قضايا وآراء

أقوال جديدة حول قتلة الشيخ الذهبي

عصام تليمة
اتجهت أنظار الجميع في قضية اغتيال الشيخ الذهبي إلى السبب السياسي الديني، متمثلا في جماعة المسلمين، أو ما سمي إعلاميا بجماعة التكفير والهجرة..
اتجهت أنظار الجميع في قضية اغتيال الشيخ الذهبي إلى السبب السياسي الديني، متمثلا في جماعة المسلمين، أو ما سمي إعلاميا بجماعة التكفير والهجرة..
من أشهر قضايا الاغتيال السياسي في مصر، وبخاصة في فترة السبعينيات من القرن الماضي، مقتل الشهيد الشيخ الدكتور محمد حسين الذهبي وزير أوقاف مصر الأسبق، والذي لا يذكر مقتله إلا ويذكر قتلته، وأنه قتل على يد جماعة التكفير والهجرة بقيادة شكري مصطفى، بعد اختطافه من بيته، ثم محاولة الأمن المصري القبض على الجناة وإنقاذ الشيخ، ليصل الأمن له، ولكن بعد قتله.

قيل: المعاصرة حجاب، وهي صحيحة في الحكم على الأشخاص، وكذلك من منظار الأمن والسلطة، فكثير من أحداث العنف السياسي في مصر، وفي العالم بوجه عام، يتم تناولها حسب الممسك بخيوط الإعلام المحكوم آنذاك، أو حسب ما تريد السلطة ترويجه، وبخاصة إذا لم يكن هناك وسيلة للقاء المتهمين، أو الحديث عن جميع الاتجاهات التي توجه لها التهمة.

من هذه القضايا قضية مقتل الشيخ الذهبي رحمه الله، فقد اتجهت أنظار الجميع إلى السبب السياسي الديني، متمثلا في جماعة المسلمين، أو ما سمي إعلاميا بجماعة التكفير والهجرة، وليس مستبعدا أن تكون المتهمة بنسبة تسعين بالمائة، وكنت أسمع من بعض مشايخ الجماعات الإسلامية الذين اقتربوا منهم، أن هناك شبهة تثار نحو علاقة الأمن المصري بالموضوع.

وظننت أنها كشأن كثير من أحداث العنف السياسي، تبدأ بالنفي من الفصيل الإسلامي المتهم، وتقابل باتهام كامل من السلطة، ثم تدور الأيام ونكتشف أن الحقيقة ليست كاملة مع الإسلاميين المتهمين، ولا مع السلطة التي اتهمتهم، وإن بدا للجميع إعلاميا ـ وقتها ـ صحة وجهة نظر السلطة، حيث يتبناها كذلك باحثون من السلطة، ومن غيرها.

إلا أنني قرأت مؤخرا فقرة في كتاب صدر عن مجمع البحوث الإسلامية، بعنوان: (المجمعيون)، وهو تراجم لأعضاء مجمع البحوث الإسلامية منذ إنشائه سنة 1961م، وحتى عام 2022م، وقد صدر في جزءين كبيرين، وهو كتاب مهم كتبه مختصان في التاريخ، وهما: الأستاذ الدكتور محمد عبد الحفيظ، والأستاذ الدكتور عبد المنعم عبد الرحمن العدوي.

قرأت هذه الفقرة، ووقفت أمامها طويلا، وهي: (في فجر يوم الأحد 17 من رجب 1397هـ ـ 3 يوليو 1977م، قامت إحدى الجماعات المتطرفة التي عرفت باسم (التكفير والهجرة) باختطاف الدكتور الذهبي من منزله بمنطقة حلوان بالقاهرة، وقتلته في اليوم التالي، وقيل: إنه قتل في بيته، وكان السبب الرئيس في اختيار الدكتور الذهبي هو أنه كان أحد العلماء الذين تصدوا لفكر الجماعات المتطرفة، وقيل أيضا: إنه قتل لتذهب معالم السرقات التي كانت بيديه وثائقها منذ كان وزيرا للأوقاف).

فهنا أجد لأول مرة إشارة إلى احتمالية قتله في بيته، وإشارة أخرى إلى احتمالية أن يكون قتل بسبب آخر غير قضية التكفير والهجرة، بل بسبب فساد مالي كبير في وزارة الأوقاف، وقد وقف قبل استقالته من الوزارة يقول في مجلس الشعب المصري، بعد أن حاول إنهاء الفساد ولم يستطع، فقال: (لم أكسب من الوزارة شيئا، وأفضل أن أرجع إلى الكلية أستاذا إذا لم أقم بالأمر على الوجه الصحيح).

وبالرجوع لتاريخ وزارة الأوقاف، سنجد أن من تولى المنصب بعده مباشرة هو الشيخ محمد متولي الشعراوي، ووجد فسادا لا حدود له في الوزارة، ومن أشخاص عسكريين، ومقربين منهم، والسرقات في وزارة الأوقاف منذ عهد عبد الناصر حتى الآن ليست مبالغ قليلة، بل ملايين، وحاليا مليارات، والسلطة من خلال العسكريين تملأ وزارة الأوقاف برجالها، سواء من الجيش أو الشرطة.

والسؤال الأهم: ما مصير هذه الملفات التي كانت لدى الذهبي عن السرقات في الوزارة، والتي احتفظ بنسخة منها في بيته؟ وما موقف السلطة من هذه الملفات بعد مقتله؟ ولماذا تم توجيه الاتهام لجماعة التكفير فقط؟ وهل تم تعاون بشكل ما بين أصحاب هذه الملفات وهذه الجماعة، ومعلوم أنها كانت مخترقة أمنيا، عن طريق أحد ضباط الأمن، وكانت وزارة الداخلية على علم به، وبتفاصيله، واعترف بذلك وزير الداخلية وقتها، بأنهم محيطون بكثير من تفاصيل التنظيم.

هذه زاوية لم يلتفت إليها أحد في قضية مقتل الذهبي، حيث إن الوزارة بداخلها مكتب أمني، متواصل مباشرة مع أمن الدولة، وقد ذكر لي أحد العلماء أنه بعد ثورة يناير، وفي فترة حكم الرئيس محمد مرسي، كلم أحد العسكريين في منصب في الوزارة، فسأله عن إمام جامع مختف منذ سنوات، فأجابه بأنه سيقول له عن مصيره، لكن لا ينسب له الكلام، فأخبره بأن الإمام تم قتله، ولم ولن تعلن الأجهزة الأمنية عن ذلك.

الزاوية الأخرى التي لم يلتفت إليها كثيرون ممن يحققون في الموضوع، وهو موقف الأمن المصري من الموضوع، فبالعودة لليوتيوب، سنجد فيديوهات لوزيري داخلية سابقين، كانا وقت مقتل الذهبي في مناصب أمنية، أحدهما نائب وزير الداخلية، وهو اللواء نبوي إسماعيل، والآخر مسؤول عن أمن الدولة، وهو اللواء حسن أبو باشا، واتهم كلاهما الآخر بأنه لم يتم التعامل الأمني الصحيح مع الموضوع.

وكلاهما أوضح أن الأمن أمسك من أول اختطاف الذهبي بسائق عربة من العربتين المكلفتين بخطفه، وقد أصابها عطل أمام بيت الذهبي، واتهم أبو باشا نبوي إسماعيل بأنه كيف يترك طارق عبد العليم وقد كان ضابطا مفصولا، بل كتب يوصي بأن يعين في وظيفة مدنية؟! وقد كان سبب فصله أنه خطط لنسف مقر لأمن الدولة، ثم انضم للتكفير والهجرة!!

قضية مقتل الذهبي من هذه النوعية، التي تحتاج إلى جمع كل الخلفيات حول القضية، وضم بعضها لبعض، والمقارنة بين شهادات المسؤولين الأمنيين، وهم كالتالي: نبوي إسماعيل، وحسن أبو باشا، وفؤاد علام، وسيجد المدقق في الموضوع تفاصيل تشير بشكل ما إلى ثغرة أمنية، سواء لدى الأمن المصري، أو لدى جماعة التكفير والهجرة نفسها.
الذي جعلني أعود لقضية مقتل الذهبي، واحتمالية أن يكون هناك قتلة آخرون غير من حوكموا، أن مثل هذه القضايا متكررة، فمثلا قضية مقتل مسؤول التنظيم الخاص للإخوان السيد فايز، والذي اتهم فيه معارضوه وهو عبد الرحمن السندي ومجموعته، فوجئنا بكلام بعد التدقيق نسب لأخت السيد فايز، حيث قالت في تحقيقات النيابة: إن من أعطاها علبة حلاوة المولد التي كان بداخلها قنبلة انفجرت في أخيها، الذي سلمها العلبة شخص وصفته بدقة، فألقيت التهمة على أحمد عادل كمال وعبد الرحمن السندي.

بينما الشبه الذي قالته الفتاة ينطبق أكثر على محمد أنور السادات رئيس مصر فيما بعد، والمشهور وقتها بأحداث الاغتيالات السياسية، منها حادثة مقتل أمين عثمان، ومحاولة قتل مصطفى النحاس. ولكن ما تم هو صرف أنظار الجميع عن هذه الشهادة المهمة، واتجهت أنظار الكتاب بدافع الخلاف الأيديولوجي للإخوان، بأن يتجه لاتهامهم بقتل بعضهم بعضا.

وهو نفس ما حدث في حادثة (لافون)، انتبه الجميع لتفجيرين قام بهما يهود مصريون آنذاك، سنة 1954م، بينما كانت ستة تفجيرات، دبر اثنين يهود مصريون، ودبر الأربعة الباقية جمال عبد الناصر، وقد اعترف بعد ذلك لزملائه: خالد محيي الدين، وزكريا محيي الدين، ومحمد أنور السادات، وقد كتبوا ذلك في مذكراتهم.

فقضية مقتل الذهبي من هذه النوعية، التي تحتاج إلى جمع كل الخلفيات حول القضية، وضم بعضها لبعض، والمقارنة بين شهادات المسؤولين الأمنيين، وهم كالتالي: نبوي إسماعيل، وحسن أبو باشا، وفؤاد علام، وسيجد المدقق في الموضوع تفاصيل تشير بشكل ما إلى ثغرة أمنية، سواء لدى الأمن المصري، أو لدى جماعة التكفير والهجرة نفسها.

إضافة إلى مذكرات الشيخ عبد الرحمن أبو الخير، والتي كانت بعنوان: ذكرياتي مع جماعة المسلمين، وهي رصد دقيق لشخص كان من داخل الجماعة، ثم تركها. وما في مستواها من وثائق، لمن كانوا في الجماعة وغادروها، ومنهم من مات، ومنهم من لا يزال على قيد الحياة، وأعتقد بعد هذا الجهد يمكن أن نخرج بنتائج مهمة في الحادث، وهو ما يمكن أن يكون نموذجا للتدقيق في أحداث الاغتيال السياسي في القرن العشرين، وما أكثرها.

[email protected]
التعليقات (1)
إرهاب الذئب
الخميس، 13-07-2023 10:19 م
براءة الذئب من دم سيدنا يوسف عليه السلام كل أحداث الإرهاب هي من عمل المخابرات سواء في الحفر العربية أو دول النفاق الغربية لكن الخوف هو الذي يجعل بعض الناس نفي الحقائق