنما بالنسبة للعرب.

على سبيل المثال لا الحصر، ما سُمّيَ بالانتصار الإلهي في لبنان في العام 2006، انتهى بأكثر من 1500 قتيل لبناني، وحوالي مليون ونصف نازح، ودمار هائل في البنية التحتية، وما يقارب 3 مليار دولار خسائر اقتصادية مباشرة، وكأن ذلك لا يكفي، فقد تحوّل حزب الله في نهاية هذه الحرب الإلهية إلى حارس حدود رسمي لإسرائيل، وامتنع عن الاشتباك معها لأكثر من عقد من الزمن.

لم يكتف وكيل إيران الأوّل في المنطقة بذلك، بل ترك ظهره مكشوفاً بالكامل، وتحوّل نحو الداخل اللبناني عام 2008 ليستولي بشكل رسمي على السلطة في هذا البلد ويتجه بعدها إلى الداخل السوري. بالطبع، ما كان حزب الله ليفعل هذا الأمر لولا أنّه لم يكن واثقاً من أنّ إسرائيل لن تهاجم ظهره المكشوف، وهو أمر لا يمكن أن يتم إلا بتفاهمات مع الجانب الإسرائيلي ما يعيدنا إلى الاستنتاج الأول أعلاه عن العلاقة بين نظام الملالي وبين الكيان الصهيوني.

خلاصة القول، من يؤمن حقيقة أنّ إيران تريد مواجهة إسرائيل، فليدعوها إلى فعل ذلك مباشرة وليس بالواسطة، خاصة أن طهران تمتلك اليوم ترسانة صاروخية قادرة على الوصول إلى قلب تل أبيب كما يدّعي المسؤولون الإيرانيون، ومن لا يؤمن بذلك ولا يزال يراهن على الحصول على دعم إيران لمواجهة إسرائيل، أو يدّعي أنّه قادر على استخدام إيران، فعليه أن يعي أنّ طهران هي التي تستخدمه كورقة وليس العكس، لذلك عليه أن يحسم أمره بعيدا عن إيران، وأن يتخلص من أوهام الانتصارات الإلهية لأنّ العلاقة معها لا تؤدي في نهاية المطاف إلاّ إلى احتراق الورقة والمجال الذي تعمل فيه، وأي معركة هذه المرّة ستجرّده من القليل الذي لا يزال يمتلكه.