كتاب عربي 21

نم قرير العين يا باسم يوسف

ياسر أبو هلالة
1300x600
1300x600

في عز القمع الذي مارسه حافظ الأسد سمح للفنانين والكتاب بهامش حرية واسع يمارسون فيه دورهم النقدي، وفي المقابل يمارس النظام سياسة التنفيس خوفا من الانفجار، في هذا الجو ظهر محمد الماغوط ودريد لحام في المسلسلات والمسرحيات الساخرة، وسعدالله ونوس في المسرح وعلي فرزات في الكاريكاتور. لا تدين تلك المساحة التي سمح بها الطاغية الفنان. وتكرر الأمر في عهد الوريث بشار وشهدنا مسلسل مرايا الذي تفوق فيه المبدع ياسر العظمة كثيرا على دريد لحام الذي بهت بعد فراق الماغوط. في مصر لم نجد هذه الظاهرة لا في عهد عبدالناصر ولا من تلاه من طغاة واقتصرت السخرية على المواضيع الاجتماعية، وسخّر أبرز الساخرين عادل إمام لصالح عهد مبارك بصورة دعائية فجة. 

حصل الاختراق في ظل ثورة يناير وحكم مرسي، باسم يوسف تحول إلى نجم عالمي في السخرية السياسية على طريقة ستيوارت. ولا شك أنه فنان قدير ومثقف يستحق تلك الشهرة، غير أن موهبته ما كانت لتظهر لولا الشروط السياسية التي وفرتها ثورة يناير، والتي جعلت الحاكم سواء كان مبارك الآفل أم المجلس العسكري أم الرئيس المنتخب محمد مرسي بشرا تحت سيف السخرية. أخذ الكثير على يوسف في فترة مرسي، فهو تحول -بوعي أو بدونه- إلى أداة في يد الدولة العميقة التي قادت الثورة المضادة، وساهم بشكل أساسي في تشويه الرئيس المنتخب وتحضير الأجواء لانقلاب دموي. 

وفرق كبير بين السخرية بشكل إبداعي وبين الحملة السياسية المركبة والمنظمة، وهو ما تأكد بعد الانقلاب، إذ لم يعامل وزير الدفاع الذي قاد انقلابا معاملة رئيس منتخب لم يتورط في مجازر أو اعتقالات او قمع مظاهرات في فترة حكمه، صدم يوسف مشاهديه عندما صار يسخر من الإعلاميين ولا يسخر من القيادات التي ينافق لها الإعلاميون، والتلميحات بشأن السيسي توقفت وتوقف البرنامج أثناء الحملة الانتخابية ثم وبشكل مفاجئ أعلن عن توقفه.

ما جرى فسخ عقد مع أم بي سي مصر، يقال إن قيمة التعويض فيه نحو خمسة ملايين دولار، والفنان  يساوي أكثر من ذلك فهو كالدجاجة التي تبيض بيضة من ذهب كل يوم. وتفسير يوسف للأمر بأنه خشية على سلامته غير مقبول، فهو يمتلك خيارات واسعة للعمل سواء بالعودة الى أميركا أو أي بلد غربي وحتى من بلدان عربية. لكنه اختار كما يظهر أن يبيع سكوته في هذه المرحلة التي تتطلب تنصيب السيسي بدون أي سخرية. وربما بحسب ما يشاع يعود بقرار من السيسي ويظهر المشير باعتباره حاميا للمبدعين. 

وحده باسم يوسف يستطيع أن يرد اتهامات بيع الصمت من خلال العودة الى اليوتيوب، فمقطع ساخر له من غرفة النوم سيشاهده ملايين  وسيجد تمويلا من معلنين لا يهمهم إلا عدد المشاهدين على النت. ليست القضية حل المشكلة المالية لفنان صار سعره بالملايين، ولكن حل مشكلة أخلاقية في عدم هيمنة طاغية سواء بسيف المعز أم ذهبه. واليوم نشاهد شبانا مصريين كـ "جو تيوب" يحققون مشاهدات تفوق الملايين بإمكانات محدودة. والقضية ليست إمكانات مادية.

في الواقع لم تعد مصر تحتاج فنانا ساخرا، فالانقلاب كل يوم يبث على الهواء مقاطع ساخرة لا تحتاج إلى مونتاج! نم قرير العين يا باسم.
0
التعليقات (0)