حقوق وحريات

تعنيف الأطفال في المغرب.. لماذا لا تنصف القوانين الضحايا؟ (شاهد)

تفضل العديد من الأسر الصمت بسبب الظروف المجتمعية - CC0
تفضل العديد من الأسر الصمت بسبب الظروف المجتمعية - CC0
أثارت قضية الاعتداء على طفلة من طرف معلمها في أحد مدارس المغرب، جدلا في بلد يفضل التستر على القضايا المشابهة، بينما فضلت شقيتها الكبرى عدم الصمت، واتجهت إلى القضاء الذي قالت إنه لم ينصفها.

وتقول أخت الطفلة ذات الـ 12 ربيعا، في حديثها لـ"عربي21": "بعد تعرّض أختي الصغيرة لشتّى أنواع التعنيف من طرف أستاذها، في الصف السادس الابتدائي، وبعد انهيارها النفسي الذي بات مُلازما لها، والنقص الحاد في مُستواها الدراسي، قضت المحكمة الإبتدائية، بمدينة الناظور، الإثنين الماضي، ببراءة المُعلّم".

Image1_7202313132132820574539.jpg

وبصوت مُرتجف وتساؤلات كثيرة، استرسلت منال، أخت الطفلة المُعتدى عليها بالقول "أود معرفة المُبّررات التي اعتمدت عليها المحكمة في إصدار حُكمها، الذي هو ظلم لأختي، ولكل طفلة تم الاعتداء عليها، خاصة في ظل توفر كافّة الوثائق التي أرسلت لـ"عربي21"نسخة منها، وتوضح آثار العنف الجسدي الناتج عن الضرب وكذا العنف النفسي الناتج عن التحرش بها، الذي دفع بها إلى حافة الجنون، وهى الآن تتلقى علاجا نفسيا".

وأضافت المتحدثة بالقول: "سنعمل على استئناف الحكم، وسأظل مُدافعة عن حق أختي، إلى أن يتم إنصافها قانونيا"، وفي الوقت الذي يرفض فيه الأستاذ المُتهم الإدلاء بتصريح؛ أثار هذا الحادث استنكارا كبيرا، وسط الآباء وأولياء التلاميذ.

ألم نازف.. وقوانين غير كافية 
في غياب عقوبات زجرية قاسية لمُحاربة "العنف ضد الأطفال" في المغرب، تتوالى الجرائم، البعض منها تصل إلى الرأي العام، ويتم الدفاع المُستميت عن حق ضحاياها، والبعض الآخر، يظل حبيس مُجتمع مُغلق؛ الشيء الذي بات يستدعي التدخل الصارم من طرف الجهات المُختصة في الدولة لعلاجه جذريا، بحسب مراقبين، انطلاقا بتغيير مُقتضيات القانون؛ وهو ما دفع بعدد من الأصوات الحقوقية لشن حملة انطلقت من المجال إلكتروني لتصل لوقفات احتجاجية في عدد من المدن المغربية، خاصة بعد حكم غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط العاصمة، بسنتين على ثلاث أشخاص بضواحي تيفلت، في حق  ثلاثة شبان، قاموا بالتغرير بطفلة تبلغ من العمر 11 سنة وانتهاك عرضها بالعنف والتهديد بالسلاح، نتج عنه حمل الضحية.

اظهار أخبار متعلقة



ويقول الباحث في القانون ورئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان، شكيب الخياري، إن المُشكلة أساسا تكمن في الفراغ القانوني، الذي لم ينص في جريمة اغتصاب أو هتك عرض قاصر على عدم إمكان تطبيق ظروف التخفيف".

وتابع الخياري لـ"عربي21" بالقول إن المسطرة المُتبعة من طرف المحكمة لإعمال ظروف التخفيف عادلة، وإن كانت تبدو غير منصفة" مشيرا إلى أن "القضاة طبقوا القانون الذي يُخول لهم الحق في ظروف التخفيف، وفقا للفصل  146 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه "إذا تبين للمحكمة بعد انتهاء المرافعة في القضية المطروحة عليها، أن الجزاء المقرر للجريمة في القانون قاس بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة، أو بالنسبة لدرجة إجرام المتهم، فإنها تستطيع أن تمنحه التمتع بظروف التخفيف، إلا إذا وجد نص قانوني يمنع ذلك".

كابوس مُتكرر
بوجع يشق قلوب الأمهات، ويضع الحسرة في نفسية عدد من الأطفال، تتزايد حالات الاعتداء على الأطفال في المغرب، بأرقام توصف بـ"المخيفة"، فبعض المُعتدين يتم التعرف عليهم ومتابعة الإجراءات القانونية تجاههم، وآخرين يتسللون في المجتمع، فيستمرون في نهش أجسام الصغار بدون رقيب، بحسب أهالي الضحايا.

وبحسب أرقام كشفت عنها منظمة اليونيسيف، عام 2018، فإن المحاكم المغربية نظرت في حوالي 6 آلاف قضية عنف ضد الأطفال في عام واحد، دون احتساب مئات أو حتى آلاف القضايا التي لم تصل للمحاكم.

حالات أطفال كثيرة تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، من بينها الطفلة "وئام"، قبل سبعة سنوات، حيث تم الاعتداء عليها جنسيا، وتشويه وجهها في محاولة لقتلها؛ وعلى إثرها تم تنظيم مسيرة ضخمة بمدينة الدار البيضاء آنذاك، وكانت الصدمة هي أن جُملة من الأسر شاركت في المسيرة الاحتجاجية، وهي تحمل صور أطفالها الذين تم الاعتداء عليهم كذلك. 

اظهار أخبار متعلقة



وفي سنة 2022، فتحت الشرطة بمنطقة شرق مدينة أكادير جنوب المغرب، بحثا قضائيا، للوصول لهوية شخص يستدرج الأطفال الذين يتعلمون بالكُتاب (دروس لحفظ القرآن داخل المسجد) من أجل هتك عرضهم، أو اغتصابهم، الشيء الذي استنفر سكان المنطقة؛ وخلال نفس السنة كذلك قضت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمدينة ورزازات جنوب المغرب، على متهم باغتصاب طفل قاصر، بثمان سنوات سجنا نافذة؛ وتعود تفاصيل القضية لقيام رجل مُتقاعد، يبلغ 74 سنة، باغتصاب طفل لا يتجاوز عمره 11 سنة. وغيرها من الحالات، التي لا تزال تستمر، رغم دق ناقوس الخطر، لسنوات ماضية.

عقليات مُتواطئة.. وجرائم مستمرة

يقول الباحث في علم النفس والمساعد الاجتماعي، محمد حبيب، إن ظاهرة "البيدوفيليا" مُتواجدة منذ سنوات، غير هناك عقليات في المجتمع المغربي تتواطأ مع هذه الممارسات، بسبب الخوف من الفضيحة، وأحيانا أخرى إثر التعويضات المادية المُقدمة من طرف المُعتدي، مما يجعل هذه السلوكيات تستمر وتتفاقم.

وتابع بأن العقوبات بالسجن لوحدها لا تكفي، وإنما يجب كذلك توفر المقاربة الاجتماعية والنفسية، عن طريق مؤسسات التنشئة الاجتماعية، سواء من داخل المدارس أو دور الشباب أو المساجد وغيرها.

وأكد الباحث في علم النفس في حديثه لـ"عربي21" أن عددا من المعتدين يستدرجون الأطفال عن طريق عدد من الألعاب الإلكترونية، الشيء الذي يستدعي مراقبة ما يُشاهده الأطفال، كما لا يجب على عدد من الأسر أن تتسامح مع هتك العرض، لأن للأمر تأثير سلبي سيستمر مع الطفل طويلا.

وأشار إلى أن "البيدوفيليا" انحراف سلوكي بالأساس، يجب يتطلب إرادة من الدولة أولا، ثم من المجتمع، من أجل الحد منه، كما يجب خضوع المُعتدين لعلاج نفسي بمجرد شعورهم بهذا الميل الجنسي، لأن العلاج متوفر.

وفي السياق ذاته، يرى عبد العالي الرامي، رئيس جمعية منتدى الطفولة، أن "تزايد ظاهرة العنف ضد الأطفال بالمغرب، يعكس مُعضلة نفسية وأزمة أخلاق بالمجتمع، تتطلب يقظة وطنية لحماية الطفولة، وتفعيل الترسانة القانونية من أجل ردع الجناة، كما يتوجب التخلص من إشكالية إثبات الجُرم الذي يجعل المُتهم يتملص من العقاب؛ كما أن الظاهرة باتت تستدعى تدخلا عاجلا من الحكومة لتحريك ملف الطفولة الذي لم يُراوح مكانه بشهادة تقارير وطنية ودولية، مما يكشف عن صورة سوداء عن وضعية الطفولة بالمغرب".

ويختم المُهتم بمجال الطفولة، حديثه لـ"عربي21"، بـ"مُطالبة الحكومة بالالتفات لقضايا الطفولة وتفعيل مقتضيات الدستور وإشراك المجتمع المدني في أسرع وقت ممكن، كونه بات ضرورة ملحة تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى، كي لا تُهدر حياة ونفسية المزيد من الأطفال الأبرياء".
التعليقات (0)