ملفات وتقارير

إخوان الأردن والنظام.. كيف أضحى حلفاء الأمس أعداء اليوم؟

العلاقة بين النظام الأردني وجماعة الإخوان تأزمت بعد قيادة الأخيرة لحراك الربيع العربي- أرشيفية
العلاقة بين النظام الأردني وجماعة الإخوان تأزمت بعد قيادة الأخيرة لحراك الربيع العربي- أرشيفية
في شباط/ فبراير 2011 (ذروة الربيع العربي) جمع لقاء العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، بقيادات الصف الأول في جماعة الإخوان المسلمين، الذين دخلوا بقوة في صفوف الحراكات في المملكة، وفي تونس ومصر والمغرب وسوريا وليبيا.

تلقى القصر خلال اللقاء رسائل تطمين من الإسلاميين بأن الربيع الأردني لن يكون على غرار التجربة المصرية، ولن يُرفع شعار "إسقاط النظام"، أو تنقل فكرة ميدان التحرير إلى دوار الداخلية، الذي شهد فيما بعد اعتصاما مفتوحا عرف بـ"اعتصام 24 آذار".

وعقب هذا اللقاء؛ عرضت حكومة الرئيس المُكلف حينها معروف البخيت؛ على جماعة الإخوان أن تشارك في الحكومة، بحسب ما صرح به القيادي في الجماعة حمزة منصور، لشبكة "سي أن أن"، إلا أن الجماعة رفضت هذا العرض، حيث كانت ترى -بحسب مراقبين- أن الظرف التاريخي قد يحقق لها مشاركة أوسع في الحكم، بالإضافة إلى كون البخيت شخصية "غير مرغوب بها" لدى الإسلاميين، فقد قاد في 2007 معركة كسر عظم ضد الإسلاميين، "سَلَبَ" خلالها من الجماعة أهم ذراع مالي لها (جمعية المركز الإسلامي).

هجمة حكومية مرتدة

صاغت فترة الربيع العربي شكل العلاقة المستقبلية بين النظام الأردني وبين جماعة الإخوان المسلمين، فبعد تعذُّر إزهار الربيع العربي في عمان؛ بدأ النظام الأردني هجمة مضادة على الجماعة، تمثلت في سحب الغطاء القانوني للجماعة، والتضييق على فعالياتها، وسجن بعض قيادييها.
 
واتهم القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين عبد اللطيف عربيات، من أسماها "قوى الشد العكسي" بـ"تشويه" الحقائق أمام النظام، ونقل صورة غير حقيقية عن الجماعة.

وأكد عربيات لـ"عربي21" أن "الإخوان لا يريدون تغيير النظام في الأردن، كما صورت هذه القوى، سواء كانت محلية أم خارجية، عربية أو أجنبية، لها أهدافها الخاصة التي لا تتماشى مع أهداف البلد".
 
وحملت مرحلة ما بعد الربيع العربي -الذي تعثرت عجلته في سوريا- رسائل سلبية من النظام الأردني لجماعة الإخوان المسلمين، وشن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني هجوما صريحا على الجماعة، ووصفها بـ"الماسونية" في مقابلته مع مجلة "ذا أتلانتك" الأمريكية، وقال في حديث لشبكة "بي بي إس" الأمريكية إن "جماعة الإخوان المسلمين جمعية سياسية منظّمة؛ قامت باختطاف الربيع العربي".

أما القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، الوزير السابق الدكتور بسام العموش؛ فحمّل القيادة الحالية للجماعة مسؤولية "تردي العلاقة مع الحكومة".

وقال لـ"عربي21" إنها "قيادة لا تملك رؤية سياسية، أو فهما لمجريات الأحداث، فعندما بدأ الربيع العربي حاولت هذه القيادة استغلاله، والانقلاب على سياسة الإخوان التي تقوم على الإصلاح وأنها رديف للدولة، معتقدة بأن ما يحدث في مصر يجب أن يحدث في الأردن".

وأضاف: "حاولت قيادة الجماعة الحالية تحويل دوار الداخلية إلى ميدان التحرير، ووجهت الدولة لهم رسائل تقول: إذا ما بقيتم على علاقتكم التاريخية معنا فنحن مستمرون معكم، أما إذا ذهبتم باتجاه تغيير سياساتكم معنا؛ فمن حق الدولة أن تغير.. وهذا ما حصل بطريقة ناعمة؛ من خلال الخلافات التي دبت في صفوف الإخوان".
 
النظام والإخوان في مركب واحد
 
تاريخيا؛ وقفت جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب النظام الأردني في ظروف سياسية وأمنية كادت أن تطيح بالنظام في فترة الخمسينيات من القرن الماضي. وتحالفت الجماعة مع النظام في مواجهة حكومة سليمان النابلسي، المدعومة من جمال عبد الناصر، والتي دخلت في "صراع" مع الملك الراحل الحسين بن طلال؛ تخللته محاولات انقلاب لضباط بالجيش الأردني عام 1957، وحشدت حينها جماعة الإخوان الشارع ضد الحكومة "القومية" التي أقالها الملك، ثم حظر جميع الأحزاب باستثناء جماعة الإخوان، معلنا الأحكام العرفية في 1957، حتى عودة الحياة الديمقراطية في 1989، وانتخاب مجلس نواب جديد، استطاعت جماعة الإخوان حجز 22 مقعدا فيه، والسيطرة على رئاسته لثلاث دورات متتالية، بالإضافة إلى حصولها على خمس حقائب وزارية في حكومة مضر بدران عام 1991.
 
يقول الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي، محمد أبو رمان، إن "تأزم العلاقة بين جماعة الإخوان والنظام الأردني؛ يأتي نتيجة كرة الثلج المتدحرجة، فالأزمة الحالية ليست وليدة اليوم، فقد بدأت في 1985 عندما وجه الملك حسين بن طلال رسالة مهمة للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، واتهم الإخوان فيها بالخداع".

وأضاف لـ"عربي21" أن العلاقة بين الطرفين "شهدت عام 1989 نقطة تحول كشفت عن حجم القوة الكبير المرعب لجماعة الإخوان المسلمين بعد فوزهم بالانتخابات، لتشهد العلاقة نوعا من التقارب مرة أخرى إبان حرب الخليج في عام 1990".
 
وبحسب أبو رمان؛ فقد "بدأت الفجوة بين الإخوان والنظام بالاتساع في فترة التسعينيات، بسبب اتجاه النظام الأردني نحو التصالح مع الخليج، والخصخصة، ومعاهدة السلام، لتتصدر حينها جماعة الإخوان قوى المعارضة بشكل كبير".

بدأ النظام الأردني يستشعر أن جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي تأسس في 1992، باتا يشكلان "معارضة حقيقية قوية" بحسب عضو مجلس شورى الجماعة، مراد العضايلة، الذي أكد لـ"عربي21" أن "وجود الجماعة كقوة سياسية أولى في المجتمع الأردني منذ عام 1989؛ جعلها في دائرة الاستهداف والسعي لمحاولة إضعافها".
 
وأضاف أن النظام الأردني سعى للحد من وصول الإسلاميين إلى البرلمان؛ من خلال سن قانون جديد للانتخاب عام 1993 سمي بـ"نظام الصوت الواحد غير المتحول" الذي "حجّم الحياة السياسية، وأفرز نوابا على أسس مناطقية وعشائرية، ورجال أعمال، ومقاولين".

وعلل العضايلة هذا التحول في العلاقة بين النظام في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال، وبين "الإخوان"، بأن "النظام الأردني لا يرغب بوجود أي قوة سياسية في الشارع، حتى لو كانت خارجة من رحمه، ويسعى لإضعافها بكل الوسائل".

معاهدة وادي عربة وطرد قادة "حماس"

وشكل توقيع الأردن على معاهدة "وادي عربة" للسلام مع "إسرائيل" في عام 1994، افتراقا مبدئيا بين النظام وبين الجماعة، التي ترفض جميع صور التعامل مع "الكيان الصهيوني".

وعلى وقع توقيع المعاهدة؛ انسحب 17 نائبا إخوانيا من جلسة البرلمان الأردني المخصصة للتصويت على المعاهدة التي استطاعت الحكومة تمريرها من تحت قبة البرلمان، ليعقبها قرار "الإخوان" بمقاطعة الانتخابات النيابية لعام 1997، احتجاجا على النهج السياسي للدولة، ومطالبة بـ"تحسين شروط المشاركة السياسية".
 
وفي عهد الملك عبدالله الثاني الذي استلم سلطاته الدستورية في 7 شباط/ فبراير 1999؛ تأزمت العلاقة بين الجماعة والنظام، وكانت البداية في العام ذاته، حينما أبعدت السلطات الأردنية قادة حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" عن أراضيها، وأغلقت مكاتبها في البلاد.

يقول الباحث أبو رمان: "في عهد الملك عبدالله الثاني؛ كانت الأزمة بين الطرفين تتجه دائما نحو التصعيد، وأخذت في عام 2006 أبعادا إقليمية؛ حيث اصطف الإخوان مع ما يسمى (محور الممانعة)، بينما كانت المملكة إحدى دول محور الاعتدال العربي".
 
قيادة صقورية
 
وازدات العلاقة سوءا بين الجماعة والنظام، عقب سيطرة ما يعرف بـ"جناح الصقور" على مفاصل قرار الجماعة في عام 2006، عقب اكتساحهم الانتخابات الداخلية وحصدهم لأغلب مقاعد مجلس الشورى. ودخلت قيادة حزب جبهة العمل الإسلامي في العام ذاته، في معركة كسر عظم مع حكومة معروف البخيت التي اعتقلت ثلاثة نواب للحزب بسبب تقديمهم العزاء في زعيم تنظيم القاعدة في العراق، الأردني أبي مصعب الزرقاوي.

ولكن العضايلة يرى أن "التضييق على الجماعة لم يكن بسبب القيادة الحالية"، مستشهدا بأزمات سابقة بين النظام والجماعة "لم تكن القيادة الحالية طرفا فيها".

وأوضح أنه "على سبيل المثال؛ عندما كان الأستاذ سالم فلاحات مراقبا عاما للجماعة، فقد أُخذت جمعية المركز الإسلامي، وزُورت انتخابات 2007، كما أنه تم تزوير انتخابات البلديات في العام ذاته، وكان الهدف من كل ذلك إقصاء الحركة الإسلامية، والعمل على ذلك لم يتوقف منذ أكثر من ربع قرن".

الربيع العربي

وقال أبو رمان إن "الأزمة بين النظام والإخوان بقيت تتدحرج، حتى وصلت إلى أسوأ مراحلها مع نجاح ثورات الربيع العربي، حيث قدّرت الدولة أن الإخوان لديهم نوايا حقيقية لإجراء انقلاب ناعم عليها".

أما العضايلة؛ فأكد أن الحركة الإسلامية "لم تخرج عن سياساتها العامة في علاقتها مع النظام، وكان أهم شعاراتها في الربيع العربي؛ إصلاح النظام، لا إسقاطه".
 
وبفعل مشاركة الإخوان الفاعلة في الحراك الشعبي الأردني، ولعب الجماعة دور الموجه والمحتضن للحراكات الشبابية المعارضة؛ فقد أخذ مؤشر العلاقة بين الإخوان والنظام الأردني بالانحناء بوتيرة متسارعة، تخللها اعتقال عدد من قيادات الجماعة ونشطائها، وعلى رأسهم نائب المراقب العام زكي بني ارشيد، الذي حكم عليه في 15 شباط/ فبراير 2015 بالسجن لمدة عام ونصف مع الشغل، بحجة "الإساءة" لدولة الإمارات عبر منشور له على صفحته في موقع "فيسبوك".

ويتهم الإخوان الحكومة الأردنية، بتغذية الخلافات داخل الجماعة؛ من خلال الدعم القانوني لـ"جمعية جماعة الإخوان المسلمين" التي أسسها المراقب العام الأسبق عبد المجيد الذنيبات في آذار/ مارس 2015، ورفع الغطاء القانوني عن الجماعة، والطلب منها عدم إجراء انتخاباتها الداخلية.

واتهم المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، همام سعيد، في حديث سابق لـ"عربي21" الحكومة الأردنية بإنشاء جمعية الإخوان المسلمين، قائلا إن "إنشاء هذه الجمعية هو عمل رسمي، وطلب محاط بالعناية والرعاية الرسمية، والتدرج في خطواتها خطوة خطوة كان على عين الجانب الرسمي وإشرافه المباشر، ولذلك نحن لا نبرئ هذا العمل من أن يكون بالمجمل عملا فيه تدخل في الأفكار الرئيسة وفي التفاصيل الجزئية".

ورأى الباحث أبو رمان أن "الدولة الأردنية تحولت قناعتها منذ فترة طويلة باتجاه جماعة الإخوان، فأصبحت تراها مصدر قلق، لا مصدر تحالف، والأهم من ذلك أن الدولة لن تتراجع وتعيد الإخوان إلى المسرح السياسي القانوني، وهي تدفع بالإخوان إلى التواري والانزواء تدريجيا".

وأضاف أن "الإخوان لديهم نفس التوجه، ورؤيتهم الجديدة التي بدأت تنمو مع خروج زكي بن ارشيد من السجن؛ تتلخص في إنهاء الدور السياسي للجماعة، ومنح هذا الدور لجبهة العمل الإسلامي، وذلك نتيجة لضغوط الدولة من جهة، وللمراجعات الداخلية من جهة أخرى"، متابعا بأنه "لن تكون جماعة الإخوان المسلمين موجودة في المشهد القادم، وسيكون هناك تعويض سياسي للإخوان عبر أحزاب متعددة".

من جانبه؛ أكد وزير الإعلام الأسبق، القيادي السابق في جماعة الإخوان، سميح المعايطة، أن هنالك اختلافا في التعامل الرسمي الأردني مع جماعة الإخوان في عهد الملك عبدالله الثاني.

وقال المعايطة لـ"عربي21" إن العاهل الأردني عند استلامه الحكم؛ كانت لديه مجموعة من المواقف الواضحة التي لم يقرأها الإخوان جيدا، وخصوصا تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ودعم الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة على أرض فلسطين، ذاهبا إلى أن الإخوان "لم يقدموا أنفسهم جيدا للملك عبدالله الثاني، بل على العكس من ذلك؛ تبنت الجماعة عددا من القرارات التي تدل على عدم النضج السياسي، وبالتالي فقد تحول ملف الإخوان لدى الدولة من سياسي إلى أمني، وأصبح لدى الملك وجهة نظر سلبية تجاه الجماعة، وخصوصا إبان فترة الربيع العربي".

وبحسب المعايطة الذي ألف كتابا بعنوان "الدولة والإخوان"؛ فإن "ما يميز الإخوان في فترة الخمسينيات والسبعينيات والثمانينيات؛ أن مواقفهم كانت إيجابية مع الدولة في اللحظات الصعبة، لكن موقفهم كان مخالفا لذلك في فترة الربيع العربي، فكان لديهم طروحات تستقوي على النظام، وكانوا يستقوون بتحالفات الإخوان الإقليمية في مصر، وأصابت إخوان الأردن نشوة عارمة، وأصبح تعاملهم مع استجابات الدولة للإصلاح فوقيا، حيث رفضوا كل شيء، حتى إنهم اشترطوا لمشاركتهم في انتخابات 2013، تعديل الدستور، وتغيير صلاحيات الملك، وتشكيل حكومة برلمانية".

وفي تصعيد وصفه مراقبون بـ"الخطير"؛ ترجمت الحكومة الأردنية تهديداتها للجماعة، وقامت اليوم الأربعاء بإغلاق المقر العام في العبدلي وسط العاصمة عمّان، بالشمع الأحمر، لمنعها من إجراء انتخاباتها الداخلية، ما يشير إلى تصعيد "نوعي" في الأزمة بين النظام الأردني وجماعة الإخوان المسلمين.
التعليقات (0)