كتاب عربي 21

لماذا ظهر البغدادي وما هي التداعيات؟

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600
في الحديث عن ظهور أمير "الدولة الإسلامية"، أو الخليفة البغدادي من خلال الفيديو الذي بث على الإنترنت كخطبة جمعة، ثمة أكثر من جانب يمكن الحديث عنه، أكان من ناحية الشكل أم المضمون، أم من ناحية الأسباب التي دعته للظهور ومن ثم تداعياته.

في الجانب الشكلي، يمكن القول إن ما جرى كان متقنا لجهة الإخراج والتصوير السينمائي الواضح، فضلا عن هيئة الرجل الذي لم تكن له غير صورة وحيدة (ثبت صحتها)، لكنها قديمة وكانت لحيته فيها قصيرة. هنا كانت الهيئة تنطوي على قدر من الهيبة، وبدا في اللباس كأنما هو خليفة عباسي في أحد المسلسلات التاريخية المتقنة للمخرج حاتم علي، ولا شك أن لذلك تأثيره على الأتباع من جهة، وعلى الآخرين أيضا، وإن بدرجة أقل، لأن النظر من زاوية الحب يختلف بكل تأكيد.

من زاوية المضمون؛ مضمون الخطبة، فهي لم تحمل جديدا من حيث الموقف، اللهم سوى محاكاة الرجل لأبي بكر الصديق في خطبة توليه الخلافة (كلاهما أبو بكر!!)، فضلا عن تأكيده على نهج الجهاد، وقبل ذلك حديث وعظي عن رمضان. وفي كل ذلك بدا أن ما ذكر عن البغدادي كان صحيحا لجهة أنه أقرب إلى شخصية شيخ أو عالم أو طالب علم شرعي (قل ما تشاء)، منه إلى شخصية السياسي، فحديثه لم يكن مسيَّسا؛ لا هذه المرة ولا المرات السابقة. وقد يشير ذلك إلى وجود طاقم سياسي وعسكري من حوله، بصرف النظر عن الرأي في اجتهاداته من حيث الصواب والخطأ، مع العلم أن كثيرين يتحدثون عن وجود ضباط بعثيين سابقين من حوله، مع أن كلمة بعثي ليست ذات دلالة مهمة، إذ أن بعضهم كان موجودا في الحزب لاعتبارات مصلحية دون قناعة أيديولوجية (صدام نفسه لم يعد مؤمنا بها في آخر أيامه)، فضلا عما يصيب الناس من تغير في النهج تبعا للظروف الشخصية والعامة.

من ناحية الأسباب التي دعت البغدادي إلى اتخاذ قرار الظهور، يمكن القول بكل بساطة إن ذلك يتعلق باستحقاقات التطور الأخير ممثلا في إعلان الخلافة، لاسيما أن معظم الجهات التي أعلنت رفضها قد تحدثت عن عدم معرفة الناس له كسبب للرفض (بيعة المجهول)، من دون أن يكون ذلك هو السبب الوحيد بكل تأكيد، إذ يتقدم عليه عدم وجود سلطان كامل على أرض محددة (فضاؤها وأرضها؛ وبحرها إن وجد)، وهو ما يردون عليه بوجود سلطة لهم على مدينة الرقة السورية التي انضمت إليها مناطق أخرى في سوريا والعراق (فضاؤها مستباح بالطبع).

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ويتعلق بالتداعيات هو: هل كان قراره بالظهور موفقا وصائبا، أم أنه ينطوي على مخاطرة، وهل سيفيده ويحقق الهدف المطلوب بالفعل أم لا؟

لا شك أن ظهوره سيفيد لجهة ما يمنحه من دفعة للمريدين، لكن الآخرين أو معظمهم لن يغيروا رأيهم، فتحفظاتهم على إعلانه الخلافة لا تنحصر في مسألة الظهور كما أشير من قبل. أما الأهم فهو أن خلافته أو دولته لا يجعلها حقيقة واقعة ظهوره أو تخفيه، بل الحقائق الموضوعية على الأرض، وقد كان الملا محمد عمر غير معروف سوى للقلة من حوله، لكن دولته كانت تحظى باعتراف دولي.

حين ظهر الزرقاوي في شريط مصور في صحراء الأنبار، كتبت في اليوم التالي قائلا إن ذلك سيكون آخر ظهور له على الأرجح، وقد كان بالفعل، فالأرض مليئة بالمخبرين؛ والفضاء بأجهزة التجسس، وهو ما ينطبق هنا على البغدادي بدرجة أقل نظرا لاختلاف الظروف الموضوعية نسبيا (كانت للزرقاوي حاضنة شعبية جيدة في العراق وقت اغتياله)، لكن المؤكد أن حياته (أعني البغدادي) باتت في خطر، ولا قيمة هنا للقول إن موته لن يغير شيئا، لأن تعويض القادة ليس بالأمر الهين؛ بخاصة في التنظيمات السرية.

الخلاصة أن شيئا مهما لن يتغير بعد الظهور، لكن المخاطر على حياة الرجل ستزداد، أما التأييد فسيبقى محدودا، وإن تحسَّن بعض الشيء، لكنه سيرتبط بسلوك التنظيم أو الدولة مع الآخرين، إن كان في العراق أم سوريا، أما الأهم، فهو ذلك المتعلق بتطورات الوضع في البلدين؛ إن كان سيمضي في اتجاه تعزيز مسار الحرب، أم يمضي نحو تسوية إقليمية مع إيران على كل الملفات العالقة، ويبدو أن خيار استمرار الحرب لبعض الوقت هو المرجح.
التعليقات (2)
حسَّن
الثلاثاء، 08-07-2014 01:35 ص
مقالك جيد سيد زعاترة إلا أن لنا تحفظات حول نقاط معينة تضمنها مقالك : 1 البغدادي محاط ببعثيين و بعثيون متحولون هذا لا دليل عليه 2 تقول عن الخطاب أنه خال من السياسة و هذا صحيح إلى حد ما غير أني أتسائل في معنىى أطيعوني ما أطعت الله فيكم أليس هذا عقدا سياسيا كاملا و كذا تلميحك أن الدولة لا تحمل في ثناياها منظرين سياسيين إلا بخلفية بعثية و هذا لا دليل عليه 3 تقول أن وضع الدولة و قبولها يتوقف على قدرتها في تحسين علاقتها مع الآخرين تلميحا أن مشكلتها كانت سوء معاملتها للآخرين .لا أدري بالتحديد من هم الآخرون في رأيك!هل هم الصحوات !!؟ و كذا تطرح إمكانية تسوية مع إيران و كيف للدولة أن تقوم بتسويات مع من تحاربه مباشرة و بعد تدهور العلاقة مع قاعدة خراسان إن كنت تريد أن تقول أن الدولة الإسلامية لم تستهدف يوما إيران خوفا على القاعدة و خطوط إمدادها
عبدالحكيم حسن
الإثنين، 07-07-2014 01:58 م
في ظل الدكتاتوريات والغساد والخيانة والعمالة والهزائم الدامية والفرقة والتجزيئة فإن الخيار القادم مترع بالأمل والرجاء رغم الخوف عليه ومنه، فلم نزل ننتظر التطمين والتأليف والتقريب لا التهديد والوعيد والشرذمة.