مقالات مختارة

لماذا تصعب مقاومة "تنظيم الدولة" وطنيّاً؟

حازم صاغيّة
1300x600
1300x600
ما إن وضع القتال في غزّة أوزاره، وقبل استئناف التفاوض في القاهرة حيث يُفترض أن يُترجم القتال إلى سياسة، انفجرت الحرب السياسيّة بين محمود عبّاس وسلطته في الضفّة الغربيّة وبين حركة "حماس" وسلطتها في غزّة.

والكلام الصادر عن طرفي النزاع الفلسطينيّين كلام نقض، لا كلام نقد. فما من شيء فعلته "حماس"، التي نسبت إلى نفسها وإلى حربها أسماء الله الحسنى، مقبول من عبّاس. وإذ شكّكت الأولى مراراً وتكراراً بأفعال الثاني وأقواله، وكادت تنزع عنه "الوطنيّة" التي تحتكرها، شكّك الثاني بإطالتها زمن القتال ومضاعفتها عدد الضحايا من دون جدوى، هاجياً قتلها "العملاء" بالطريقة التي فعلت، وإقرارَها
بعمليّة خطف المستوطنين الثلاثة بعد إنكار، فضلاً عن اتّهامها بالتآمر لإطاحة سلطته.

وانفجار المعركة السياسيّة هذه قبل أن تسكت المدافع مع إسرائيل يقول، مرّة أخرى، إنّ انشقاق الضفّة – غزّة أعمق كثيراً من أن يتحايل عليه الاشتراك في وفد سبق أن فاوض في القاهرة، أو حتّى في حكومة ائتلافيّة حجبتها الأحداث الكبرى التي انفجرت بُعيد ولادتها.

وهذا ما لا علاقة له بـ"تنظيم الدولة" من بعيد أو قريب. إلاّ أنّه يشي بأحد أبرز الأسباب، إن لم يكن أبرزها، وراء نشأة ظاهرات «داعشيّة»: إنّه هشاشة الوطنيّات العربيّة، ومن ثمّ هشاشة الأُطر التي تحتويها أو تعبّر عنها.

وقد سبق أن رأينا أشكالاً فادحة كثيرة لتلك الهشاشة في مهود "تنظيم الدولة" الأصليّة. فالنظام السوريّ أغلق، على مدى ما يقارب الأربع سنوات، كلّ فرص التسوية المعقولة مع الثائرين عليه ممّن هم أكثريّة شعبه. وهو، في هذا، آثر أن يردّ بالقتل الوحشيّ الذي تعدّدت أشكاله فيما بقي هدفه واحداً: "الأسد أو نحرق البلد".

وفي العراق اليوم، وعلى رغم الضغوط الدوليّة والإقليميّة الهائلة، لا يزال باب التسوية موصداً، على ما يدلّ انهيار المفاوضات التي يُفترض أن يتأدّى عنها تشكيل حكومة حيدر العبادي، والتي لا يضمن استئنافُها نجاحَها الصعب. والأمر لا يعدو كونه تنازعاً على الحصص بين القوى السنّيّة والتحالف الشيعيّ، بعدما اتّفق الجميع ظاهريّاً على إدانة الاستئثار الذي مارسه نوري المالكي واعتباره واحداً من الأسباب المفضية إلى "تنظيم الدولة".

والحال أنّ القوى المسلّحة المناهضة لسلطتي دمشق وبغداد لم تُبدِ من الحرص على الوحدة الوطنيّة والعيش المشترك أكثر ممّا أبداه النظامان، والبرهان هو بالضبط نجاح "تنظيم الدولة"، وسيطرة القوى الإسلاميّة السنّيّة المتطرّفة على المشهد المعارض في البلدين.

أمّا اللبنانيّون بدورهم، فيُفترض ألاّ يصدمهم القول، المعزّز بتجربة عرسال وعدم انتخاب رئيس والتمديد للبرلمان وترقيع تشكيلة حكوميّة، إنّ وطنيّتهم قد تكون أسوأ أسلحتهم وأضعفها في وجه "التنظيم".

وحيال هذا الهزال الذي تتكشّف عنه الوطنيّات العربيّة، وصولاً إلى ليبيا غرباً واليمن جنوباً، تستقلّ الحالة الكرديّة بخصوصيّة لافتة. فهي أصلاً براء من هذا الافتراض الوطنيّ الذي كانت تراه قسريّاً فصارت، بعد الثورات، تراه فولكلوريّاً. وإنّما بالمعنى هذا يخوض الأكراد معركتهم من دون أن يكونوا مخدوعين بوطنيّةٍ لم يحملوها مرّة على محمل الجدّ، ومن دون أن يكونوا مهمومين بتمتين نسيجها الذي يعرفون أنّه لا يقبل التمتين لأنّه غير قائم أصلاً.

وتُغري خلاصة هذه الأحداث بافتراض قد يؤلم البعض، وهو استحالة التصدّي لـ"التنظيم" على قاعدة مزعومة أو مُتَخيّلة اسمها الوطنية. أمّا تتمّة هذا الافتراض فأن يكافح الأكرادُ "التنظيم" بوصفهم أكراداً، وهكذا دواليك بلداً بلداً وجماعةً جماعة.

وهذا، أكان أوباما متراخياً أم كان حازماً، مصدر الإضعاف الأوّل لحرب قد ينوي شنّها على "التنظيم".


(الحياة اللندنية)
التعليقات (0)