أفكَار

الحركة الصهيونية وخطة طرد الفلسطينيين من أرضهم.. رأي مؤرخ إسرائيلي

 الصهيونية ظلت حتى احتلال فلسطين من قبل بريطانيا سنة 1918، مزيجا من الممارسة القومية والاستعمارية
الصهيونية ظلت حتى احتلال فلسطين من قبل بريطانيا سنة 1918، مزيجا من الممارسة القومية والاستعمارية
الكتاب: "التطهير العرقي في فلسطين"
الكاتب: المؤرخ "الإسرائيلي" إيلان بابيه
ترجمة: أحمد خليفة
الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية،الطبعة الأولى 2007،
مترجم عن الإنكليزية (يقع في 374 صفحة من الحجم المتوسط)،
تم طبع الكتاب في لندن عام 2006، وفي بيروت عام 2007، وفي فلسطين عام 2007.


لعب هرتزل دوراً مهماً في بلورة سياسة التطهير العرقي وتهجير السكان الأصليين، إِذْ كان من المعجبين بنيتشة الفيلسوف الألماني، وتبنى فكرة الرجل الخارق، وربطهما بالعقيدة اليهودية التي تقول: "إنَّ اليهودهم شعب الله المختار "، وحولها إلى فكرة الأمة السوبر أي الخارقة. وكان هرتزل يرى أن الشرط الجوهري لبلوغ الدولة الصهيونية هواستخدام قوة السلاح. وتكشف كتابات هيرتزل النظرية عن تمسكه الشديد بالعنف والقوة. وتشير هذه الكتابات إلى تطورمزدوج للطرفين الصهيوني والعربي، طرف صهيوني سيعتمد على السلاح والعنف الجماعي المنظم، وطرف عربي سيكون "قطيعاً من الوحوش علاجه الوحيد هوالإبادة الجماعية". يقول هرتزل، فمثلاً إذا وجدنا في موقف يتطلب منا تطهير بلد من الوحوش الضارية، طبعاً لن نحمل القوس والرمح ونذهب فرادى بل سننظم حملة جماعية ضخمة ومجهزة ونجمع الحيوانات ونرمي في وسطها قنبلة شديدة الانفجار".

وقال الدكتور بابيه إنَّ الطرد كان من أهداف الحرب،وليس من نتائجها، فقط!ثم إنَّ مذبحة قرية ناصر الدين (قرب طبريا) كانت لدفع عرب طبريا للرحيل، كما كانت مذبحة عين الزيتون (قرب صفد) مقدمة لرحيل عرب صفد، وكما كانت مذبحة دير ياسين قرب القدس مقدمة لترحيل أكثر ما يمكن من عرب القدس.

وقال الكاتب إن الصهيونية عملت على نشر أخبار هذه المذابح، لتصل إلى الفلسطينيين في كل المناطق للتعجيل في الهلع الإنساني من الحرب والقتل، وللرحيل أسرع ما يمكن.وشرح الباحث اليهودي بابيه، بالتفصيل المثير للغاية، كيف كانت الوكالة اليهودية والمخابرات العسكرية الصهيونية تجمع معلومات مفصلة جداً، حول كل مدينة وكل قرية، وكانت تعرف عدد السكان، وعدد البنادق في القرية، والمواشي والدجاج والكروم، كما كانت تحصي أسماء عائلات القرية، وتحصي الصراعات والخصومات (الدموية أحياناً) بين حمائل معينة متنافسة، في سبيل إذكاء القتال الداخلي، وفي سبيل التفكير بشراء عملاء ومخبرين ومتعاونين، من خلال استغلال التناقضات الداخلية, وقد شملت هذه التقارير أيضاً أسماء المخاتير والأئمة والتجار والوطنيين المعروفين بالمقاومة الوطنية وعلاقة كل مدينة أو قرية مع جاراتها من القرى.

إن هذه المعلومات التفصيلية لم تكن لأهداف عسكرية صِرْفة، بل كانت إعداداً لضرب هذه المدن والقرى وتسهيل عملية الترحيل. وقدَّم على سبيل المثال قرية مجد الكروم الباقية إلى الآن فقال إن القائدين اللذين احتلا المنطقة اختلفا ورفض أحدهما، بحزم، ترحيل القرية، ولذلك بقيت، بعد أن كان قد رحل نصف سكان القرية ولكن أغلبهم عادوا كمتسللين!

ما كان الصهاينة يفكرون به ويخططون له،هو إقامة دولة لهم في فلسطين، للهروب من تاريخ من الاضطهاد في الغرب، وكان السبيل إلى ذلك، هوالاستناد إلى مزاعم توراتية.
وقال الدكتور إيلان بابيه إن كل الخطة لجمع المعلومات الداخلية في المدن والقرى الفلسطينية أشرف عليها وأدارها الناشط الصهيوني عزرا دانين، الذي دسّ المستعربين الباحثين من أعضاء المنظمات السرية الصهيونية في القرى العربية، وأحياناً عرّض حياتهم للخطر في سبيل اختراق المجتمع الفلسطيني وجمع أكثر ما يمكن من المعلومات عن المبنى الداخلي للمجتمع الفلسطيني، القرى والمدن والقيادات والطاقات وإمكانيات المقاومة.

وقال الدكتور بابيه تمتد جذور فكرة التطهير العرقي في فلسطين إلى ولادة الحركة الصهيونية التي ظهرت في ثمانينيات القرن التاسع عشرفي أوروبا الوسطى والشرقية كحركة إحياء قومي، أثارها الضغط المتنامي على اليهود في تلك المناطق. وفي بداية القرن العشرين ربط معظم زعماء الحركة الصهيونية بين الإحياء القومي وبين استعمار فلسطين. وكان آخرون، ولاسيما مؤسس الحركة، تيودور هيرتزل، أكثر تأرجحاً، ولكن، بعد موته سنة 1904 كان التوجه نحوفلسطين ثابتاً ويحظى بقبول زعماء الحركة.

ويقول المؤلف إيلان بابيه: إن اليهود كانوا يُجلوّن فلسطين عبر القرون باعتبارها مكاناً يحجون إليه وفق الديانة اليهودية، ولم ينظروا إليها في يوم من الأيام كدولة زمنية في المستقبل. وكانت التعاليم اليهودية تأمر اليهود بوضوح بانتظار قدوم المسيح المنتظر في "نهاية الزمان" قبل أن يستطيعوا العودة إلى فلسطين كشعب مستقل، وهذا هو السبب في أن فئات عديدة من اليهود الحريديين أوالمتزمتين إما أنهم غير صهاينة، أومناوئون للصهيونية. أي أن الصهيونية، كما يقول المؤلف، قد أضفت على الديانة اليهودية الطابع الدنيوي أوالقومي.

ويضيف المؤلف، أن المفكرين الصهاينة، لكي يجعلوا مشروعهم يؤتي أكله، ادعوا ملكية المناطق التوراتية وأعادوا خلقها، بل اخترعوها كمهد لحركتهم القومية الجديدة. وكانوا يعتبرون فلسطين محتلة من قبل "الغرباء" وأنه يجب إعادة امتلاكها. ومعنى "الغرباء" هنا، كل من ليس يهودياً،وكان يعيش في فلسطين منذ العهد الروماني،بل إن فلسطين في نظرالعديد من الصهاينة لم تكن حتى أرضاً"محتلة"عندما جاؤوا إليها أول مرة سنة، 1882 بل أرضاً"خالية" وكان الفلسطينيون المحليون الذين يقطنونها غير مرئيين بالنسبة إليهم، وإن رأوهم، فما هم إلا جزء من العقبات الطبيعية التي يجب التغلب عليها وإزالتها، ولم يكن شيء لا الصخورولا الفلسطينيون ليقف في طريق "استرداد" الأرض التي تشتهيها الحركة الصهيونية.

ويتابع المؤلف قائلاً: إن الصهيونية ظلت حتى احتلال فلسطين من قبل بريطانيا سنة، 1918 مزيجاًمن الممارسة القومية والاستعمارية. وكانت محدودة في مداها: فلم يكن الصهاينة يزيدون على 5% من مجموع عدد السكان في ذلك الوقت، وحيث كانوا يعيشون في مستعمرات فإنهم لم يؤثروا في السكان المحليين، كما لم يلفتوا أنظارهم بوجه خاص.

ويقول المؤلف: إن احتمال استيلاء الصهاينة على البلاد في المستقبل وطرد شعبها الفلسطيني منها، الأمرالذي أدركه المؤرخون بأثر رجعي في كتابات الآباء المؤسسين للصهيونية، أصبح واضحاً لبعض الزعماء الفلسطينيين حتى قبل الحرب العالمية الأولى، وكان الزعماء الآخرون أقل اهتماماً بالحركة.

ويمضي المؤلف إلى القول أن الأدلة التاريخية تبين أن العديد من الزعماء الفلسطينيين، في وقت ما بين سنتي 1905 و1910 كانوا يناقشون أمرالصهيونية كحركة سياسية تهدف إلى شراء الأرض، والممتلكات ومصادرالقوة في فلسطين، على الرغم من أن الإحتمالات الكامنة المدمرة لم تكن مفهومة تماماً في تلك الفترة، ونظرالكثيرمن أفراد النخبة المحلية إلى الأمرباعتباره جزءاً من الحركة التبشيرية والاستعمارية الأوروبية وهوكذلك في جزء منه، ولكن له جانباً آخر بطبيعة الحال، تحول إلى مشروع خطير بالنسبة إلى السكان المحليين.

إن المفكرين الصهاينة، لكي يجعلوا مشروعهم يؤتي أكله، ادعوا ملكية المناطق التوراتية وأعادوا خلقها، بل اخترعوها كمهد لحركتهم القومية الجديدة. وكانوا يعتبرون فلسطين محتلة من قبل "الغرباء" وأنه يجب إعادة امتلاكها.
وكانت نوايا الصهاينة قبل الاحتلال البريطاني أواخر سنة 1917 مبهمة،لا بسبب عدم وضوح الرؤية والهدف لديهم،بل لخشيتهم من أن تقوم الحكومة في إسطنبول بطردهم من البلاد، ولكن،عندما كانت ثمة حاجة إلى نشر صورة أوضح للمستقبل،لم يكن هنالك أي إبهام. فما كان الصهاينة يفكرون به ويخططون له،هو إقامة دولة لهم في فلسطين، للهروب من تاريخ من الاضطهاد في الغرب، وكان السبيل إلى ذلك، هوالاستناد إلى مزاعم توراتية.

إن اللحظة التي منح فيها وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفورالحركة الصهيونية وعده سنة 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، قد فتحت الباب على مصراعيه لصراع لا ينتهي،سرعان ما عصف بالبلاد وأهلها.. ولم يكن بالإمكان تحقيق المشروع الصهيوني إلا من خلال خلق دولة لهم خالصة في فلسطين، كملاذ آمن لهم من الاضطهاد. وكمهد لقومية جديدة، وكان لا بد لمثل تلك الدولة أن تكون يهودية حصراً، لا في تركيبها الاجتماعي السياسي وحسب، بل في تركيبها العرقي كذلك.

وعن موقف بريطانيا من ذلك، يقول إيلان بابيه، إن سلطات الانتداب البريطاني قد سمحت للحركة الصهيونية منذ البداية، أن تقيم لنفسها كياناً مستقلاً داخل فلسطين، ليكون بمنزلة البنية التحتية لدولة تقوم في المستقبل.. وقد تضمنت الاستعدادات الصهيونية للاستيلاء على الأرض بالقوة، فيما لو فشل تسليمها للصهاينة من خلال الدبلوماسية، إنشاء منظمة عسكرية فعالة، بمساعدة الضباط البريطانيين المتعاطفين، والبحث عن موارد مالية سخية، يمكن بوساطتها تهجير اليهود إلى فلسطين.

اقرأ أيضا: الكيان الصهيوني والتطهير العرقي في فلسطين.. قراءة في كتاب
التعليقات (0)