مقالات مختارة

أقيم العرس وتمنع المدعوون

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
كتب فهمي هويدي: ما حدث في التصويت على الانتخابات الرئاسية يبعث برسالة ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد. ذلك أن ما جرى ما يكن «عُرسا» كما تصور البعض أو تمنوا. وإنما كان اختبارا سياسيا لا يبدو أن النجاح فيه تم بالتفوق المرتجى، الأمر الذي يدعونا إلى إعادة النظر في العديد من التصورات والأساطير التي جرى الترويج لها خلال الأشهر الأخيرة. حيث أزعم أن ما جرى بعد خطوة مهمة على طريق ملامسة الواقع وإدراك حقائقه التي بينتها الحسابات المغلوطة من جانب والضجيج والمكايدة من جانب آخر.

أمس (الأربعاء 28/5) كانت عناوين صحف الصباح كالتالي: الصناديق تبحث عن ناخبين ــ جهود مكثفة لحشد الناخبين في اللحظات الأخيرة (الشروق) ــ الدولة تبحث عن صوت ــ أرقام انتخابات الرئاسة شوكة في ظهر السيسي (المصري اليوم) ــ أزمة في انتخابات الرئاسة (الأخبار). صحيح أن جريدة «الأهرام» تحدثت عن «إقبال كثيف على اللجان الانتخابية وسط أجواد احتفالية»، إلا أن ذلك كان عنوانا سياسيا أريد به ستر العورة وليس له علاقة بمهمة تنوير القارئ وإطلاعه على ما جرى.

ما سبق لم يكن التعبير الوحيد عن الأزمة، لأن التفاصيل أعطت صورة أوضح، حملت في طياتها أجراس التنبيه وربما الإنذار أيضا، ذلك أن بوادر الأزمة لاحت بسرعة في اليوم الأول للتصويت (الإثنين 26/5) حين خرجت علينا صحف الصباح بعناوين مشبعة بالحماس والتفاؤل، ومتحدثة عن إبهار العالم من خلال الاكتساح المنتظر والمستقبل المشرق الذي يلوح في الأفق. إلا أن برامج الحوارات المسائية قلبت الصورة رأسا على عقب، ذلك أنها عبرت عن الصدمة والقلق من قلة عدد المصوتين، وتصايح مقدمو البرامج متسائلين: أين الرجال وأين الشباب وأين جماهير 30 يونيو؟ وسمعت واحدة قالت إن ذلك العزوف من شأنه ليس فقط تبديد آثار 30 يونيو، ولكنه قد يفضي إلى ضياع مصر كلها!

سواء كان ذلك الاستنفار تم مصادفة، أم أنه استجابة لتوجيه أحد عناصر حملة المشير السيسي كما ذكرت صحيفة «المصري اليوم» وقالت إن لديها تسجيلا صوتيا تضمن ذلك التوجيه، فالشاهد أن اليوم الثاني للتصويت (الثلاثاء) شهد تعبئة قوية لصالح الدعوة إلى المشاركة في التصويت. إذ اعتبر عطلة رسمية. في دوائر الحكومة والبنوك والبورصة، ودعا القطاع الخاص إلى التوقف عن العمل لتمكين العاملين من الذهاب إلى لجان التصويت. وقرأنا أن قوات الجيش اعتقلت صاحب محل خراطة اسمه عمر هاني أنور في قرية قصر الباسل بالفيوم لأنه رفض إغلاق ورشته القريبة من مقر إحدى اللجان، كما أنها حثت أصحاب المحلات التجارية إلى إغلاقها لذات الغرض. وسمعت إحدى المذيعات وهي تقول إن تعطيل الإنتاج لنصف يوم أمر يمكن احتماله لإنقاذ الوطن (إعلامي آخر وصف المقاطعة بأنها «خيانة»). وفي حين طافت السيارات بأنحاء بعض المدن لحث الناس من خلال مكبرات الصوت للتوجه إلى اللجان، وأصدرت بعض الشركات بيانات للعاملين دعتهم فيها إلى التصويت، وقال بعضها إن موظفي الأمن سيتأكدون من ذلك صبيحة اليوم التالي من خلال التثبت من وجود اللون على أحد أصابعه.. وسيحرم من الحوافز من يقصر في ذلك. ولتيسر وصول الناخبين إلى لجانهم فإن بعض المحافظين وفروا سيارات مجانية لأجل ذلك. بل إن وزارة النقل أعلنت أنه بوسع أي مواطن في أي منطقة أن يستخدم القطارات وسيارات الركوب بالمجان لكي يصل إلى لجنته، كما أنه سيتم التسامح مع كل من ركب قطارا دون أن يحصل على التذكرة التي تخول له ذلك، طالما أنه ذاهب إلى محل إقامته لأجل التصويت. وإلى جانب الترغيب، جرى التهديد بإحالة كل من تقاعس إلى النائب العام لتغريمه مبلغ 500 جنيه.

المهم أن كل جهة في الدولة قامت بأقصى ما تستطيع لإيصال الناس إلى لجان التصويت. ولم تقصر إذاعة القرآن الكريم التي استدعت علماء للحديث عن أضرار السلبية والآثار والمفاسد التي تترتب عليها في الدنيا والعقاب الذي ينال السلبيين في الآخرة. وهو ما سبقهم إليه شيخ الأزهر والمفتي ووزير الأوقاف، الخلاصة أن اليوم الثاني شهد منذ طلوع الشمس حملة واسعة لتدارك ما جرى في اليوم الأول. ولك أن تتصور في هذه الأجواء المحمومة حجم تعليقات الظرفاء من المصريين الذين ظل الموضوع محل تندُّر وسخرية من جانبهم طوال اليوم. حتى أن أحدهم اقترح عرض فيلم «حلاوة روح» الممنوع في لجان الانتخابات باعتبار ذلك أضمن وسيلة لجذب الناخبين!

ــ وعلق البعض على عربات حزب النور التي طافت ببعض البلدات داعية الناس إلى المشاركة. قائلين إن العربات كانت لصالح حملة السيسي حقا، لكن السائقين التزموا بالمقاطعة، لأننا رأينا العربات في الصور ولم نر وجودا للسلفيين في أعداد المصوتين. وحين قيل إن التصويت سوف يستمر ليوم ثالث أبدى كثيرون دهشتهم قائلين إن المد عادة ما يكون لاستيعاب أعداد المقبلين على التصويت إلا أن هذه المرة الأولى التي يتم فيها المد أملا في زيادة تلك الأعداد.

كيف تفسر المفاجأة غير المتوقعة؟ ـ أجيب على السؤال يوم السبت بإذن الله.

(بوابة الشروق المصرية)
التعليقات (0)