قضايا وآراء

إعلامنا الخِرْباق

محمود الفقي
1300x600
1300x600
عرَّف السفير محمود عزمي الصحافة أنها ببساطة "رصد الأخبار ونشرها"، وربما لو كان حيا لأعاد تعريفها برصد الأخبار و"فشخها"!

هل كان يتصور هذا الكاتب أن يحشد الإعلام ويتحيَّن كل فرصة لإسقاط رئيس منتخب في حرب لا يتورع فيها عن التحريض على الدم وهتك العرض واستنزاف موارد الدولة الشحيحة أصلا في حرب وهمية ضد إرهاب مسبَّب؟

اتصلت بي جريدة الوطن عبر مسؤول الإسلام السياسي بها سعيد حجازي طالبا نشر مقالاتي عن نقد الخطاب السلفي التي سرق بعضها الدكتور محمد حافظ دياب ليفرد لها كتابا بنفس العنوان، ووالله لو كان أحسن التصرف بها لما كنت ذكرت ذلك، فمن أنا أصلا؟!!

المهم كان سعيد لطيفا فبادرته بأنها أضعف ما كتبتُ، وببعضها نبرة هجوم عِلته تحريض شقيق محمد حسان (محمود) على طردي من القناة التي كنت أعمل بها، وليس غريبا عليه ذلك، وكنت أعرف سمعته المشينة في بلدنا قبل أن يصبح الآن من الأعيان، وقبل أن تغدو شركتا سياحة للحج والعمرة أقل ما يملكه بفضل ثراء أخيه -الشيخ محمد- الفاحش.

وإن لي (أكملتُ) مقالات أحبها جدا لأنها ببساطة صادقة ورساليَّة وإصلاحية يمكن البناء عليها بعد تصويبها ومراجعتها، فبادرني بصراحةٍ أثنيتُ عليها لاحقا: نحن لا نطلب إلا ما فيه نقد للسلفيين، هذا غرضنا "الآن" وتلك غايتنا، واتصلنا بك فيما نستطيع نشرها حتى إذا تطايرت السهام تبرَّأنا وقلنا إنك أنت من أرسلها!

أشفقت على السلفيين، وحزنت أكثر لمَّا اتصل بي الرضواني وحرضني على حسان فقلت: أنا لست ضده شخصيا، بل وأنا أقل بكثير من ذلك، فقط أريد عرض قراءة مشتركة لما أنجزه الخطاب السلفي -إن كان أنجز أصلا- ومشكلاته ومسبباته، لكنه انثنى كُرها وقصَّر في الحديث، وشعرت بالفجيعة لما طلب مني الصحفي بصوت الأمة رمزي أبو العلا بلا صفرة وجل أو حمرة خجل تسجيل مكالمة مع حسان دون أن يشعر، شعرت بالعار وقلت: كيف تتصور أن أقترف هذا الذنب؟!

فاصل ونعود: لاحظتُ أنني كررت كلمة "أصلا"، وقد أخذتها من ابن رشد في كتابه "فصل المقال"، وكنت قرأته في الكتبخانة الأزهرية في أكثر من ثلاث ساعات رغم صغر حجمه، والأهم أن تكرارها يبدو من رصد حالتي الآن أمارة على الدفاعية وسكون الطبيعة النفسية، وهي خير حالاتي في الكتابة "كما أوصى الجاحظ"، ويبدو فعلا أن ابن رشد كان وقت تأليف كتيبه وتكراره "أصلا" في حالة دفاعية وساكنة ولذا أبدع إبداعا جعلني أقرأ كتيبه (15 صفحة!) في أكثر من ثلاث ساعات، وكنت أقرأ "في صالون العقاد"، وهو أكثر من سبعمائة صفحة، في أقل من ساعتين!

وهنا أشفقت على حسان رغم خنوعه ونفاقه للسلطان دوما حتى لو كان بتأويل.

ومرة ذكر مقالي دون اسمي –كِبرا- البأْف عبد الله كمال في تغريدة توهَّم فيها أن حزب الوفد قد اتفق معي للدفاع عن مبارك لأغراض انتخابية، يقصد البأْف –رحمه الله أو لم يرحمه مش فارقة معايا!- أن الوفد حينئذ كان يستميل بي أعيان الحزب الوطني، وكل ذلك وهمٌ، وأنا نكرة، ولا شيء، والأهم أن البأْف كان لا يرى في الكتابة إلا سلما لنيل مغنم كما كان مع صلاح دياب والكتابة باسم نيوتن.

وما بين جدية ما ذكرتُ وهزل ما أرى رأيت فيما يرى الصاحي بماسبيرو، وكنت ضيفا على التليفزيون المصري –وهو ما يُشرفني حبا في بلادي-، امرأة عجوزا (لعلها فوق الخمسين، فالسن تظهر من العين) ترتدي نقابا ترفعه بحيث يظهر أن لها نقابا لا ترتديه، وتدور في الرواق فأشعر أنني في عالم مجنون يا تفيدة!

يا ماما! أنت منتقبة أم لا؟ وما فائدته الآن؟ لم تفتني وأنت ابنة العشرين فهل تفتنين وأنت في الخمسين؟!

حتى شريف عامر الذي أعرفه شخصيا وأحترمه وقع في الفخ واستضاف راقصة كباريهات لا تجيد إلا هز قزازها وبياظها في حلقة مطولة.

وقل ما شئت عن مذيعة في قناة تايم للأفلام تستضيف أستاذا بطب القصر العيني مكشوفة الصدر، والبعيد يعرض صور العضو الذكري والجراحات المستجدة في تجميله!

عالم مجنون يا تفيدة فعلا! وقد ينتهي بنا العمر ولم نُنْهِ ربع الفتوحات اللوذعية لعكاشة أو ثقل ظل القرموطي أو مكر محمود سعد ودهاء خالد صلاح ("أبو لمونة" عند أمن الدولة) أو عنف أماني الخياط أو رقاعة هبة قطب!

أتذكر الآن شتائم الأطفال في الشارع: يا واد يا خَرَابُؤَّهْ! ولم أكن أفهمها إلا لما كبرت، وعرفت أن أصلها خرباق، وتعني كثير الضَّرط، وهو ما ينطبق على الإعلام المصري انطباق الغطا على الحلَّة ويتصل به اتصال الماء بالقُلة!

ولذا، وكي لا أترسَّل من أزل الآزال إلى أبد الآباد سردا لجنون إعلامنا ووقاحته وجهله؛ فإنني أستعين بما وصف به الساخر الساحر جورج كارلين أهله الأمريكان والأوروبيين -بالتبعية لكونه أيرلنديا- بأنهم (semi-civilized beasts)، تُرى لو كان خالطنا كيف عساه كان يشتمنا؟!
0
التعليقات (0)