مقالات مختارة

عندما أصاب نصرالله

حسام عيتاني
1300x600
1300x600
على ندرة المقولات الصائبة في كلمات الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، إلا أنه أصاب في رفضه المزج بين الفكر الاشتراكي وبين الإسلام.

رأى نصرالله في كلمته أمام «مؤتمر التجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي» أنه في مرحلة من المراحل عمد بعض المفكرين إلى تقديم آراء تتماشى مع الماركسية أثناء مدها، فخرج بوصف الإسلام على أنه اشتراكي، وقال إن أبا ذر الغفاري هو الاشتراكي الأول في الإسلام، في حين أن الإسلام مستقل في آرائه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

القسم الأول من هذا الكلام المعترض على اشتراكية الإسلام لا غبار عليه. ربما تصح العودة في «تأسيس» اشتراكية الإسلام إلى سيرة سلمان الفارسي التي وضعها المستشرق لوي ماسينيون؛ حيث ظهر الصحابي سلمان في الأعوام الأولى للعهد الأموي يُعرِّف الصنّاع الفرس في البصرة على علي بن أبي طالب، وينشر بينهم محبته والولاء لآله. 

رأى بعض الكتّاب العرب في استجابة العمال الفرس الباحثين عن أمل ما بعد هزيمة إمبراطورتيهم، بداية انتشار الوعي الطبقي كفئة مُستغَلّة من قبل الأرستقراطية العسكرية العربية. وبعد فترة جاء من يقول إن التشيّع لآل محمد يعبّر عن المضمون الثوري في الإسلام، مقابل الانحياز السنّي إلى السلطة والحامل لبذور القبول بالاستبداد.

تلخص هذه المقاربة الرؤية النمطية إلى التاريخ بمعايير الحاضر ومصطلحاته والسعي إلى إسقاط خلافات وصراعات اليوم على أحداث الأمس.

ويبدو أن نصرالله يشير خصوصاً إلى الكاتب الإيراني علي شريعتي الذي يعدّ الأب الروحي لتوليفة الإسلام اليساري (مع زيادة في المكون الإسلامي على اليساري)، رغم أن شريعتي لم يكن الأخير في بحثه عن قواسم مشتركة بين الماركسية والاشتراكية عموماً وبين الإسلام. 

يمكن هنا الحديث عن حسن حنفي ومؤلفه الشهير «اليسار الإسلامي»، وعن حسين مروة و"النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية"، الذي يبحث عن ملامح اشتراكية ومادية في الفكر المنتج في العصور الإسلامية المبكرة، ولا يخفي إشارته إلى فرز على أسس طبقية أولية بين الفقراء والأغنياء، في إسقاط مباشر لمقولات المدرسة الماركسية السوفياتية، على وجه التحديد. 

وهذا ما سارت عليه مؤلفات أخرى تناولت ثورة بابك الخرمي أو ثورة الزنج؛ حيث اتفق المؤلفون على المضمون التقدمي لتلك الثورات في وجه السلطات العباسية المتحالفة مع الإقطاع الزراعي القائم على السيطرة على الأرض ونظيره الجبائي، (وفي هذا تجاوز آخر لطبيعة الاقتصاد الإسلامي في تلك العصور).

من ناحية ثانية، يبدو إدراج أبي ذر الغفاري ضمن الثوار الساعين إلى العدالة الاجتماعية، بتعريفات تقارب تلك التي ظهرت بعد الثورة الفرنسية، خطأ معرفياً آخر ارتكبه الكتّاب المذكورون. 

في حوزتنا مرجع قيّم درس الشخصيات الثائرة ونجح، على ما نعتقد، في وضعها في سياقها السياسي والاجتماعي الصحيح. نقصد هنا كتّاب «الفتنة» للباحث التونسي هشام جعيط. في قراءته لسلوك أبي ذر وعمار بن ياسر وغيرهما من «يسار الصحابة»، على ما يحب بعض المؤرخين القول، نرى أبا ذر في موقع من يشعر بضعف سنده القبلي وبحثه عن موقع تحت الشمس، من خلال رفع الصوت في وجه «النظام» التعاقدي الذي ضم جميع فروع قريش النافذة.

طبعاً، لم يترك الإسلاميون خصومهم اليساريين يسيطرون على ساحة التأويل التاريخي، فردوا في مؤلفات من مثل ما كتبه محمد باقر الصدر، الذي شنّ هجوماً شرساً على الماركسية واليسار والاشتراكية.

أما أن الإسلام لا علاقة له بالرأسمالية، فذلك حديث آخر.



(نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية)
التعليقات (0)